أسبوع نيويورك لخريف وشتاء 2012.. يبدأ بألوان هادئة وزخات من الأسود

شعاره: العملية والتسويق أولا والفنية عاشرا

TT

نيويورك هي الوجهة التي شد لها كل من له علاقة بالموضة وصناعة الأناقة الرحال هذا الأسبوع. فمنها تنطلق شرارة أسابيع الموضة لخريف وشتاء 2012 ومنها تبدأ الاقتراحات لما سيأتي من صرعات أو توجهات.

بمتابعة صور العروض التي تتوالى على الوكالات والمجلات والصحف، فإن ما قدم لحد الآن مضمون يلعب على العادي أكثر من المبتكر وغير العادي. وهذا ليس غريبا أو جديدا على أسبوع التفاحة الكبيرة، الذي يعتمد دائما على التسويق أولا والإبداع الفني عاشرا، وأصبح مع الوقت وصفتها الناجحة، التي جعلت البعض يغبطها عليها وتستقطب لها مصممين من عواصم أخرى أملا في أن ينالهم شيء من نجاحها التجاري. هذا على الأقل في الأعوام التي سبقت 2008، العام الذي اندلعت فيه الأزمة الاقتصادية التي أثرت على الكثير من بيوت الأزياء، مما أدى إلى عودة بعض المصممين إلى عواصمهم الأصلية، مثل البريطاني ماثيو ويليامسون وغيره. لكن لا شك أن هذا العام سيشهد تغيرا إيجابيا في إيقاع أسبوع نيويورك. فالاقتصاد الأميركي في طريقه إلى الشفاء، والعديد من بيوت الأزياء الأميركية بدأت تعبر عن أملها في أن الأسوأ قد مر، ومع ذلك فإن هذا الاطمئنان والإيجابية لم ينعكس على الأزياء التي لم تخرج لحد الآن عن المضمون الذي يبيع بسهولة ودون تعقيدات، بما في ذلك الأسود الذي ظهر في العديد من العروض، إن لم نقل كلها إلى جانب ألوان النيون. نعم فاقتراحاتهم لا تزال تلعب على الألوان الصارخة والمتضاربة في القطعة الواحدة، في تحية واضحة لتشكيلة قدمها الراحل إيف سان لوران في عام 1965 واستلهمها من الفنان الهولندي بيت موندريان. لكن ولأن الأسبوع لا يزال في بدايته، فالأمل لا يزال حيا بأن نرى مصمما شجاعا يزاوج الفنية بالتسويق، وإلى ذلك الحين، علينا أن نكتفي بهدوء المضمون، الذي تجلى في التفصيل الأنيق والبسيط، والفساتين الناعمة بشتى تصاميمها إضافة إلى وفرة في القطع المنفصلة التي تحتاجها كل امرأة تريد إدخال التجديد على خزانتها حتى تبقى مواكبة للموضة وإملاءاتها الموسمية.

ماركة «بي.سي.بي.جي ماكس أزريا» مثلا حافظت على الألوان الأساسية مثل المرجاني والبنفسجي إلى جانب ألوان النيون مع تجنب واضح للتطريزات أو الزخارف. تركيزها هذه المرة كان على الأشكال الهندسية والبليسيهات الناعمة مع مزج غير متوقع لأنواع الأقمشة، بما في ذلك الفرو الأصلي لكن المعاد تدويره، لتبرير استعماله في عيون المناهضين لاستعمال الجلود الطبيعية. الملاحظ أن ماركة «بي.سي.بي.جي ماكس أزريا» التي تخاطب ذوات الإمكانات المتوسطة بأسعارها المقدور عليها إلى الآن، تحاول أن تخرج من هذا الإطار لتدخل خانة الماركات المترفة، حتى تبرر زيادة مرتقبة في أسعارها.

سينثيا راولي، قالت إنها حاولت أن تدخل لمسات تقنية عالية على تشكيلتها، من خلال استلهامها من حرف يدوية مثل الاسكافية وتلحيم المعادن. وبالفعل طبقت ما قالته وقدمت فساتين على شكل قمصان طويلة منقوشة ومصنوعة من أقمشة مثل الجلد الناعم والتويد والدنيم، فيما نسقت بنطلونات ضيقة جدا منقوشة بما يشبه قشر السلحفاة مع جاكيتات من الجلد وكنزات من الجيرسيه بأكمام منقوشة أيضا.

المصمم ريتشارد تشاي، صاحب ماركة «لوف»، حول العديد من القطع الرجالية إلى قطع أنثوية قوية تمحورت حول معاطف وجاكيتات من التويد وبنطلونات مقلمة بخطوط تتلون بألوان قوس قزح لكن بدرجات مطفية، وبتصميمات رشيقة وقصيرة بالمقارنة مع تلك التي يلبسها الرجل. الألوان الغالبة كانت هي الرمادي والأسود مع زخات قليلة من الألوان المتوهجة ظهرت في فساتين شفافة بطبقات متعددة ومنسدلة كانت بمثابة استراحة للعين من القطع المفصلة التي أسهب فيها.

