ريجين.. ملكة الليالي الباريسية تبيع فساتينها في المزاد العلني

الراقصة التي استحقت وسام الشرف وسيدة الأعمال التي جعلت من السهر فنا عالميا

سهر في المراقص التي تملكها ريجين حول العالم كبار رجال الفن والسياسة والمال
TT

عندما كانت في قمة تألقها، اعتادت ريجين ملكة الليالي في باريس أن تجد كبار مصممي الأزياء طوع يديها لكي تختار فساتين سهراتها من بين تصاميمهم. ويروي كارل لاغرفيلد، كبير مصممي «شانيل»، أنها لم تكن تذهب إلى دور الأزياء لتقيس الثياب؛ بل كان هو الذي يذهب إليها لإجراء «البروفات» في المرقص الشهير الذي كانت تديره في حي «مونبارناس». واليوم، بعد أن بلغت ريجين من العمر 82 عاما وتعبت من السهر والدخان والغناء، قررت أن تبيع مجموعة من فساتينها التي ارتدتها على المسارح في مزاد علني بإشراف مؤسسة «تاجان»، السبت المقبل، لصالح إحدى الجمعيات الخيرية.

والملكة البلجيكية الأصل التي سهر في المراقص التي تملكها حول العالم كبار رجال الفن والسياسة والمال في العالم، ولدت وفي فمها ملعقة من تنك. لقد نشأت فقيرة في حي «بيلفيل» الشعبي الذي كان البوتقة التي يختلط فيها المهاجرون العرب واليهود، ولم تعرف في طفولتها الثياب الجديدة. لكنها كانت تريد أن تصبح فنانة شهيرة مهما كان الثمن. وعندما تحققت أهدافها وبدأ المال يجري بين يديها، صارت الفساتين البراقة والأحذية الثمينة شغفا لا تمل من إشباعه. ولم تكن ريجين شوكرون ترتدي أي شيء؛ بل تمتلك أسلوبها الخاص الذي يخفي حدبتها الخفيفة ويتماشى مع امتلاء قامتها ولون شعرها الأحمر.

ما أكثر الملاهي وأماكن السهر في باريس في تلك الحقبة من ستينات وسبعينات القرن الماضي. غير أن مرقص «شي ريجين» في شارع «بونتيو» كان، أيضا، ملتقى المثقفين والكتاب والشعراء ومخرجي السينما وكبار مصممي الأزياء، والمكان الذي تنطلق منه الأفكار الجديدة ونصوص الأغاني وعقود الأفلام. وكان من زبائنها الدائمين كاتب الأغاني والملحن شارل أزنافور وزميله سيرج غينزبور وجو داسان والمغنية بربارا ومصمم الأزياء إيف سان لوران وراقص الباليه نورييف والرئيس بومبيدو والممثلة بريجيت باردو.. والعشرات غيرهم. إنها المرأة التي رقصت «التانغو» مع تشارلي تشابلن، وأدارت رأس نجم هوليوود روبرت ميتشوم، واستوردت رقصة «التويست» إلى باريس. تلك الرقصة التي كتب الشاعر والرسام المتعدد المواهب جان كوكتو أنها «مؤخرات تلهو مع أناس يضجرون». لقد عرفت المهاجرة الفقيرة كيف تثقف نفسها بنفسها وتتعلم من كل أصناف البشر الذين خالطتهم. لقد كانت مضيفة كريمة تجيد الاستقبال.. تبهجهم، وتسقيهم، وتغني لهم، وتشجعهم على الرقص، وتستمع إلى شكاواهم، وتقدم لهم المشورة، وتقرأ لهم البخت، وتمسح عنهم هموم النهارات الطويلة المرهقة. لذلك وصفتها صديقتها الروائية فرانسواز ساغان بأنها «الملكة السوداء لليالينا البيضاء». و«الليلة البيضاء» في العرف الفرنسي هي تلك التي لا يغمض لساهرها جفن.

تحولت ريجين إلى علامة لزمن باريسي معين، وخرجت من منتداها الليلي الأول لتفتح نادي «نيو جيمي» في حي «مونبارناس» ثم لتلبي طلبات أصدقائها وتفتتح فروعا في عواصم غربية وشرقية عديدة، من نيويورك حتى ريو دي جانيرو مرورا بمونت كارلو وجنيف وميامي والقاهرة وإسطنبول وماربيا وسانتياغو وكوالالامبور ودوسلدورف. ومع حلول الثمانينات كان اسمها يدل على سيدة أعمال ناجحة تشتري المطاعم والفنادق الفخمة وتسجل الأسطوانات وتطلق عطرا خاصا بها وتنظم رحلات سياحية على متن الباخرة «كوين ماري» وتفتح مجلة منوعة وتبيع لزبائنها المخلصين بطاقات تسمح لهم بالتنقل بين نواديها، مقابل 600 دولار للبطاقة، بحيث قدرت صحيفة أميركية حجم التجارة التي تديرها سيدة الليالي الباريسية بأكثر من 500 مليون دولار في السنة. لقد كسبت كثيرا وأنفقت كثيرا وما زالت تفخر بأنها عاشت نصف قرن من عمرها ملكة متوجة على السهرات الليلية من دون أن تذوق قطرة خمر. لكن حياة الراقصة والمغنية الثمانينية لم تكن كلها مسرات واحتفالات.. لقد فجعها القدر بموت ولدها الوحيد الذي كان يعمل صحافيا وتربطها به علاقة رفقة وصداقة. وهي في سبيل أن تسليه وهو على فراش المرض، وافقت على المشاركة في النسخة الفرنسية من البرنامج التلفزيوني «مزرعة المشاهير»، رغم أن عمرها لم يعد يسمح بالخفة.

وتكريما لريجين «صوت السهارى»، الراقصة والمغنية وسيدة الأعمال، منحتها الحكومة الفرنسية وسام الشرف، عام 1995 ثم رفعتها إلى رتبة ضابط عام 2008.