السويس تتجمل بمتحفها القومي

يحكي تاريخها عبر 7 آلاف عام ويضم آثارا نادرة من كل العصور

قنديل به نقوش إسلامية و نماذج من المقتنيات الفرعونية التي يزخر بها متحف السويس ولقطة للمتحف من الخارج، وقد روعي في تصميمه البساطة والانسيابية والبعد عن ضجيج المدينة («الشرق الأوسط») وجزء من كسوة الكعبة المشرفة من مقتنيات المتحف
TT

بعد عقد من الزمان تقريبا، ظل خلالها الفنيون المصريون يسابقون الزمن لافتتاح متحف السويس القومي في موعد أقصاه عام 2005، إلا أنه في كل مرة كانت تقع أزمة مالية تعوق افتتاحه في الموعد المحدد، حتى كانت ثورة 25 يناير، التي حفزت المسؤولين المصريين للشروع في إقامة المتحف بعد الأسابيع الأولى من قيام الثورة، ليكون افتتاحه في الذكرى الأولى لها كهدية للمدينة التي كانت على موعد الثورة، وأول متحف قومي للآثار يسرد تاريخها، ويعكس الدور البطولي الذي تلعبه من خلال موقعها الجغرافي الفريد على البحر الأحمر، وبطولات أهلها عبر التاريخ والتضحيات التي يقدمونها من أجل الوطن، فقد قدر لمدينة السويس الباسلة أن تكون مدينة الكفاح والتضحيات، فقديما شكلت كتائب الفدائيين التي هاجمت معسكرات الاحتلال البريطاني، وحديثا كانت هي الشرارة الأولى لانطلاق ثورة 25 يناير.

وكان المتحف تم تدميره على أثر غارة إسرائيلية داهمته، تم بعدها نقل مقتنياته إلى المخزن المتحفي بالقاهرة، لتظل راقدة بين جدرانه، حتى كانت مع موعد افتتاحه وإعادته إلى النور من جديد.

من جهته، أكد الدكتور محمد إبراهيم، وزير الدولة لشؤون الآثار، أن إنشاء المتحف يأتي تتويجا لكفاح الشعب السويسي على مر العصور، وأن افتتاحه كما وعد بأن يكون في الذكرى الأولى للثورة هو تعويض لأبناء محافظة السويس عن فقدان متحفهم القديم أثناء حرب يونيو (حزيران) عام 1967، ويأتي كمركز إشعاع حضاري وثقافي، بعد أن عكف على إعداده فريق من الآثاريين والمنفذين على مدى عقد كامل.

وتقدر كلفة المتحف بنحو 48 مليون جنيه ويضم 1500 قطعة أثرية وهو مقام على مساحة 5950 مترا مربعا، ويحكي قصة مدينة السويس ابتداء من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث، أي ما يقرب من سبعة آلاف عام.. بينما جرى تصميمه بشكل جديد، حيث يتكون من طابقين تفصل بينهما صالة عرض مكشوفة يراها زائر المتحف من مسافة بعيدة، وتعرض بها مجموعة من الأعمدة الأثرية التي ترجع إلى العصرين اليوناني والروماني (332 قبل الميلاد - 364 ميلادية).

ولأهمية المدينة عبر التاريخ، فإن مقتنيات المتحف تتناول تاريخها منذ العصور القديمة، ودورها في حرب 1973، من خلال ما يضمه من مقتنيات، تضاف إلى غيرها من الآثار التي تعكس تاريخها القديم، وتمثله قرابة 3 آلاف قطعة أثرية وفنية نادرة.

المتحف يقع بالقرب من الكورنيش بعيدا عن مصادر التلوث، وبالشكل الذي يليق بتاريخ المدينة العريق، الذي يعكس جذورا عميقة لشعبها، في الوقت الذي يستمد فيه المتحف وآثاره تاريخهما من تاريخ المدينة ذاته ليحكي تاريخها القديم، وما شهدته من منشآت تاريخية على غرار قناة سيزوستريس التي شيدت خلال عصر الملك سنوسرت الثالث، ويعود تاريخها إلى نحو 3800 عام، وهي القناة التي ربطت البحرين الأحمر والمتوسط عبر نهر النيل. ولارتباط هذه القناة بتاريخ السويس، فقد خصص لها المتحف قاعة مستقلة، بجانب قاعات الملاحة والتجارة والتعدين والمحمل وقناة السويس.

الزائر للمتحف يمكن له مشاهدة العديد من المقتنيات، التي تتشابه مع «سيناريوهات» متحفية أخرى. إلا أن اللافت هو أن ثورة 25 يناير كانت لها بصمة على المتحف، عندما عمل فريق الإعداد على أن يكون أحد «سيناريوهات» العرض المتحفي يتشابه مع أهداف الثورة، ليقدم المقتنيات الدالة على بطولات وكفاح شعب السويس في مقاومة جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء احتلاله لمدن القناة، وإبرازه لتاريخ المدينة عبر العصور المختلفة، من خلال مقتنيات تاريخية دالة على الصمود، وهو ما يتشابه مع دور شعب السويس في ثورة 25 يناير.

ولم تتوقف مقتنيات المتحف عند هذا الحد فقط، بل تجاورها مقتنيات أخرى، بما يعكس تاريخ المدينة، الذي يبدأ من عصور ما قبل التاريخ، وحتى العصر الحديث، مرورا بالعصور الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية.

