«الجنادرية».. من قرية تحتضن سباق الهجن إلى تظاهرة لصنع إنسان الحضارة العالمية

مياه كوريا تنساب وسط الصحراء.. وطريق الحرير الرقمي والتقنية يقفان على مشارف الرياض

TT

سجل المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) الذي انطلق وسط الصحراء قبل 27 عاما اسمه في خريطة المهرجانات العالمية الكبرى، مزاحما بحضوره مهرجانات «كان» و«أصيلة» و«قرطاج» وقبلها «المربد»، وحقق شعبية واسعة على الصعيد الداخلي، كما حقق سمعة كبيرة على الصعيد العالمي لكونه نشاطا ثقافيا وفكريا يرتبط ارتباطا وثيقا بمجمل الظروف الثقافية والمناخ الفكري السائد في المنطقة العربية والإقليمية والعالمية، وسجل المهرجان بعد أن انطلق قبل أكثر من ربع قرن بنشاط محلي بحت تمثل في سباق الهجن السنوي الكبير الذي دخل عامه الثامن والثلاثين، وكان بداية انطلاق المهرجان منذ 27 عاما ليأخذ لاحقا بعدا خليجيا ثم عربيا ثم عالميا.

وانطلق «مهرجان الجنادرية الـ27» أمس برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي احتضن المهرجان ورعاه منذ خروج الجنادرية كحدث ثقافي وحضاري من عباءة الحرس الوطني. وتجسد البعد العالمي للمهرجان من خلال أنشطته الثقافية والتراثية والفكرية، وخاصة في اختيار كوريا الجنوبية التي تعد أحد النمور الاقتصادية الآسيوية كضيف شرف المهرجان لهذا العام، وهو ما يعد امتدادا للتقليد الثقافي الذي ينتهجه المهرجان في استضافة دولة شقيقة أو صديقة كضيف شرف. ومن خلال مشاركة جمهورية كوريا الجنوبية ليتعرف الزائر على الثقافة الكورية من خلال العروض التي ستقدم في الجناح الكوري وسيتيح الجناح فرصا غنية للتعرف على ثقافة هذه الدولة الصديقة.

ومن أهداف مهرجان الجنادرية التأكيد على الهوية العربية وتأصيل التقاليد الوطنية بشتى جوانبها ومحاولة الإبقاء والمحافظة على التراث الأصيل في المملكة العربية السعودية، وفي ذات الوقت، يحظى المهرجان باهتمام ذوي الاختصاص في التراث العربي من المفكرين والباحثين لما يتمتع به من تنوع في الفعاليات والأنشطة.

وتأمل كوريا أن يكون حضورها في الجنادرية فرصة جيدة للشعب السعودي للتعرف على الثقافة الكورية عبر استعراض الثقافة والعادات والتقاليد الكورية، ولعل ذلك يأتي في سياق العلاقات المتميزة القائمة بين الشعبين الكوري والسعودي، حيث إن عام 2012م يمثل مرور 50 عاما على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين، التي اتسمت بالتميز والتطور في المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية حيث يتلقى ما يزيد على 200 طالب وطالبة من السعودية دراستهم حاليا في الجامعات الكورية في مختلف التخصصات والمجالات.

ويضم الجناح الكوري في مهرجان الجنادرية لهذا العام، الكثير من الصالات والمواقع التي وضعت بعناية لتوصيل رسالة التعاون وتعزيز العلاقات للشعب السعودي وللمشاركين في المهرجان بشكل سهل وممتع لتعم الفائدة والمنفعة لزوار المهرجان الذي تترقبه كافة الأوساط الرسمية والشعبية، خاصة أن هذه الأوساط قد بذلت كل جهودها لضمان نجاح المهرجان وأن يأتي في كل عام بشكل مختلف ومتميز عن الأعوام التي قبله.