عرض «كريتشرز أوف ذي ويند» خلف صدى طيبا هذا الأسبوع رغم أنه اسم غير معروف على المستوى العالمي. اسم الماركة مأخوذ من أغنية لجوني ماثيس بعنوان «وايلد إيز ذي ويند»، وهي من تصميم كل من كريس بيترز وشاين غابيير، وهذا الأخير أيضا بروفيسور في معهد الفنون بشيكاغو. أجمل وصف للتصميمات التي تم عرضها نشرته مجلة «فوغ» قائلة بأنها «غريبة بجماليات تجمع الأنثوي بالبانك» وروح تستحضر بطلا رواية «ووذرينغ هايتس» لإميلي برونتي، هيثكليف وكاثرين لكن في هضاب يابانية. كانت هناك الكثير من القطع الـ«سبور» المصنوعة من خامات متنوعة وتصميمات تجمع العادي وغير العادي، أو بالأحرى العادي والغريب. اسم تاداشي شوجي لفت الأنظار في حفل توزيع جوائز الغولدن غلوب، حيث ظهرت أحسن ممثلة مساندة، أوكتافيا سبنسر في بفساتين بألوان باستيلية من تشكيلته لربيع 2012، لكن ألوان تشكيلته لخريف وشتاء 2012 كانت أبعد ما تكون عن الباستيل والربيع. فقد غلبت عليها الألوان الداكنة، و«تنذر بوقوع شيء جلل» حسبما صرح به المصمم لوكالات الأنباء بعد عرضه. شوجي، الذي ولد وشب في اليابان، توجه بأنظاره إلى شنغهاي للاستلهام من عصرها الذهبي، ومن هنا كانت مجموعة الفساتين الطويلة باللون الأسود والدانتيل بياقات عالية وصفها المصمم بقوله إنها «محتشمة لكن مثيرة»، بالإضافة إلى خصور منخفضة مطبوعة بالورود ومستقاة من لوحة صينية. انتهى العرض بفستان طويل من المخمل الأسود تداخل فيه الدانتيل المطرز بالأحجار عند الياقة. لكن إلى جانب الأسود كانت هناك ألوان أخرى، تخاطب كل الأذواق. فالمصمم يعرف أنه لكي يسوق إبداعاته لا يجب أن يبقى سجينا للون واحدا، أما إذا أراد أن يقتنص ممثلة تلبس إحدى إبداعاته في حفل الأوسكار، أو حتى حفل توزيع جوائز الغراميز المقرر غدا يوم الأحد، فعليه أن يطرح تنوعا يضمن له ذلك.

اللافت في العروض إلى حد الآن عدد المشاركين من آسيا، سواء من المصممين أو عارضات الأزياء، مما يشير إلى تودد واضح لهذه الأسواق، وتحديدا من الصين. فهؤلاء أصبحوا يشكلون أهمية كبيرة في سوق المنتجات المترفة، بدليل افتتاح العديد من المصممين محلات في هونغ كونغ، شنغهاي، كوريا، تايوان وغيرها. وكان لا بد أن ينعكس هذا الاهتمام على التصاميم نفسها، ليس في أسبوع نيويورك وحدها، بل في كل العواصم العالمية، بما فيها باريس التي احتضنت في الشهر الماضي أسبوعها للـ«هوت كوتير»، وسجل هو الآخر تهافت العديد من المصممين على كسب ود هذه الأسواق، بتقديم ما يروق لها، بدءا من «أرماني بريفيه» إلى «إيلي صعب» و«شانيل» وغيرهم ممن افتتحوا محلات خاصة بهم فيها. أمر لا تنكره المصممة فيفيان تام، التي اعترفت بأن تأثرها بالسوق الآسيوية كان في البداية خجولا لكنه أصبح الآن صارخا. وتوضح: «عندما بدأت تصميم تشكيلتي لموسمي ربيع وصيف 2012، قال لي العديد من الناس: فيفيان، لن تنجحي، فلا أحد سيشتريها منك لأنك أصبحت آسيوية، والحقيقة أني استلهمت الكثير فيها من الصين». لكنها فندت رأيهم وشهدت مبيعات محلها في هونغ كونغ ارتفاعا بنسبة 40 في المائة وتتوقع أكثر هذا العام.

رالف لوران، مارك جايكوبس، كالفين كلاين من المصممين الذين سيعرضون في آخر الأسبوع، والمتوقع أن تكون اقتراحاتهم هي التي ستحدد توجهات الموضة لخريف وشتاء 2012، بحكم أهميتهم وتأثيرهم على الساحة. وغني عن القول أن توقيت عروضهم في آخر الأسبوع يأتي ضمن استراتيجية ذكية يرحب بها أسبوع نيويورك، لأنه يضمن بقاء وسائل الإعلام والمشترين إلى آخر يوم، رغم طول الأسبوع ورغم تضارب يومه الأخير مع اليوم الأول من أسبوع لندن.