متحف صابون عودة .. رحلة صناعة الصابون من ألفها إلى يائها

يعيدك بهندسته المعمارية إلى القرن السابع عشر

صور لبعض المراحل التي تمر بها صناعة الصابون في المصنع («الشرق الأوسط»)
TT

تعود أهميته إلى وجوده في بناء تاريخي، مبني من الحجر الرملي على طريقة العقد التي تميزت بها المدينة القديمة، كما أن وقوعه على تخوم صيدا الحديثة (جنوب لبنان)، في منطقة تتوسط القلعتين البرية والبحرية، جعل من الوصول إليه أمرا سهلا.

إنه متحف صابون عودة، الذي يروي حكاية الصابون في المنطقة الممتدة من حلب إلى نابلس، حيث يتحول الزائر إلى شاهد على كامل المراحل التي تمر بها عملية التصنيع، انطلاقا من زيت الزيتون، فضلا عن تنوع أشكال الصابون وخصائصه.

تقول ميرنا علاء الدين (إحدى المرشدات في المتحف) في حوار مع «الشرق الأوسط»: «صابوننا تراثي، نحن نقوم بصناعته منذ عقود طويلة، ونعتمد على الصناعة اليدوية في إنتاجه بدل الآلات، وهو لم يعد مخصصا للنظافة والاغتسال، بل أصبح يأخذ أشكالا متنوعة تؤرخ لتراث لبنان، كما يقدم المعرض نظرة شاملة عن الحمامات الشعبية، ومجموعة كبيرة من الغلايين العائد تاريخها إلى العهد العثماني».

ويعتبر متحف عودة للصابون، الذي افتتح رسميا أمام رواده في نوفمبر (تشرين الثاني) 2000، من المتاحف النادرة في الشرق الأوسط، نظرا لهندسته المعمارية ومعروضاته من منتجات الصابون، وكل ما يتعلق بلوازم الحمام التركي والصابون المعطر والـ«شامبو الطبيعي»، إضافة إلى قسم منتجات المطبخ.

«رائحة الصابون تعيدنا إلى أيام الأجداد والزمن الجميل، لا أعرف سر تعلق جيل اليوم بالتكنولوجيا، هذا ليس خطأ لكن عليه ألا ينسى عصره الحقيقي الذي تأسس فيه»، تعلق دينا موسى (من لبنان)، وهي تقف أمام آلة التسوية، حيث يوضع الصابون في وسط الآلة لتسوية أطرافه الأربعة، وتجمع بقاياه ليعاد تصنيعها.

أما محمد (من الجزائر) فيمازح صديقه وهو يتأمل بعض قموع الصابون بالقول «لا تؤجل حمامك إلى الغد، لأن في الغد حماما آخر»، مضيفا «المكان أعجبني كثيرا، وهو دليل على أن هذا الشعب كان يهتم جدا بثقافة النظافة، ولا يزال».

بدوره، يصف أشرف (من مصر) المتحف بالإنجاز الكبير والبديع، والجهد بالمتميز في إظهار المعالم الأثرية والمعمارية للمدينة، مؤكدا «لقد استمتعنا كثيرا، واشترينا أكثر منتوجات تمت صناعتها بحرفية عالية».

في المقابل، يرى أحمد (من السعودية) أن المكان رائع فعلا، لافتا إلى أن الرائحة في أرجائه تنعش القلب، وأن الزائر لا يشم رائحة الصابون وحسب، بل يشم أيضا عبق التاريخ.

بلغ عدد الزوار والسياح الذين قصدوا المتحف من لبنان والدول العربية والأجنبية عام 2011 ما يقارب الـ50000، حيث تعرفوا برفقة فريق المرشدين والمرشدات على الأحواض والمواد الأولية المستخدمة في التصبين، وتقنيات التجفيف والتقطيع لإنتاج الصابون الحرفي، فضلا عن مشاهدة مجموعة التحف التي عثر عليها داخل المبنى، والاطلاع على مراحل تطوره.

واللافت أن طريقة العرض الفنية تسلط الأضواء على عناصر هندسية وعلى ارتفاعات مختلفة ناجمة عن الحفريات الأخيرة، كذلك الورشة التي بدأت عام 1996 بطلب من وزير المهجرين السابق ريمون عودة، لتتحول المصبنة (معمل الصابون) التي بنتها عائلة حمود في القرن السابع عشر إلى «متحف الصابون»، بعد أن تملكتها عائلة عودة في القرن التاسع عشر.

وتحتاج طبخة الصابون بحسب عبير، إلى 24 ساعة تتوزع على عدة مراحل، بدءا من الإعداد، وصولا إلى التقطيع الذي يتم يدويا بواسطة السكين، بعدها يوضع بأشكال عدة وفقا لأساليب مختلفة للتجفيف. وتضيف عبير «إن الهواء الذي ينتقل باستمرار في قموع الصابون يسرع عملية التجفيف، فيما عملية تخمير الصابون التي تعتمد على مدة التجفيف تفقده نحو 30 في المائة من مائه، مما يزيد من قيمته، ويرفع من ثمنه».

أما المواد الأولية المستخدمة في صناعة الصابون، فيأتي على رأسها زيت الزيتون، والقطرونة التي حلت مكان الصوديوم وهي منتوج نباتي، وعشان القلي وهي نبتة يتم تحويلها إلى رماد وتخلط مع الكلس والماء للاستعمال، وزيت الغار وهو يعطي الصابون مزايا مطهرة ومرطبة ومضادة للحساسية، وأخيرا الميعة التي تقطر من صمغ شجرة الأصطرك، وتمزج بالصابون لتعطيره.

وتؤكد علاء الدين أن المتحف مخصص للصابون فقط، «حيث نشرح فيه كيف كانت تصنع الصابونة المطيبة أو المعطرة وأنواعها وأشكالها في صيدا، مع أدواتها والمعدات الخاصة بها منذ قديم الزمن».

متحف عودة للصابون لم يكتف بإدخال التقنيات الحديثة على صناعة الصابون في لبنان، بل أضاف عليها اللمسات الفنية الراقية، حيث يحول الحرفيون فيه مثلا قطعة صابون خام إلى عدة أشكال وأنواع، منها صابون زيت الزيتون والعسل والأعشاب، صابون العناية بالبشرة والعلاج والتدليك، ومنها الهدايا والكريمات والروائح العطرية وغيرها، فضلا عن الغلافات الراقية. ويدخل في صناعة كل نوع من هذه الأنواع العديد من المواد المستخلصة من النباتات، ولكل منه فوائد خاصة.

وتختم علاء الدين بأن محترفي هذه الصناعة أصبحوا على قناعة بأن مهنتهم باتت نوعا من أنواع الفنون، التي تواكب التطور، وإلا انعدمت سوقها ولم تعد تلقى رواجا، حتى أصبح الصابون رمزا رومانسيا ومغزى اجتماعيا، مشيرة إلى أن الصابون المصنوع من زيت الزيتون هو الأكثر شعبية بفضل نقاوته ومميزاته، وهو لا يزال حتى اليوم يصنع في بعض المناطق من الزيت الخاص، الذي تعصره كل عائلة من أشجار الزيتون التي تملكها، لتحمل ألواح الصابون اسم هذه العائلة بالعربية أو غيره من الرموز، كدليل على نوعية الزيت المستخدم، ومهارة صنع الصابون أو وصفته السحرية.