مهرجان «زيتون 5» يتخطى حاجز الـ161 ألف زائر في أيامه الأولى

قصة حب بثمرة الشجرة المباركة تضع مدينة الجوف السعودية على خارطة الاقتصاد

26.6 مليون دولار حجم مبيعات مهرجان الزيتون على مدى السنوات الثلاث الماضية فقط («الشرق الأوسط»)
TT

للزيتون في الجوف (شمال السعودية) قصة حب ضاربة في عمق التاريخ منذ آلاف السنين، ترويها أشجار الزيتون المتحجرة، التي كشفت عنها عمليات التنقيب الأثرية بالمنطقة.

ومنذ العصور القديمة حتى يومنا هذا، فإن الجوف والزيتون تحكيان قصة علاقة وطيدة، منذ أن قرر الإنسان، في عصور ما قبل التاريخ، أن يجمع من فاكهة أشجار الزيتون البرية غذاء له، لتتطور العلاقة فتكون شجرة الزيتون مصدرا لجميع احتياجاته الدوائية والغذائية.

وقد أسهم المناخ والتضاريس البيئية الملائمة، التي تتوافر في منطقة الجوف، إضافة إلى عذوبة المياه في الآبار والمياه الجوفية؛ في أن تكون الجوف منطقة زراعية تتوافر فيها بكميات تجارية كل أنواع المزروعات من أشجار، بشكل يعود بالربح والفائدة على المستثمر، فكانت الجوف سلة غذاء للمملكة، إضافة إلى كونها المنطقة الوحيدة بالبلاد، التي يوجد بها الزيتون والنخيل جنبا إلى جنب.

ومنذ عام 2008، تحتفي منطقة الجوف بمهرجان الزيتون، الذي دخل عامه الخامس. ويسعى المهرجان لاستقطاب الشركات التي تعنى بزراعة الزيتون وإنتاجه وعصره وتخليله لعرض ما لديهم من خبرات وتجارب بكل ما يتعلق بزراعة وإنتاج واستثمار هذا المنتج. وتباهت الجوف بأكثر من 12 مليون شجرة زيتون تسكب سنويا على موائد السعوديين 46 ألف طن من زيت الزيتون.

وتعود زراعة الزيتون بشكل منظم بمنطقة الجوف إلى أوائل عام 1960؛ حيث أنشأت وزارة الزراعة وحدة خاصة بأبحاث الزيتون في الجوف تهدف إلى تحسين وتطوير إنتاج الزيتون.

كان المواطن عايض الواكد، رحمه الله، من أهالي منطقة الجوف، أول من بدأ بزراعة الزيتون في المنطقة عام 1972، وكان يلجأ لاستيراد الشتلات وعصر زيت الزيتون في الأردن، وكانت رحلة الانتقال بالمحصول بين الجوف والأردن تواجه صعوبات عدة، عطفا على عدم وجود طرق معبدة وسيارات كبيرة لنقل المحصول وتأمين عودة المنتج بشكل آمن. وكانت إمارة المنطقة في ذلك الوقت قد منحت الواكد خطابا للجمارك لإخراج حب الزيتون لعصره بالأردن ومن ثم استعادته للجوف؛ حيث كانت الأنظمة المعمول بها في ذلك الحين تمنع خروجه من البلاد.

إلى ذلك، حقق مهرجان الزيتون الأول بالجوف فرصا استثمارية للمزارعين لتسويق منتجاتهم من الزيتون؛ حيث تم خلال ذلك المهرجان الأول تسويق كامل إنتاج المنطقة من الزيتون، فقدرت المبيعات في حينها بما يزيد على 10 ملايين ريال.

وفي مهرجان الزيتون الثاني تخطت أصداؤه حدود المملكة إلى عدد من الدول العربية والأوروبية بعد أن حقق أرقاما قياسية؛ حيث بلغ عدد زواره 321 ألف زائر، تداولوا مبيعات بأكثر من 21 مليونا و312 ألف ريال خلال 25 يوما، وفي وقت تلقت اللجنة المنظمة اتصالات من مستثمرين من داخل المنطقة وخارجها أبدوا رغبتهم بالاستثمار بواحة الزيتون في منطقة الجوف، التي أطلقها أمير المنطقة في حفل الافتتاح، وهي عبارة عن مخطط يتم توزيعه للاستثمار في صناعات الزيتون ومشتقاته من التغليف والتعبئة وعصر الزيتون وتخليله وصناعة الفحم والصابون والشامبو.

كما صدرت شركة «الجوف الزراعية» زيت الزيتون إلى دولتي إسبانيا وسويسرا، وتمكن المهرجان من توفير فرص عمل لنحو 400 شاب، بينما تمكنت أكثر من 120 أسرة منتجة من تسويق أكثر من 80% من إنتاجها من السدو والنسيج والخوص، وهي صناعات تراثية محلية تشتهر بها المنطقة، مما أسهم بدفع العجلة الاقتصادية بالمنطقة.