ولعل أبرز ما يجذب الزائر للمتحف، تلك المقتنيات التي يجدها في مقدمة زيارته، التي تتمثل في قاعة تحتوي على جانب من كسوة الكعبة المشرفة، بالإضافة إلى نموذج للمحمل وخطابات تاريخية للحجيج، بالإضافة إلى ما تضمه هذه القاعة أيضا من أسقف ومشربيات من الخشب ومجموعة من الخزف والمشكاوات الزجاجية والنسيج.

وحرص العرض المتحفي على أن تتنوع مقتنياته في هذه القاعة، لتبرز أهمية الدور الذي كانت تتخذه السويس في موكب الحجيج، وخروج‏ ‏المحمل‏ ‏من‏ ‏مصر‏ ‏إلى ‏مكة‏ ‏المكرمة‏ ‏حاملا‏ ‏‏كسوة‏ ‏الكعبة المشرفة، التي كان يتم‏ ‏تصنيعها‏ ‏في ‏القاهرة‏، لتصل إلى مكة، مرورا بمدينة السويس.

وفي القاعة نفسها، يمكن للزائر مشاهدة بعض‏ ‏القطع‏ الأخرى، التي تحمل ‏كتابات‏ ‏بالخط‏ ‏العربي ‏ومجموعة‏ من‏ ‏قطع‏ ‏النسيج‏ ‏ذات‏ ‏الكتابات‏ ‏الكوفية‏ ‏والزخارف‏ ‏النباتية‏، بجانب مجموعات ‏من‏ ‏العملات‏ ‏الإسلامية، التي تعبر عن عصرها‏.

ويلفت الدكتور محمود مبروك، مستشار وزارة الآثار، إلى مقتنيات «فرعونية بالمتحف» يتحدث عنها بقوله: «منها تماثيل بحارة ولوحة للملك مرنبتاح، والد رمسيس الثاني، ورأس لتمثال الملكة حتشبسوت، صاحبة الرحلات البحرية إلى بلاد بونت، التي تعرف حاليا بدولة الصومال، بجانب مستنسخات لأواني صهر وصب المعادن ونماذج لأوان من البرونز وتماثيل لمعبودات (فرعونية)، حسب ما كان يعتقد المصري القديم».

وفي قاعة أخرى يمكن للزائر أن يتلمس مقتنيات فرعونية وقبطية وإسلامية، يحددها الدكتور مبروك بقوله: «هناك جانب من المقتنيات يشاهده الزائرون، ومنها قناع‏ ‏لسيدة‏ ‏تبدو ‏في ‏مقتبل‏ ‏العمر، ‏يفترق‏ ‏شعرها‏ ‏من‏ ‏منتصف‏ ‏الجبهة‏ ‏وينسدل‏ ‏على ‏الجانبين‏ ‏بشكل‏ ‏دوائر‏، بينما تبدو العينان‏ ‏مطعمتين‏‏، وهما مصنوعتان‏ ‏من‏ ‏الجص ‏الملون».

وفي المعرض مقتنيات تعبر عن العصر اليوناني الروماني، مثل الأعمدة اليونانية والرومانية، وهي الأعمدة التي ‏تتراوح‏ ‏أطوالها‏ ‏ما‏ ‏بين‏ 3‏ و‏3.5 ‏متر‏ ‏على ‏الجوانب‏ ‏الأربعة‏ ‏لصالة‏ ‏العرض، موزعة بين ‏التماثيل‏ ‏اليونانية.

وفي هذا السياق، ‏روعي ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏التماثيل‏ التي يضمها المتحف ‏ذات‏ ‏أحجام‏ ‏كبيرة‏ ‏حتى‏ ‏يمكن‏ ‏رؤيتها‏ ‏من‏ ‏عدة‏ ‏اتجاهات‏ ‏ومن‏ ‏مسافات‏ ‏مختلفة، وحتى يمكن تسليط‏‏ ‏الأضواء‏ عليها بتركيز‏ ‏لعرض‏ ‏كل‏ ‏تمثال‏ ‏على ‏حدة، «في مشهد لا يتوافر بأي متحف آخر في مصر».‏ ولم يغفل هذا العرض المتحفي أن يضم مقتنيات عبارة عن أوان‏ فخارية‏ ‏تحمل‏ ‏صورا‏ ‏لمراكب‏ ‏من‏ ‏عصر‏ ‏ما‏ ‏قبل‏ ‏التاريخ‏ ‏ومجموعة‏ ‏من‏ ‏التماثيل‏ ‏الخشبية‏ ‏التي ‏تمثل‏ ‏البحارة‏ ‏في ‏الزي ‏البحري ‏وغيرها ‏من‏ ‏مستلزمات‏ ‏المراكب.

ويختتم الزائر جولته بالمتحف بزيارة لقاعة «قناة السويس» التي تضم ميدالية ذهبية تحمل صورة الفرنسي فرديناند ديليسبس، بالإضافة إلى السيارة الملكية الخاصة بافتتاح القناة، بجانب بعض الوثائق والصور الزيتية لكل من الخديو سعيد الذي أصدر مرسوم امتياز بحفر قناة السويس والخديو إسماعيل الذي قام بافتتاحها.