وحرصت كوريا بصفتها ضيفا للشرف في مهرجان الجنادرية لهذا العام على تقديم عروض متميزة من خلال الجناح الكوري الذي يتكون من 8 صالات وضعت بشكل متناسق لتبلغ رسالة الشعب الكوري للشعب السعودي الصديق، وصمم الجناح بعناية فائقة ليعكس التاريخ الكوري منذ القرن السابع بما في ذلك 1000 عام من التبادل التاريخي بين العرب وكوريا، إذ إن ذلك لم يأت مصادفة، بل كان المقصود منه فعلا أن يكون كانسياب المياه وأنه تم التواصل بين البلدين قبل زمان بعيد يصعب معرفته وإدراكه، ولذا تقرر أن تكون المياه هي محور الفكرة الرئيسية في الجناح الكوري، لأن الماء هو سر الحياة.

وقد خلقت المياه لتنساب متدفقة داخل الرمال العطشى لمجرى الزمن، هكذا يخفق القلب من مسافة بعيدة، فالمياه هي مصدر الحياة ولكل حياة قلب، المياه تتدفق ببطء دون استراحة، وتنساب متدفقة حتى تصل إلى البحر وبها يصل البحر إلى كل مكان ومعه تصل المياه إلى أي مكان، وحيث تتواصل القلوب، تتآلف في اللحظة والتو، وهكذا يكون الحب، وهكذا تزدهر الصداقة، أن المياه التي تهطل في شبه الجزيرة الكورية في الشرق تتدفق داخل ثلاثة بحار، حيث يعانق كل بحر الرمال الدافئة في شبه الجزيرة العربية، كلها مياه واحدة، وكل الأفكار المتعلقة بالمياه والواردة في الجناح الكوري، من الممكن أن يشاهدها الزوار في صالة السينما ثلاثية الأبعاد.

يبدأ الزائر للجناح الكوري بالدخول من واجهة الجناح، وسوف يكون هناك حائط كبير في انتظار الزوار لمشاهدة الجناح الكوري الذي يعكس بواسطة نص كوري أبيض اللون بعدد 888 حرفا، ويتكون الجناح من 8 صالات، ففي الصالة الأولى يجد ممر نفق الزمان الذي يحتوي على جرار خزف كوري وكل خزفة ترمز إلى حقبة زمنية معينة، في حين أن الطرف الآخر منها يحكي عن تاريخ التبادلات وغيرها من التعاملات، وفي الصالة الثانية يجد الزائر شاشة استعراض سينمائي ثلاثية الأبعاد، لعرض أفلام متحركة (كرتون) من إخراج مدير كوري مشهور في مجال المشبهات والمحاكاة ليحكي عن قصة المياه وأن كل شيء خلق من الماء وأن قطرات المياه التي هطلت بالبحيرات الصغيرة بكوريا تجري منسابة لتعانق الجنادرية. وخصصت الصالة الثالثة في الجناح الكوري للرسومات البيانية والخرائط، توضح التضاريس والطبيعة الكورية. وفي الصالة الرابعة يشاهد الزوار للجناح 32 جرة توضح تفاصيل لفقرات تراثية عن كوريا مع أفلام ثقافية مختصرة ونظام حاسوبي تفاعلي لشرح ثمانية قطاعات لأربعة مواضيع من بين كل المواضيع تم اختيارها لتوضيح كوريا في الوقت الحاضر، من المأكولات الكورية والتراث الكوري وفصول السنة والرياضة وغيرها من مجالات الحياة الأخرى توضحها بقية الجرار الـ32، حيث يوضح كل زر من الأزرار (أيوقونات).

ويستوقف الزوار عند الصالة الخامسة طريق الحرير الرقمي (Digital Silkroad) وفيه يتبين أن السعودية وكوريا حافظتا على مورثهما حول الثقافة والتكنولوجيا منذ زمان بعيد يصعب تذكره، ويوضح تاريخ التعاون بين البلدين منذ الزمن الماضي وحتى الوقت الحاضر بواسطة وسيلة الشرح والتوضيح التفاعلية، ثم يصل زوار الجناح الكوري إلى الصالة السادسة، حيث منطقة تقنية المستقبل وفيها يتم توضيح عدد 5 من المزايا والخواص الاقتصادية التي تتمتع بها كوريا وبيان ذلك عن طريق صور متحركة، وكذلك يتم استعراض عدد 15 من أكبر الشركات والمؤسسات الكورية الرائدة في مجال التقنية، وهنا، سوف يتمكن الزوار من الحصول على المعلومات والبيانات القيمة بأنفسهم، وسوف تكون هناك رسومات توضيحية على الجدران للمناظر الطبيعية لمدينة سيول كما أن هناك شاشات تعمل باللمس يمكن للزائر استخدامها للحصول على كل ما يريد من بيانات وصور عن سيول عاصمة كوريا الجنوبية.