وبهذا يحقق المهرجان في أعوامه الأربعة السابقة أرقاما قياسية بمبيعات قاربت 100 مليون ريال، ووصولا إلى المهرجان الخامس هذا العام؛ حيث تزداد التطلعات لنجاح اقتصادي كبير يفوق ما سبقه من أعوام، خصوصا أن منتج الجوف من الزيتون وزيته يزداد عاما بعد عام لاتساع الاهتمام به وانخراط بقية المزارعين بزراعته.

وبحسب المتابعين للمهرجان، فقد تجاوزت الصفقات التجارية التي عقدت في مهرجان الزيتون للاستثمار والتسوق «زيتون 5» حاجز الـ20 مليون ريال خلال أسبوع الأول على انطلاقته، وشملت المبالغ زيت الزيتون والزيتون، والصفقات التجارية والإرساليات التي تم شحنها عن طريق البريد الممتاز وصفقات شتلات الزيتون.

كانت إحصائية المبالغ التي تم الإعلان عنها خلال الأيام الأولى تقدر بنحو 1.3 مليون ريال، دون ما تم شحنه عن طريق البريد الممتاز والصفقات التجارية، ويعود ارتفاع الإحصاءات إلى عدد الصفقات الكبرى التي تمت خلال المهرجان ووفرة الإنتاج هذا العام.

وذكر الرئيس التنفيذي للمهرجان، الدكتور محمد بن دايس الدندني، أن المبيعات كانت 70%، مبيعات الزيت وزيت الزيتون، بينما 30% كانت لمبيعات الأسر المنتجة من السدو والهدايا والمأكولات الشعبية. وبيَّن الدندني أن أعداد الزائرين تجاوزت حاجز الـ160 ألف زائر في الأيام الثلاثة الأولى فقط، وتعود أسباب الزيادة في عدد الزائرين والمبيعات إلى إجازة منتصف العام الدراسي، التي شهدت حضورا كبيرا لزوار من خارج منطقة الجوف.

وحقق زيت الزيتون الجوفي أسعارا تنافسية قياسية هذا العام، قياسا على دوراته السابقة؛ حيث تجاوزت الأسعار حاجز الـ160 دولارا (600 ريال)، كما استطاع بعض الباعة في المعرض الزراعي في المهرجان بيع بعض إنتاجاتهم من زيت الزيتون بمبلغ 266 دولارا (1000 ريال)، مؤكدين جودة زيت الزيتون من مزارعهم الخاصة.

في السياق ذاته، أكد عدد من المزارعين أنهم قبل بداية المهرجان كانت تباع تنكة زيت الزيتون ذات الـ16 كيلو بمبلغ لا يتجاوز 53 دولارا (200 ريال)، وربما أقل، مؤكدين نقص الخبرة لديهم من خلال التوزيع، وأيضا من خلال التسويق، وعند بداية مهرجان الزيتون في دورته الأولى حقق زيت الزيتون مبالغ تجاوزت الـ133 دولارا (500 ريال)، مما شجع الكثير من المزارعين على زراعة أشجار الزيتون والبحث عن أفضل الأنواع التي يمكن أن تستخدم للزيت، وكذلك الأنواع التي يمكن الاستفادة منها للتخليل، ويرى عدد من المزارعين أن المهرجان هو الذي شجع الكثير منهم على زراعة الأشجار؛ حيث وجدت سوق تحتضن الكميات التي تنتجها المزارع.

ويرى مستثمرون أن توجه أغلبية مزارعي المنطقة إلى زراعة أشجار الزيتون هو خطوة جيدة، وذلك لما تحققه زراعة أشجار الزيتون من عائد اقتصادي جيد بالنسبة للمزارع، كما يؤكدون أن هناك طلبات من جميع مناطق المملكة على زيت زيتون الجوف وذلك لجودته العالية، ولكونه عضويا ولا توجد به أي مواد كيميائية أو حافظة، كما أن الزيتون لم يقتصر فقط على زيته بل هناك إمكانية التخليل وأيضا الاستفادة من جفت الزيتون لإنتاج الفحم، بالإضافة إلى صناعة الصابون.

كما يؤكد عدد من المستثمرين أن زيت زيتون الجوف بدأ ينافس برميل البترول الذي لا يتعدى سعره سعر تنكة زيت زيتون الجوف البكر، وشهد زيت زيتون الجوف إقبالا كبيرا من رجال الأعمال الذين أبدوا إعجابهم بجودة زيت الزيتون بالجوف حتى بدأ ينافس دولا مصدرة للزيت كإسبانيا، كما أن هناك دولا أوروبية يصل إليها إنتاج منطقة الجوف من زيت الزيتون وذلك لجودته العالية.

ويعتبر زيت زيتون الجوف من أجود أنواع الزيوت، وكما هو معروف فإن زيت زيتون الجوف هو زيت عضوي 100% وبكر، ويتم عصره على البارد، مما يعطي فائدة كبيرة منه ويكون فيه شفاء للكثير من الأمراض بإذن الله.

