ثلث التلاميذ اللبنانيين يجهلون أي تخصص جامعي يختارون

«شو بدك تعمل بس تكبر» سؤال ترد عليه وحدها مؤسسة «وزنات»

بعض أعضاء المؤسسة العاملين في توجيه تلاميذ المدارس نحو الاختصاص المناسب لهم («الشرق الأوسط»)
TT

«شو بدّك تعمل بس تكبر؟» هو السؤال التقليدي الذي يطرحه الأهل على أولادهم عندما يرغبون في استنباط مواهبهم وأحلامهم المستقبلية، وللوقوف على الخيارات التعليمية التي تدغدغ خيالهم عندما يبلغون عمرا معينا يسمح لهم بتكوين صورة واضحة، إلى حد ما، عن الاختصاص الذي ينوون دراسته.

وعادة ما يتمنى الأهل أن يأتي رد أولادهم ملائما لتطلعاتهم الشخصية، فيأملون أن يكون الجواب مثلا: «أريد أن أصبح طبيبا»، أو «أريد أن أكون مهندسا أو محاميا»، ويُصابون بخيبة أمل إذا ما جاء الجواب كالتالي: «أريد أن أصبح محاسبا أو ميكانيكيا أو رساما».

من هنا انبثقت مؤسسة «وزنات»، التي أخذت على عاتقها التوفيق بين أحلام الأولاد وتطلعات أهلهم، من خلال العمل على توجيههم نحو الاختصاص الملائم لشخصيتهم واهتماماتهم، فلا يكونون مجبرين على القيام بدراسة لا يرغبون فيها فقط من أجل أرضاء أهلهم، بل عن طريق الاقتناع بقرارهم المستقبلي، وهم لا يزالون على مقاعدهم الدراسية في السنوات الثلاث الأخيرة منها.

وتعتبر مؤسسة «وزنات» الوحيدة من نوعها في لبنان، وهي ذات طابع استشاري، تعمل مع فريق متخصص يتألف من 13 شخصا خضعوا لـ100 ساعة تدريب في هذا المجال، ومهمتهم توجيه التلميذ وهو لا يزال في المرحلة الثانوية من دراسته نحو الاختصاص الجامعي الذي يناسبه أكاديميا ومهنيا، فيختار مهنة حياته دون التعرض لأي ضغوطات بيئية أو اجتماعية تذكر.

ويتحدث د. سمير قسطنطين، مؤسس ومدير المؤسسة لـ«الشرق الأوسط»، شارحا أهداف «وزنات» والمنهج العام الذي تتبعه في توجيهها للتلامذة، من خلال 55 مدرسة لبنانية تتعاون معها في هذا الصدد، فيؤكد أن البرنامج المعتمد من قبل المؤسسة يشمل خمس نواح أساسية تساعد التلميذ في تثبيت خياراته المستقبلية، من خلال تزويده بمعلومات حول المهن والاختصاصات كافة، ضمن حصص دراسية منتقاة من دوام ساعات التدريس العادية، وكذلك إلقاء الضوء على 130 مهنة واختصاصا جامعيا، من خلال كتيب بعنوان «خارطة الطريق من أجل مستقبلك»، وعقد لقاءات ثنائية للطلاب وأهاليهم مع المرشدين المنتدبين من المؤسسة للاستفسار حول كل المواضيع الجامعية، التي تهمهم، إضافة إلى تنظيم معارض تربوية في حرم المدارس تشارك فيها الجامعات التي تستقطب توجهات التلامذة في شتى الميادين، والتي تسمح لهم بالتعرف عن كثب على الاختصاصات ومعايير الدخول إليها من خلال الأسئلة التي يطرحونها على ممثليها. ويضيف د. قسطنطين: «نلاحظ عادة الاندفاع وعلامات السرور على وجوه التلاميذ الذين يشعرون بالاعتزاز، كونهم أصبحوا على بضع خطوات من مصيرهم المهني، والأهم هو تلك العلاقة الحميمة التي تولد بين الأهل وأولادهم في هذا الإطار، مما يضع اتخاذ قرار الاختصاص في إطاره الصحيح دون أن يتفرّد به طرف دون آخر».