ويتوقف زوار الصالة السابعة ضمن الجناح الكوري في مهرجان الجنادرية لهذا العام عند الدراما الكورية والتمثيل المسرحي الكوري، وفيها يتم استعراض للدراما والغناء الكوري، كما يتم الاستماع لأشهر الأغاني لأشهر المغنين الكوريين مع عرض لأشرطة الموسيقى الرائعة بالإضافة لاستعراض مشاهد من الدراما الكورية التي تجسد الثقافة التقليدية والمعاصرة لكوريا وتفاصيلها التاريخية الدينامكية وتطورها عبر التاريخ.

وفي نهاية المطاف يصل الزائر إلى الصالة الثامنة الخاصة بالسياحة الكورية وليشاهد الطبيعة والعادات والتقاليد الكورية، وبإمكان الزوار أن يجدوا كل المعلومات والبيانات عن محتوى ومضمون السياحة الكورية بالضغط على «زر السياحة».

وبالإضافة لكل ذلك، سوف يكون في المسرح الخارجي للجناح الكوري، فريق استعراض الفنون الشعبية الكورية، حيث ستقام فعاليات ثقافية على المسرح الخارجي في كل ليلة من ليالي المهرجان. وأعطت مواضيع ومحاور النشاط الثقافي للمهرجان لهذا العام الذي ينطلق اليوم برعاية الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، رئيس اللجنة العليا لمهرجان الجنادرية، بعدا محليا وإقليميا وعالميا، ففي المحلي يطرح البرنامج الثقافي للمهرجان رؤية الملك عبد الله بن عبد العزيز في الإصلاح المالي والإداري ومحاربة الفساد، وهو الموضوع الذي شغل الملك وقاد لأجله توجها جادا في بلاده لتحقيق الإصلاح في هذه المجالات بما يمكن أن يوضع كتجربة لدول تعاني من هذا التحدي.

كما يتناول المهرجان في برنامجه الثقافي قضايا المجتمع السعودي من خلال محورين يتعلقان بهذه القضايا وهي: المرأة وإشكالية المشاركة الوطنية الفاعلة والشباب: طموحات وتطلعات ومعوقات، والجيل والإعلام التفاعلي والمجتمع مع ورشة عمل حول الإعلام التفاعلي والشباب والمتغيرات، كما يسلط المهرجان على موضوع المثقف العربي والمتغيرات السياسية من خلال تناول محاور عن جدلية العلاقة بين السلطة والمثقف في العالم العربي، والمثقف والمتغيرات، وموضوع العلاقات السعودية - الكورية وآفاق المستقبل، كما سيكون لموضوع العرب والقوى الإقليمية حضور كبير في البرنامج الثقافي لمهرجان الجنادرية لهذا العام من خلال تناول محاور عن العرب وإيران.. محددات العلاقات ومستقبلها، والعرب والقوى الإقليمية من خلال العرب وإيران.. فرص الشراكة والتعاون، والعرب وتركيا.. الأمن القومي، والعرب وتركيا.. العلاقات السياسية والاقتصادية، والعرب وأفريقيا والوجود الإسرائيلي، والعرب وأفريقيا والعمق الاستراتيجي.

وسيكون زوار المهرجان على الموعد السنوي مع قرية الجنادرية التي تشهد كل عام تجددا وعطاء، حيث تبرز القرية أوجه التراث الشعبي المختلفة ممثلة بالصناعات اليدوية والحرف التقليدية من خلال السوق الشعبية ومدرسة الكتاتيب والمزرعة التقليدية ومباني إمارات المناطق والفنون التراثية والعروض الرياضية والشعبية.