تزايد اهتمام الغرب بفنون وثقافة الشرق الأوسط

قمة «الفنون ورعاتها في الشرق الأوسط» في لندن لدعم الجهود الإبداعية والفكرية

لوحة لبيكاسو تبلغ قيمتها 7 ملايين دولار، في رام الله للمرة الأولى
TT

شهدت السنوات العشر الأخيرة ارتفاعا حادا في الاهتمام بفنون وثقافة منطقة الشرق الأوسط. ويشار إلى هذا الاهتمام بشكل عام على أنه تأثير 11 - 9، حيث بلغ الفضول ذروته في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في الغرب، في معرفة نوعية الأفكار والجماليات التي تنتجها منطقة لا يعرف عنها بخلاف ذلك سوى أنها منطقة مليئة بالعنف. وقد أظهر عام 2011 بشكل خاص الزيادة الكبيرة في هذا الاهتمام. ويرى البعض هذا الأمر على أنه نعمة، لأن الفن العربي قد حصل في النهاية على ما يستحقه من اهتمام، في حين يرى آخرون أنه لعنة، لأن الفن العربي لا يعدو كونه مجرد اتجاه فني آخر. ولكن بغض النظر عن ذلك فإن الفن العربي بحاجة ملحة اليوم إلى التشجيع والدعم، على الرغم من أن تاريخه يتجاوز السنوات العشر بكثير.

وقد عقدت قمة بعنوان «الفنون ورعاتها في الشرق الأوسط» في لندن يومي 12 و13 يناير (كانون الثاني) من عام 2012. وعلى الرغم من أن العنوان يشمل الكثير من المواضيع، فإن جوهر موضوع القمة يظل هو أن هناك حاجة لرعاية الفنون في العالم العربي، حيث ناقش مجموعة من المهنيين، سواء من المدنيين أو التابعين لشركات خاصة، من مختلف أنحاء المنطقة، فضلا عن الولايات المتحدة وأوروبا، السبل التي يمكن من خلالها رعاية الفنون. وقد مالت المناقشات النظرية والعملية نحو فكرة السبب في كون الفنون تعد شيئا في غاية الأهمية بالنسبة لنا كبشر، وبالنسبة للشرق الأوسط بشكل خاص. ونظرا لأهمية الوقت الحاضر فقد كانت الدعوة لدعم المساعي الإبداعية والفكرية واضحة.

وكانت الموضوعات التي ركزت عليها القمة بشكل أساسي هي تطوير المجموعات والمؤسسات والتعليم، فضلا عن المخاطر والمعرفة، وذلك عن طريق مجموعة من النقاط النظرية ونماذج للممارسين على أرض الواقع في فلسطين والعراق والإمارات وغيرها من دول المنطقة.

ويعد دور المؤسسات في الشرق الأوسط موضوعا بالغ الأهمية في الوقت الحالي، فقد ذكرت الصحافية كالين ويلسون غولدي في الشهر الماضي، في صحيفة «ديلي ستار» اللبنانية، أن هناك عددا كبيرا من الأماكن الفنية الموجودة في بيروت اليوم يفوق عددها في أي وقت مضى. ويمكن قول الشيء نفسه عن منطقة الخليج، بدءا من متحف الفن الإسلامي في الدوحة، إلى الدعاية الكبيرة - التي هدأت الآن تماما - حول الخطط المزمعة لإنشاء فرعين لمتحفي اللوفر وغوغنهايم في أبوظبي. وقد أدت الاضطرابات السياسية في مصر إلى ظهور موجات جديدة من التعبير الفني التي فتحت الأبواب لظهور أماكن فنية جديدة، بعضها ما زال باقيا، والبعض الآخر أغلق أبوابه بنفس السرعة التي فتحها بها. وقد أضاف الاهتمام الأجنبي أيضا بعدا جديدا، بخلاف كونه مسؤولا عن انعقاد هذه القمة في لندن، بدلا من عقدها في مدينة من مدن الشرق الأوسط، وهو الشبكات العالمية.

ونظرا للاختلافات الموجودة في هذه المؤسسات الجديدة فإن الحجم والعلامة التجارية من الأمور التي لم تعد مهمة، بل أصبح المهم هو مدى قدرة هذه المؤسسة أو تلك على خدمة الجمهور، وعلى خلق مساحة للتفكير.

