الفلكلور الحضرمي.. فعاليات تجتذب الجاليات الأخرى

اقتحم المهرجانات العامة في السعودية ووصل إلى الأعراس اللبنانية

يثير «شجن» أبناء حضرموت المغتربين
TT

«الرزحة»، و«الشرح»، و«الهبيش»، و«الزفين»، و«الدحيف»، و«السمرة»، وغيرها من الأسماء لا تمثل سوى رقصات تراثية حضرمية كانت وما زالت تمارس في الأعراس والمناسبات والمحافل والمواسم أيضا، والتي وصلت بفضل انتشار قبائل الحضارم في أرجاء المعمورة إلى العديد من البلدان لتلقى رواجا واستحسانا من قبل الأهالي هناك.

ولم يعد الفن الحضرمي الشعبي من أغان وأهازيج ورقصات متنوعة أمرا غريبا في السعودية، خصوصا بعد نجاح الفرق الغنائية المتخصصة بهذا الجانب في الوصول إلى داخل قاعات الأعراس وحتى المهرجانات العامة والمناسبات الموسمية، وذلك ضمن فقرات باتت تشهد إقبالا كبيرا من قبل السعوديين والمقيمين من الجاليات العربية على حد سواء، إلى جانب أنها تشكل مكانا يتيح لأعداد كبيرة من الحضارم التجمع فيه والالتقاء بعضهم ببعض.

مشاركات الفرق الحضرمية الشعبية في العديد من المحافل والمناسبات العامة كان لها أثر كبير في انتشار الألوان الفنية الفلكلورية الحضرمية بين الأوساط السعودية وحتى الجاليات العربية المقيمة على أراضي المملكة، إذ يؤكد سالم بازهير أحد أعضاء فرقة «دوعن» للفنون الشعبية الحضرمية على أنهم اقتحموا حتى الأعراس اللبنانية في مدينة جدة. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «قمنا بإحياء نحو 3 أعراس لبنانية، إلى جانب مشاركتنا خلال الفترة الماضية في عدد من المهرجانات داخل السعودية والتي من ضمنها مهرجان (القهوة العربية) و(هيا جدة للتسوق)، والتي قدمنا خلالها ألوانا من التراث الشعبي كـ(الشرح) القبلي و(المرسوم)، وهي أكثر الألوان طلبا في المملكة»، لافتا إلى أن مجتمع مدينة جدة بمن فيهم من الجنسيات العربية الأخرى هم أكثر تقبلا للفن الحضرمي.

وذكر أن فرقته تمارس نشاطها في السعودية منذ ما يقارب 17 عاما في ظل الطلب المتزايد عليها لإحياء الأعراس والحفلات، حيث وصل عدد أعضاء الفرقة حتى الآن إلى 20 شخصا تتراوح أعمارهم ما بين 25 و42 عاما.

وأضاف: «ثمة فرق بين إحياء الأعراس في السعودية وحضرموت المسماة من قبل الحضارم بـ(البلاد)، ولا سيما أن جمهور الحفلات الحضرمية يعرفون تفاصيل الألوان والرقصات التي نقدمها، على عكس الآخرين»، ولكنه استدرك قائلا: «حتى من لا يفهم تفاصيل الفن الحضرمي يستمتع بما يراه ويسمعه».

وما يؤكد ذلك فعلا، هو الحضور الكبير الذي شهده مجمع البحر الأحمر التجاري «رد سي مول» بجدة خلال أيام مهرجان التسوق في ظل تقديم فرقة «دوعن» للعديد من ألوان الفن الحضرمي، إذ امتلأت ممرات المجمع وطوابقه لحضور تلك العروض، فضلا عن اهتمام الموجودين بتوثيقها عن طريق تصوير مقاطع فيديو مختلفة لها وعرضها عبر قنوات موقع «يوتيوب» الشهير.

وليس غريبا أن يلجأ أعضاء الفرقة إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق شهرة أوسع، حيث أنشأوا منذ نحو شهرين صفحة لهم عبر موقع «فيس بوك» والتي تم تخصيصها لتلقي الطلبات بعد أن زودوها بأرقام هواتفهم الجوالة.

