اليوم يفتح «برلين» أبوابه: الأفلام قد تغلب الضيوف هذه المرة

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي الدولي

«وداعا يا ملكتي» مع دايان كروغر
TT

يعلم رئيس مهرجان برلين السينمائي الدولي، دييتر كوزليك، تماما معنى المنافسة. قبله «فينيسيا»، وبعده «كان»، وهو في الوسط بينهما. وهناك دائما أربع احتمالات: أن يتوجه إليه صانع الفيلم لأنه يحبذ «برلين» على المهرجانين الآخرين، أو ألا يلحق صانع الفيلم بـ«فينيسيا» الذي يقام في نهاية الصيف، فيصبح مهرجان برلين المحطة الكبيرة الثانية له، أو أن ينجز الفيلم باكرا في الفترة ما بعد «فينيسيا» وقبل «برلين» فلا يرى صانعه مدعاة لانتظار «كان» في الربيع المقبل. أما الاحتمال الرابع فهو استخدام المهرجان لصيته وقوته وجذب الأفلام إليه بصرف النظر عن مراحلها من العمل. هذا الاحتمال الأخير هو الأفضل والأكثر صعوبة. لكن مهرجانا ضخما مثل «برلين» يستطيع تجاوز عوائق منافسات بحجمه. يقول كوزليك لمجلة «فاراياتي» الأميركية في تصريح أخير «طبعا هناك توقعات.. النقاد سوف يهاجمون الأفلام أو يمدحونها. هذا لا مهرب منه وتواجهه كل المهرجانات».

كوزليك يعلم أيضا أن برلين محافظ على مرتبة بين الثانية والثالثة. هو الثاني حين تكون قائمة الأفلام قوية، والثالث حين تكون قائمة أفلام مهرجان فينيسيا أقوى. لكن مهارته تكمن في أنه لا يحاول بناء ذات الاستعراض النجومي الخاطف. نعم هناك نجوم يأتونه ممثلين لنحو خمسين فيلما أميركيا وأوروبيا رئيسيا في المسابقة وغيرها (من أصل 400 فيلم يحتويها المهرجان هذا العام في كل الأقسام)، لكنه ليس المهرجان الذي يقف فيه الجمهور طيلة النهار والليل في انتظار سيارات «الليموزين» التي تقل في اليوم الواحد نحو 20 نجما وسينمائيا معروفا كما هو الحال في «كان».

ما هي الضربة الخاطفة التي يعوّض بها «برلين» هذا الجانب؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من القول إن ما يعتبره البعض نقصا يقع في صالح «فينيسيا» و«كان»، وحتى «تورونتو»، على هذا الصعيد، هو في الواقع حسنة كبيرة لمهرجان سينمائي يحسسك بأنه ملتئم لعرض الأفلام وليس لعرض الأزياء.

ربما هذا وحده كاف للجواب، لكن برلين لديه جواب آخر: خلال السنوات الماضية وجه رئيسه الدفة بنجاح صوب الاكتشافات والأعمال التي ربما لا يلتفت إليها المهرجانان الآخران: هو الذي قدم في العام الماضي مثلا «نداء هامشي» لمخرج لم يسمع به أحد هو ج. س. شاندور، فإذا بالفيلم اكتشاف رئيسي للوسط النقدي وواحد من أفضل عشرة أفلام على قائمة العديد من النقاد العالميين. «برلين» في العام الماضي كان الشاشة التي عرضت الفيلم الإيراني «انفصال سيمين ونادر» الذي وصل الآن إلى الترشيحات النهائية للأوسكار بعدما خطف العديد من الجوائز الأخرى بداية بجائزة مهرجان برلين ذاته.

وفي حين من السهل إدراج عناوين أفلام هذه الدورة فإنه من الصعوبة بمكان معرفة ما هو الفيلم الذي سيعتبر اكتشافا هذا العام: هناك اثنان وعشرون فيلما في المسابقة الرسمية آتية من دول متعددة من بينها روسيا في الشمال والولايات المتحدة على الطرف الآخر من المحيط الأطلسي. وبينهما أعمال من أوروبا الغربية آتية من البرتغال وإسبانيا وإيطاليا وسويسرا واليونان وبريطانيا والنرويج والسويد وجمهورية التشيك. من خارج هذا الإطار هناك فيلم برازيلي وفيلم صيني وفيلم إندونيسي وآخر فلبيني، وحتى السنغال ممثلة بجهد جديد. كل الجهات العالمية طبعا موجودة، باستثناء الجهة العربية التي كانت تبدو دائما كما لو كانت خارج الزمن، لكنها الآن، وفي هذه الظروف التي تمر بها، هي أكثر بعدا عن شاشة برلين الرسمية من أي وقت آخر.

فيلم الافتتاح اليوم من نصيب المخرج الفرنسي بينوا جاكو وعنوانه «وداعا يا ملكتي». هذا المخرج جرب «برلين» و«كان» أكثر من مرة، ودائما ما خرج خالي الوفاض من أي جائزة. لكنه في هذه المرة يوفر - على الأقل - ما يبدو أنه افتتاح تاريخي، ولو نسبة للمرحلة التي يتحدث فيها الفيلم (فترة الملكة ماري أنطوانيت كما تقوم بها الألمانية الأصل دايان كروغر) وليس لقيمته.

لكن التاريخ موجود في نواح أخرى: الدورة الجديدة تقام في ما يبدو في بداية حرب باردة (أو ساقعة) بين الشرق والغرب، مما يذكر بأن بعض ما صنع أهمية هذا المهرجان هو تلك السنوات الصعبة في الستينات والسبعينات عندما كان واجهة لأحداث العالم المتقلب، كونه واقعا على مقربة من القطبين الكبيرين.