ويتركز عمل المتاحف على جانب آخر مختلف، وهو المجموعات الفنية، حيث تقول ريم فضة، مساعدة أمين متحف غوغنهايم أبوظبي لفنون الشرق الأوسط: «سئمنا وتعبنا من محو تاريخنا. لقد نسينا مدننا لأنه لم يعد هناك شيء يذكرنا بها. ويجب علينا إضفاء الطابع المؤسسي على هذه النتائج والوقائع والتحف، وذلك من خلال التحاور معا، ونفض الغبار عن قصصنا وتاريخنا».

وقد وضع المؤرخ الفني، سام بارادويل، هذا الأمر في حجمه الصحيح، عندما تحدث عن مصباح مملوكي يعود تاريخه إلى القرن الـ19، وهو عبارة عن تحفة فنية إسلامية معروضة حاليا في متحف «فيكتوريا أند ألبرت» في لندن، حيث طرح بارادويل السؤال التالي: كيف انتهى المطاف بهذه القطعة إلى أن توضع في هذا المتحف؟ وقد كشفت عملية تتبع تاريخ تداول هذه التحفة أنه تم شراؤها في المعرض العالمي الشهير الذي أقيم في عام 1867 في باريس. وكان مجموعة من هواة جمع التحف قد جلبوا هذا المصباح إلى المعرض بعدما قاموا بشرائه من مجموعة من الحفارين الذين كانوا يقومون في ذلك الوقت بتحديث مدينة القاهرة وبناء البنية التحتية والشوارع، حيث توضح لنا مثل هذه الأمثلة كيف أن البحث في تاريخ الأشياء يجعلنا نعثر على قصص جديدة. وعلى الرغم من أن قيمة هذا المصباح تكمن بشكل أساسي في مهارة صنعة، فإن جزءا كبيرا منها يكمن أيضا في الوقائع المحيطة باكتشافه وتداوله والأشخاص المسؤولين عن ذلك.

والتربية الفنية بحاجة ماسة إلى الدعم، حيث تشير جود كيلي، المديرة الفنية لمركز ساوث بانك في لندن، إلى هذا الأمر قائلة: «لا يكفي أن نكتفي بـ(عرض) التحف الفنية على الناس، بل ينبغي علينا أن نجعلهم يمارسون الفن». وطرحت التساؤل التالي بشأن مسألة الدعم: «ألا يرغب رعاة الفن في إظهار الإمكانيات الفنية الكاملة للمجتمعات؟».

ورغم كل هذا لا تزال التهديدات التي تواجهها الفنون في الشرق الأوسط أكبر من فرص النمو، حيث يقول ولي مهلوجي، وهو أمين متحف، بريطاني الجنسية من أصل إيراني، متحدثا عن عمليات إغلاق بعض المؤسسات الثقافية التي تمت مؤخرا في طهران، التي تضمنت «بيت السينما» الإيراني: «إن ما يحدث يشكل تهديدا بمحو ثقافتنا، حيث سنفقد أجزاء من تاريخنا إذا لم يعد هناك مكان يمكننا تخزين الوثائق والتحف فيه».

ومن الواضح أن المنطقة ليست وحدة متكاملة، حيث إن المناطق المختلفة الموجودة بها تواجه تهديدات مختلفة. وفي بعض الأماكن التي تبدو فيها العقبات أكثر وضوحا عن غيرها يستطيع الفنانون إيجاد سبل للالتفاف حول القيود التي تمنعهم من المشاركة في الأعمال الفنية، حيث عرض مشروع بيكاسو في فلسطين، على سبيل المثال، الذي يديره المدير الفني خالد حوراني، لوحة لبيكاسو تبلغ قيمتها 7 ملايين دولار، في رام الله للمرة الأولى، وقد جعلت الجهود التي بذلت خلال العاميين الماضيين، التي تضمنت التفاوض حول التأمين والأمن والخدمات اللوجيستية الأساسية، هذا المشروع أكبر من مجرد كونه معرضا لإحدى لوحات فنان الحداثية الأشهر، حيث برهن هذا المعرض على قوة تأثير الأوضاع الأمنية على الحياة اليومية في فلسطين، وكيف أنها تؤدي إلى خنق الإبداع. وقد تضمن المعرض، إلى جانب اللوحة الثمينة ورجلي الشرطة المكلفين بحراستها طوال الـ24 ساعة، الوثائق والمراسلات التي تم تداولها خلال العامين الماضيين، التي أتاحت إمكانية القيام بمثل هذا المعرض، حيث علق حوراني قائلا: «ستكون هذه اللوحة بعد عودتها إلى هولندا، إحدى لوحات بيكاسو التي زارت فلسطين»، وهو ما يؤكد من جديد على أهمية تاريخ الأعمال الفنية وتنقلها عبر الزمان.