وهنا، علق محمد باصويلح قائد الفرقة والمسؤول عن هذه الصفحة قائلا: «هناك الكثير من الطلبات التي أصبحنا نتلقاها عبر صفحتنا على (فيس بوك)، وخصوصا أننا عادة ما نضع صورا للمناسبات التي نقوم بإحيائها بشكل مستمر سواء في المهرجانات أو الأعراس»، مشيرا إلى أن أسعار الفرقة متفاوتة بحسب المكان وعدد الأشخاص الذين يحيون المناسبة.

في حين أبان سالم بازهير وجود اختلاف في الأسعار بين المهرجانات والأعراس، حيث إن المناسبات العامة يتقاضون أجرها بحسب مبلغ متفق عليه منذ البداية يعتمد على عدد الساعات والأيام التي يشاركون بها، بينما تشهد الأعراس زيادات تعود للفرقة نتيجة ما يسمى بـ«النقوط» الذي يعطى للأعضاء من قبل أهالي العريس والعروس بالإضافة إلى الأجر المتفق عليه.

كثيرة هي الرقصات الحضرمية التي ما زالت تعد أمرا مجهولا لدى المجتمع السعودي في ما عدا «الشرح» الحضرمية، إلا أن مهمة الفرق الغنائية تتمثل في إشهارها وتعريف السعوديين وغيرهم بها مع إضفاء بعض التعديلات عليها والتي من ضمنها الابتعاد عن الاختلاط بين الجنسين لكون معظمها يؤدي إلى مشاركة الرجال والنساء مع بعضهم البعض.

رقصة «الزفين»، إحدى الرقصات الحضرمية التي تمتاز بحركاتها الإيقاعية المختلفة بين البطيء والسريع، حيث تؤديها النساء بعد ارتدائهن خلخالا ثقيلا في إحدى أقدامهن والمسمى بـ«الحجل». وتبدأ تلك الرقصة بإيقاع بطيء لا يلبث أن يتحول إلى السريع، إذ تكون الراقصات بمواجهة بعضهن البعض فيأخذن ثلاث خطوات نحو الأمام بالقدم اليمنى مع جعل اليسرى شبه ثابتة بحيث يكون ثقل الجسد عليها، ثم تعود القدم اليمنى خطوة وحيدة إلى الخلف وهكذا.

وعادة ما ترافق «الزفين» رقصة أخرى يطلق عليها «النعيش»، والتي تتمثل في تحريك خصلات ذوائب وضفائر شعر الرأس يمينا ويسارا على ضرب إيقاعات الطبول السريعة، إذ كلما تطيل المرأة الحضرمية مدة هذه فإنه يدل ذلك على قوتها، إلى درجة أن فيها مفاخرة بين النساء لمن تطيل في ذلك، إضافة إلى استعراض غزارة ونمو وطول شعر المرأة.

بينما تعتمد «الهبيش»، أحد ألوان الرقص الحضرمي، على أبيات الشاعر، حيث يقوم الراقصون بترديدها بعد أن ينقسموا إلى صفين، بحيث يردد كل صف منهم شطرا من البيت الذي يقوله الشاعر، معتمدين على الأيدي والأرجل بدلا من الإيقاعات التي تخلو هذه الرقصة منها ما عدا آلة المزمار.

وما يميز هذه الرقصة هو وجود الراقصة التي يطلق عليها اسم «الراعية»، حيث تقوم بالدخول إلى حلبة الرقص أو المدارة فترقص بين الصفين وهي مرتدية الخلاخيل التي تضفي نغمات موسيقية على الرقصة وتحل مكان الإيقاعات.

في حين تبدأ رقصة «الدحيف» التي يؤديها عادة الصيادون في القرى الساحلية الحضرمية بصوت الدان وتتميز بتباري الشعراء واختيار أفضل القصائد ليقوم الجميع بترديدها لكونها تعكس هموما اجتماعية وبعض القضايا الأخرى بشكل رمزي، إضافة إلى أنها تعبر عن الصياد وصراعه مع الأمواج في البحر، إذ تتم تأديتها من قبلهم عادة في منتصف الليل.

