بريطانيا تحتفل بالمئوية الثانية لمولد تشارلز ديكنز

عبر معارض وجولات قراءة ماراثونية تقام في أكثر من 60 دولة

الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا و زوجته كاميلا يستمعان إلى الممثل رايف فاينس الذي ألقى كلمة بمناسبة الاحتفال بالمئوية الثانية لمولد الكاتب البريطاني تشارلز ديكنز في كاتدرائية وستمنستر في لندن (أ.ف.ب)
TT

تحتفل بريطانيا هذه الأيام بكاتبها الأشهر تشارلز ديكنز بمناسبة مرور 200 عام على مولده. وديكنز عامة لا يغيب عن المشهد العام البريطاني، فهناك دائما عمل من أعماله يعرض على التلفزيون أو في السينما أو حتى معرض يدور حول حياته وأعماله. وهذا العام مع الاحتفالات بمولده عرض التلفزيون حلقات درامية تعتمد على روايته الشهيرة «آمال عظيمة»، وقوبلت بترحاب شديد من المتفرجين على الرغم من أن الرواية قد عولجت مرارا في التلفزيون والمسرح والسينما. ولم يمنع هذا أيضا من العروض المتكررة لمسلسلات وأفلام معتمدة على رواية «كريسماس كارول» التي تعتبر فقرة ثابتة في احتفالات أعياد الميلاد. أما متحف لندن فقد احتفل بطريقته وأقام معرضا ضخما عن ديكنز ضمنه مجموعة من النسخ الأولى لروايات الكاتب ومخطوطات أصلية بخط يده إضافة إلى قطع من أثاث منزله منها المكتب الذي استخدمه لكتابة عدد من رواياته.

وبالأمس قام الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني بوضع إكليل من الزهور على قبر ديكنز بركن الشعراء في كاتدرائية ويستمنستر آبي مطلقا الاحتفالات في كل مكان ممثلة في جولة قراءة تستمر لمدة 24 ساعة لأعمال ديكنز في عدد من بلدان العالم تشمل ألبانيا وزمبابوي ويشارك فيها من بريطانيا الممثل سايمون كالو الذي اشتهر بأداء الأدوار الشكسبيرية. وحسب تقرير لمحطة «بي بي سي» فقد قال كالو بأن اليوم الماراثوني لقراءة أعمال ديكنز يعد «مؤثرا بشكل خطير»، وسيقوم من خلاله بقراءة لرواية ديفيد كوبرفيلد التي تعد بمثابة ترجمة لحياة ديكنز وذلك في مسقط رأس الكاتب في بورتسموث. وأضاف كالو لـ«بي بي سي»: «اتخذت قرارا بأن آتي إلى المكان الذي ولد فيه ديكنز بدلا من الذهاب إلى كاتدرائية ويستمنستر التي لم يرغب قط أن ينتهي إليها»، مشيرا إلى رغبة ديكنز التي أبداها خلال حياته بأن يتم دفنه في كاتدرائية روتشستر بدلا من ويستمنستر آبي وهو ما لم يتحقق له.

أما مركز ساوث بانك في لندن فسيشارك في الدورة الماراثونية المقامة لقراءة رواية «دومبي آند صن» وبدأت من أستراليا. وتعليقا على الحدث، قالت مديرة القسم الأدبي في الملحق البريطاني والجهة المنظمة للفعالية لـ«بي بي سي»: «الحدث يعد استجابة للطلب المكثف من 66 دولة مسّ أدب ديكنز وترا حساسا فيها. إن شخصيات ديكنز ومواضيعه ما زالت حية ومؤثرة اليوم كما كانت بالنسبة للقارئ في العصر الفيكتوري».

ومن الفعاليات المرافقة للاحتفال سيتم تدشين صحيفة ديكنز وتطبيق على الـ«آي باد» لأدبه.

ومن جانبه قام محرك البحث «غوغل» بالاحتفال بديكنز بطريقته الخاصة حيث تحول شعاره الشهير إلى شخصيات من روايات الكاتب وبالضغط على الشعار نجد أمامنا صفحة بها وصلات لكل كتاب لديكنز يمكن قراءته على موقع «غوغل بوكس».

واختارت وكالة الأنباء الألمانية لتحقيقها عن ديكنز موضوع التغيرات الاقتصادية في بريطانيا حيث يعتقد كثير من البريطانيين في وطن ديكنز أن كتبه أكثر معاصرة عن ذي قبل.