ويشير مدير مؤسسة «وزنات» إلى أن التلامذة يخضعون لاختبار أولي وهو كناية عن نحو 250 سؤالا قصيرا يطرح عليهم من قبل مندوبيها، فيعطيهم فكرة واضحة عن شخصية التلميذ واهتماماته والعالم المهني الذي قد يبرع فيه لو دخله. وتشير الإحصاءات إلى أنه يتوجه سنويا إلى سوق العمل أكثر من 25000 متخرج جامعي، ومن بينهم 20000 طالب تلقوا دراستهم الجامعية من الجامعات والمعاهد العليا، والباقون يعودون إلى سوق العمل حاملين معهم شهادات من الدولة التي كانوا يتابعون فيها دراساتهم العليا.

وتعتبر الجامعة اللبنانية صاحبة العدد الأكبر في تخريج الطلاب (9000 خريج) وتليها جامعة بيروت العربية، ثم جامعة القديس يوسف، فالجامعة الأميركية وجامعة الروح القدس ومن ثم اللبنانية الأميركية.

أما السمة الإجمالية للتخصصات فهي علمية أو تطبيقية يتبقى ثلثان منها فقط للاختصاصات الأدبية، بما فيها التعليمية.

ومن خلال السنوات العشر، التي واكبت فيها «وزنات» تلامذة المدارس في لبنان (أي منذ تأسيسها) استطاعت أن تكشف عن نسبة مرتفعة من بينهم التي تتمتع بالعبقرية (genius)، وصلت إلى 7 في المائة، التي استطاع أصحابها الانخراط في مؤسسات وشركات عالمية تعتمد على الذكاء والمهارة، كوكالة «ناسا» الفضائية.

ويعاني لبنان من تخمة في الاختصاصات التالية: الطب (هناك طبيب لكل 400 مواطن) والهندسة، إذ إن هناك 37000 مهندس يحملون إذن مزاولة المهنة (إذن إلزامي من قبل الدولة اللبنانية) أي 3.7 ضعف عدد الأطباء.

أما المهن التي تشهد نموا ملحوظا في السنوات الأخيرة في لبنان فهي المحاسبة والإدارة الضيافية وعلم النفس، وأخرى في طريقها إلى النمو، كتكنولوجيا المعلومات والقطاع المصرفي.

ويرى د. قسطنطين، الذي هو أيضا تخصص في غير مجالات العمل التي زاولها (كصحافي وعميد كلية اللبنانية الأميركية وحاليا مدير مؤسسة) أن تدخل الأهل في قرارات أولادهم خف بفضل مؤسسته، بنسبة 30 في المائة مما كان عليه الأمر في السابق، وأن الخلاف الذي كان يسود أجواء نقاشاتهما قبلا تحول اليوم إلى حوار يغلب فيه المنطق على مبدأ التنظير، وأن فئات التلامذة تتوزع على ثلاثة أثلاث: الثلث الأول الضائع، الذي لا يعرف أي اختصاص يختار، والثلث الثاني الحائر ما بين هذا الاختصاص أو ذاك، والثلث الثالث المتأكد من خياراته المستقبلية، وجميعهم بحاجة إلى من يعزز هذه الخيارات لديهم ويوعيهم بمدى نجاحهم فيها.

أما بالنسبة للتلاميذ الذين يختارون الاختصاصات الفنية (الرسم والمسرح والموسيقى وغيرها) فتبلغ نسبتهم نحو الـ10 في المائة وتكون مهمة المؤسسة في هذا النطاق الشرح الوافي لهؤلاء عن فرص العمل القليلة في هذا المجال في لبنان، وكذلك ملاحظة المردود المادي الضعيف فيه، فيكونون مدركين مسبقا ما ينتظرهم فيما لو اختاروها مهنة لهم.