ويقوم بتأدية هذه الرقصة صفان من الرجال والنساء يرددون الصوت ثم تبدأ ضربات الإيقاع البطيئة إلى أن يدب الحماس بينهم فتبدأ الإيقاعات السريعة المرقصة التي تعتمد حركتها القوية على حركات الرجال لكونها تجسد طبيعة عمل الصيادين الشاق.

وتمتاز «الدحيف» بضربة الأرجل على الأرض مع الصفقة من قبل النساء، يتخللها نزول اثنين «رجل وامرأة» إلى الحلقة بين الحين والآخر لتأدية الحركة مع الدوران ويعودان مجددا للصفوف وهكذا، في ظل استخدام طبول كبيرة تسمى بـ«المهاجر» وتستخدم فيها أيضا «المقطرة» التي يوضع فيها الجمر والبخور وتحملها امرأة وتدور بها في الحلقة «المدارة».

أما رقصة «الرزحة»، فيقوم بتأديتها صفان من الرجال والنساء بحيث يتقابلان على نغمات إيقاع منظم بدق الرجل اليمنى على الأرض فيسير الصف الأول بنفس الإيقاع وبخطى بطيئة إلى أن يقترب من الصف الثاني ثم يعود للخلف حتى يصل إلى موقعه بنفس الحركة، بعدها يقوم الصف الآخر بذلك، في حين يتحول ضاربو الطبول في «المدارة»، كما تردد الأغاني التي تحمل إيقاع هذه الرقصة. ولـ«الرزحة» تفرعات كثيرة من حيث البطء أو السرعة، غير أن أجودها ما يشكل حلقة مستديرة مكونة من الرجال والنساء وبداخلها اثنتان من النساء ومثلهما من الرجال يؤدون حركة أخرى على نفس الإيقاع، إذ تمتاز بالخفة والحركة السريعة ليلتقوا تارة وينفصلوا تارة أخرى مع استدارات رشيقة ثم العودة إلى الحلقة، وهكذا.

بينما تتضمن «الشرح» الحضرمية حركة الجسم واليدين والرجلين، إذ يتم تأديتها في حفلات الزواج شريطة أن يكون عدد النساء زوجيا، مع ضبط القدم على إيقاع الطبل الكبير، ليتم الرقص ذهابا وإيابا وسط الدائرة، فضلا عن استخدام الحجول وشد الثوب باليد.

رقصة «السمرة» الساحلية، أحد الألوان الحضرمية التي يقوم بها صفان من الرجال والنساء، حيث تبدأ بصوت الدان ثم تردد أبيات القصائد من قبل الشاعر ويرددها الرجال والنساء بالغناء بعضا من الوقت، ومن ثم تتم كسرة الصوت مع الصفقة وضرب الأرجل بالأرض من قبل الرجال والزحف ببطء نحو صف النساء، وبعد ذلك حركة تلامس الأيدي من قبل الصفين، وما يميزها هو أنها تؤدى بدون إيقاع وعادة ما تكون في الليالي المقمرة.

الجاليات الحضرمية الموجودة في الأراضي السعودية، أكدوا على اهتمامهم بمثل هذه المشاركات التي يرون أنها تعد نقطة تجمع لهم، فضلا عن أنها تساهم في نشر الثقافة الحضرمية وموروثها الشعبي.

صفية باطرفي، إحدى المهتمات بحضور أي مهرجانات تتضمن تقديم فقرات حضرمية، ترى أن ذلك يساعدها في تعريف أبنائها وأحفادها بالتراث الحضرمي الذي يجهلون تفاصيله باعتبارهم نشأوا بعيدين عن موطنهم الأصلي، فضلا عن إصرارها على تقليد حفيدتها الصغرى الزي الحضرمي في كل مهرجان يحضرونه.