وتواجه البحرين عوائق مختلفة، رغم كونها جزءا من منطقة الخليج الثرية، ليست لديها الموارد التي لدى مثلها من دول الجوار. وعند طلبها الحصول على تمويل دولي يتم حذفها من قائمة الدول التي تحصل على تمويل بسبب إجمالي الناتج المحلي الخاص بها. على الجانب الآخر تعد فكرة المؤسسات التي لا تهدف إلى الربح جديدة بالنسبة إلى ثقافة مالية تركز على نمو الشركات واستضافة مؤسسات مالية، إذ لا يوجد قطاع حكومي يتعامل مع المنظمات غير الحكومية وتلك التي لا تهدف إلى الربح والتي تستهدف الناس.

وتواجه الجزائر، التي لا تزال تحصل على تمويل من فرنسا، مشكلات تتعلق بالتأشيرات. تقول زينب سيديرا، مديرة مشروع تجريبي هو «مساكن للفنانين» في الجزائر العاصمة: «من الصعب دعوة فنانين أجانب إلى الجزائر لتقديم فنونهم وتبادل الخبرات». مع ذلك مشكلة التأشيرات ليست في الجزائر فقط، بل تمتد إلى دول أخرى، حيث يصعب على الكثير من الجنسيات العربية السفر إلى فلسطين، ولا يستطيع الكثير من الفلسطينيين دخول لبنان، بينما يجد الكثير من اللبنانيين والمغاربة صعوبة كبيرة في السفر إلى دول الخليج، وهكذا دواليك.

وتلعب العوائق الثقافية دورا كبيرا في هذا المجال، فحاليا المشكلة الكبرى هي الرقابة. فعادة ما ينظر إلى الأماكن التي تقدم فيها الفنون باعتبارها الأماكن المناسبة لهذا. وبالنظر إلى الوضع السياسي اليوم، هناك حاجة ماسة للتجربة وتوسيع الفضاء الثقافي والفكري والسياسي أيضا بطرق تتماشى مع ما يحدث من تغير على أرض الواقع. ويجب أن يتمتع الفن بالحماية اللازمة حتى يكون وسيلة مدنية تسمح بالتطور الفكري بالتوازي مع التغيرات الاجتماعية التي طال انتظارها. يجب أن يحظى ذلك بدعم على الأرض، ويفضل أن يكون ذلك من المجال الذي يحتاج إلى تنمية وتطوير.

وقد أشار بيان كانو، مدير «الرواق» في البحرين، وهو منبر لتقديم الفنون، إلى أن التغلب على توقعات وإدراك الشعب والحكومة من التحديات التي تشهدها منطقة الخليج العربي. وقال: «لقد مررنا بأوقات عصيبة من أجل دعم التفكير النقدي، فالنقد ليس متوقعا».

بجانب العوائق هناك مخاطر، فقد أشارت ويلسون غولدي إلى المفهوم الذي يقول إن الفن بوجه عام لا يمثل أولوية، وتوضح الحاجة إلى «الإنسانية التنويرية» أو العطاء دون انتظار مقابل مادي، لكن هذه المخاطر تعد ضئيلة نسبيا مقارنة بالمخاطر التي يواجهها الفنانون المعرضون للاغتيال. وينبغي أن يتم إعادة النظر في المفارقات المتعلقة بطريقة تقديم الثقافة، فبينما تم اختيار دمشق كعاصمة للثقافة العربية عام 2008، فإنها مدينة تعرف بأنها مقر لأكبر نظام قمعي في هذه المنطقة، حيث لا تتم مهاجمة الفنانين والكتاب فحسب، بل أيضا تترك جراحهم التي تمثل رمزا، مثل الأيدي المكسورة لرسامي الكاريكاتير، والحبال الصوتية الممزقة للمغنين، تنزف.