واستحدث مهرجان الزيتون الخامس للاستثمار والتسوق بالجوف لجنة لمراقبة معاصر زيت الزيتون، وقد باشرت اللجنة عملها لمراقبة معاصر الزيتون بالوقوف على جميع المعاصر الحكومية والخاصة بمدن ومحافظات منطقة الجوف، وذلك لضمان جودة المنتج المعروض في مهرجان الزيتون الخامس.

وقد ضمت هذه اللجنة الرباعية كلا من: أمانة منطقة الجوف، وفرع وزارة التجارة بالجوف، ومركز الأبحاث الزراعية بالجوف، وفرع وزارة الزراعة.. وتهدف إلى متابعة تطبيق معايير الجودة لتقديم منتج ذي جودة عالية بعد إتمام عملية عصر الزيتون، وقد قامت اللجنة بإعداد تقاريرها حول منتج الزيت.

ويعتبر معرض الزيتون بمهرجان الزيتون للاستثمار والتسوق بالجوف النافذة التسويقية الحقيقية لمهرجان الزيتون للاستثمار والتسوق «زيت أضاء الوطن»؛ حيث ذكر عدد من المزارعين الموجودين في معرض الزيتون بيع أكثر من 70% من إنتاجهم من زيت الزيتون والزيتون بنهاية اليوم التاسع من أيام المهرجان، التي تستمر مدة 14 يوما، كما أن معرض الزيتون لم يقتصر فقط على مزارعي منطقة الجوف، بل إن هناك وجودا كبيرا من قبل مزارعي محافظة القريات وطبرجل (على الحدود الشمالية للسعودية)، الذين كان لهم وجود كبير في هذا العام، وذلك من خلال عرض منتجاتهم من زيت الزيتون والزيتون.

ولا تقتصر فعاليات مهرجان «زيتون 5» على العمليات التسويقية والتجارية؛ حيث عمدت اللجنة العليا المنظمة للمهرجان إلى الاستفادة من الحدث في مجالات ترفيهية وترويحية لاستقطاب الزوار وعوائلهم، ولتنمية الجذب السياحي للمنطقة؛ حيث تمكنت اللجنة المنظمة من حشد عدد من الفعاليات والبرامج والمناشط الثقافية والترفيهية والرياضية.

كما تمت الاستفادة من الحدث لتفعيل دور الأسر المنتجة محليا من خلال إقامة خيمة الأسر المنتجة بـ«زيتون 5»، التي شاركت بها ما يربو على 80 أسرة مسجلة لدى جمعية الملك عبد العزيز النسائية الخيرية بالجوف، ويأتي هذا الإقبال استجابة لفتح باب المشاركة الموسع من الجمعية لهذه الأسر، وتقوم الجمعية بتبني مواهب الأسر للإنتاج المنزلي، ومن أبرز أوجه هذا التشجيع: «جائزة سارة بنت عبد الله» لتشجيع الأسر المنتجة.

وبحسب الدكتور محمد بن دايس الدندني، الرئيس التنفيذي لمهرجان «زيتون 5» بالجوف، فإن الفعاليات لهذا العام روعي فيها أن تتناسب مع جميع شرائح المجتمع، موضحا أن المهرجان استطاع تنظيم فعاليات الأطفال التي حضرها ما يزيد على 30 ألف أسرة مع أطفالها، خلال حفل فرقة كراميش وفرقة نجوم المرح.

كما أن عددا من الفعاليات قدمت لشباب من خلال عروض لفرقة الشقاوي وفرقة النمور وعروض السيارات الوحشية ورالي الزيتون وكرة الطائرة الرملية وسباق الدراغ الرملي وسباق الفروسية، بالإضافة إلى مسابقات ثقافية موجهة للشباب، ومعارض الفنون الجميلة وعروض السيرك وعروض التحدي وغيرها، وذلك على هامش الفعاليات.

وفي جانب الفعاليات النسائية المصاحبة للمهرجان، فقد اشتمل المهرجان في دورته الحالية على عدد من الدورات التدريبية التي قدمتها مدربات من داخل المنطقة وخارجها، بينما قدم المهرجان عددا من الأمسيات الشعرية لعدد من شعراء الشعر الشعبي، بالإضافة لاحتواء برامج وفعاليات المهرجان على محاضرات دينية.

غير أن أبرز ما قُدم خلال المهرجان هي الندوات والمحاضرات العلمية التي ناقشت مدى فائدة الاستثمار في مخلفات ثمرة الزيتون؛ حيث كشفت محاضرة علمية أقامتها اللجنة العلمية بجامعة الملك فيصل عن جدوى استخدام مخلفات الزيتون في البناء؛ حيث إن الدراسات العلمية أثبتت جدوى الاستفادة من مخلفات الزيتون لكونها تزيد مواد البناء صلابة.