بعد نجاحها عسكريا.. طائرات التجسس الصغيرة تنتشر مدنيا

خبراء يحذرون من خطر الموجهة منها بالجوال على الحياة الديمقراطية

طائرات التجسس قد تستخدم أيضا من قبل الأزواج «المخدوعين» لمراقبة زوجاتهم أو العكس
TT

استخدمت القوات الأميركية الطائرات المروحية الصغيرة غير المأهولة بنجاح في الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان واليمن، رغم الخسائر المدنية «الطارئة» التي ترافقها، لكن هذه الطائرات انتشرت الآن بين الناس وصارت تباع في محلات بيع هدايا الأطفال.

والاستخدام المدني للطائرات المروحية الصغيرة، وقطر مروحة بعضها لا يزيد على 50 سنتيمتر، محمود حتى الآن، لولا انتقالها إلى أيدي الجميع، بمختلف مشاربهم، وبمختلف نواياهم؛ إذ استخدمت مثل هذه الطائرات بنجاح لمراقبة السدود، ومراقبة هجرة الطيور والحيوانات الأخرى، ومراقبة المناطق البيئية المحمية. في الوقت ذاته، شاع استخدام هذه المروحيات الصامتة في المدن لمراقبة حركة المشبوهين بالإرهاب، ومراقبة حركة الناس أثناء زيارة بابا الفاتيكان لألمانيا، وفرض الرقابة على الحدود الأوروبية.

المشكلة الاجتماعية أهم بالطبع، لأن هذه الكاميرات قد تستخدم من قبل بعض «المتلصصين» في التقاط الصور للناس، وللنساء على وجه الخصوص، ونشرها في الإنترنت. قد تستخدم أيضا من قبل الأزواج «المخدوعين» لمراقبة نسائهم، أو العكس، مما يعقد المشكلات العائلية في بلد يعاني من نسبة طلاق عالية. والأخطر هو استخدام هذه الطائرات من قبل عصابات الجريمة المنظمة لمراقبة حركة رجال الشرطة وسيارات نقل النقود والبنوك. الشرطة الألمانية استخدمت طراز «سنزو كوبتر»، من شركة «ديل ديفنس» لمراقبة جمهور فريق «ف. سي شالكه»، خصوصا المعربدين والميالين لأعمال العنف بينهم. وتستخدم شركة «غازبروم» الروسية الطراز نفسه لمراقبة أنابيب الغاز من روسيا إلى أوروبا خشية تعرضها للتخريب.

والحديث هنا في ألمانيا عن طائرات «كوادريكوبتر» المروحية الصغيرة (حجم 50 سم) التي يمكن توجيه حركتها من «آي فون»، مزودة بكاميرا فيديو تنقل كل ما تشاهده مباشرة إلى الهاتف الجوال، ويمكن لها أن تتحمل رفع جسم ثقيل (قنبلة مثلا) إلى مسافة ليست قصيرة. وتنتشر هذه الطائرات حاليا في المدن الكبيرة بمحلات بيع الهدايا ويمكن لأي شخص الحصول عليها لقاء أقل من 300 يورو.

وواقع الحال أن هذه الطائرات من طراز «كوادريكوبتر باروت»، كانت حكرا على الجيش الألماني، الذي يستخدم 25 منها في عملياته العسكرية في شمال أفغانستان. وهي طائرات صغيرة مزودة بأربع مراوح لا يزيد وزنها على كيلوغرام واحد وتستطيع الطيران لمدة 20 دقيقة، بلا صوت، وعلى ارتفاع 100 متر.

والقضية ليست سياسية أو أمنية فحسب، لأنها اقتصادية بحتة بالنسبة للشركات المصنعة. ونقلت صحيفة «دي فيلت»، عن خبراء في السوق، أن سوق الطائرات الصغيرة غير المأهولة من هذا النوع، يبلغ حاليا نحو مليار يورو. وتحقق شركة «سيرفيس درونن» البرلينية الملايين من إنتاجها طائرات غير مأهولة اسمها «ميكرو درونن» وتستخدمها شركات الإنتاج السينمائي بكثرة أثناء التصوير. وذكر ألبرت كلاودي، من جامعة كاسل (غرب) أن استخدام الطائرات غير المأهولة يحمل معه عنصر تسلية كبيرا، لكنه يحمل أيضا عنصر خطورة أيضا على حرية الفرد وخصوصياته.

وأشار كلاودي إلى أن جامعة فيينا مثلا طورت نظاما إلكترونيا يتيح لها تشغيل سرب من هذه الطائرات، وتنسيق عملها وطيرانها، واستخدمتها في مراقبة المناطق الزراعية. هذا يعني في الوقت ذاته أن مثل هذا السرب قادر على شن حرب كاملة إذا وقع في أيد غير أمينة.

لعب تطور الأجهزة المتنقلة الصغيرة («آي فون» مثلا) وتطور تقنية الكاميرات الصغيرة وزيادة دقة صورها، وأخيرا تضاؤل أحجام البطاريات وازدياد فترة عملها، دورا مهمَّا في تطور وانتشار الطائرات الصغيرة غير المأهولة. ومهدت الدولة الألمانية الطريق أمام انتشار هذه الطائرات حينما أدخلتها لأول مرة في قوانين الجو والفضاء يوم 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، ووضعت شروطا وأحكاما لاستخدامها. وكان وزير الداخلية الألماني صرح مرة بأنه ضد تعميم هذه الطائرات، وأكد ضرورة ربط استخدامها بإجازة خاصة، مشيرا إلى أنه لن يحول كل الألمان إلى «باباراتزي»، لكن صناعة الطيران فرضت نفسها كما يبدو.

من جانبه، حذر القانوني المعروف إيلمار جيمولا من إساءة استخدام الطائرات الصغيرة غير المأهولة. وقال المتخصص في القانون الألماني إن التعديلات التي وضعتها الحكومة على قانون الطيران يوم 21 سبتمبر الماضي لم تناقش موضوع «إساءة استخدام التقنية من قبل الإرهابيين».

تقول شرطة الجنايات الاتحادية بعدم وجود أدلة على أن الإرهابيين يمكن أن يستخدموا طائرات من دون طيار في تنفيذ هجمات على الأراضي الألمانية. إلا أنها بصدد مراجعة هذا الموقف، بعد أن تم اعتقال متهم بالإرهاب يوم 28 سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة، كان يحضر لهجمة بالقنابل ضد وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) باستخدام طائرة غير مأهولة.