ويقول ألكس ويرنر، من متحف لندن، الذي نظم واحدا من عدد من المعارض عن ديكنز مؤخرا، إن ديكنز كان سيدرك كثيرا من التساؤلات والمشكلات لأنها كانت حاضرة بالفعل في عصره.

وقال ويرنر لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن ديكنز «كتب عن المشكلات المالية والهجرة وضعف التعليم والمسكن غير الملائم - هذه كانت القضايا التي ربما تكون بدت ملائمة لسكان لندن في الوقت الحالي».

ويجد بعض المحللين تشابها بين ديكنز وموقع «تويتر» الإلكتروني، وهو رمز تسارع العالم في الألفية الشابة ولبعض المشكلات الناجمة عنها.

وكتب ديكنز رواياته في شكل حلقات بالمجلات في نشر متدرج للقصص استمر لأشهر ولسنوات.

وعلى عكس بعض زملائه، لم ينتظر ديكنز اكتمال رواياته حتى ينشرها. وبدلا من ذلك طور حبكات درامية طوال فترة نشرها. وساهمت هذه الظروف في أسلوب ديكنز الذي يتميز بالتشويق وخطوط القصة المتوازية.

وأثنى بعض الباحثين على أسلوب ديكنز باعتباره تأسيسا لسرد القصص في الأفلام، مخترعا في الأساس فكرة الأفلام.

وقال ماثيو ديفيس، خبير «بي بي سي» الذي يلقب ديكنز بـ«سيد القصاصة»، إنه في عصر «تويتر» وأنواع أخرى من كتابة اليوميات المصغرة والتدوين على الإنترنت، يبدو أن نهج ديكنز المتسلسل ملائم تماما.

ولا يزال ديكنز واحدا من أكثر المؤلفين بالإنجليزية الذين يقبل الناس على قراءة أعماله في أنحاء العالم. وأصبح مصطلح «ديكنزية» مرادفا للفقر المدقع.

وحولت أعماله لأفلام سينمائية مئات المرات. وينتشر حاليا في السوق البريطانية عدد من الأعمال المجمعة والنسخ الخاصة والسير الذاتية ومنتجات متعلقة بديكنز خلال المئوية الثانية لميلاده.

وأثنى على ديكنز لواقعيته وحسه الفكاهي وشخصياته الفريدة التي ابتكرها. كما اعترف بتفانيه في مكافحة الفقر وتحسين الأوضاع المعيشية.

ومع هذا، لم يكن ديكنز في الحياة الواقعية مثل الشخصيات الطيبة والمحسنين في القصص الخيالية والذي يقضي يومه في تأليف كتبه. ويقال إنه كان مهووسا بالسيطرة، وقال المعاصرون له إنه كان بخيلا ومغرورا.

وشملت كتب ديكنز بعضا من سمات سيرته الذاتية. واضطر خلال طفولته للعمل لشهور في مصنع لإنتاج الصبغات السوداء بينما كان والده مسجونا بسبب ديونه.

وبعد تعلمه في لندن ومدن حولها، عمل مع محامين، ثم ككاتب اختزال في محكمة مدنية كما عمل كصحافي.

ونشرت أولى قصصه في عام 1834.

ونشرت روايته «أوليفر تويست» في مجلة في الفترة من يناير (كانون الثاني) 1837 وحتى أبريل (نيسان) 1839. وصدم القراء وصف ديكنز للفقر والجريمة في لندن لدرجة أن الحي الفقير الذي دارت فيه أحداث الرواية هدم بالفعل.

ونال ديكنز شهرة كمؤلف وذهب في جولات قراءة في بلدان عدة بينها الولايات المتحدة. وكان قد نال مكانة عامة قبل وفاته في 9 يونيو (حزيران) 1870 تشبه مكانة نجوم السينما في الوقت الحالي، وفقا للخبراء في سيرة ديكنز في متحف فيكتوريا وألبرت.

وأثار ضجة في عام 1858 عندما انفصل عن زوجته كاثرين التي عاشت معه كزوجة لأكثر من 20 عاما وله منها 10 أبناء. وأغرم بالممثلة الشابة إيلين تيرنان، التي يفترض أنه مات في بيتها.

ويرقد رفات ديكنز في كنيسة ويستمنستر بلندن مقابل تمثال تذكاري لبطل الأدب البريطاني الشهير ويليام شكسبير.