تنظر إلى سينمائي مخضرم من وزن مايك لي، رئيس لجنة التحكيم، أو من وزن الأخوين تافياني، اللذين يقدمان هنا فيلمهما الجديد (والأول منذ سنوات لا تقل عن خمسة) وتجد نفسك تتساءل: هل سيجود الزمن بمثل هؤلاء حين يتوقفون عن العمل؟
الجواب عن هذا هو: وهل عوضنا الزمن بأمثال الراحلين الكبار الذين تركوا إرثهم السينمائي على شاشات العالم؟ هل هناك أنطونيوني جديد أو تاركوفسكي أو برغمن أو كوروساوا أو ولز أو هيتشكوك أو أبو سيف والشيخ وآشبي وثيو أنجيليبولوس - مؤخرا - وكن راسل؟ بالطبع لكل زمن رجاله في كل الحقول، وفي السينما أيضا. والاختلاف الوحيد هو أن العمل السينمائي يبقى ماثلا لعقود وعقود كصور مسجلة تشهد بثقافة وموهبة المخرج وبالعصر الذي حقق خلاله أعماله. لكن الجيل الجديد لا يتوقف عن الهطول كالمطر بدوره. هناك لغات تعبيرية جديدة تستخدم تقنيات حديثة يمكن من خلالها التعبير عن الذات أسرع وبجهود فنية أقل تطلبا للمهارات الكلاسيكية في هذا الشأن. طبعا ليس كل شيء قديم له مستوى واحد، ولا الجديد كذلك، لكن إذا ما كان هناك شيء مهم وفرته لنا الأيام الثلاثة الأولى من الدورة الثانية والستين لهذا المهرجان العريق فهو اكتشافان متواليان ينبئان بولادة موهبتين خاصتين.. الأول هو المخرج الفرنسي آلان غوميز صاحب «اليوم» المقدم باسم السنغال وفرنسا، الذي استعرضناه هنا يوم أمس والذي تناول فيه ضياع رجل في حياة مهدورة على خلفية اجتماعية شاحبة. الاكتشاف الثاني متمثل بسالي الحسيني، مخرجة مصرية - بريطانية حققت حفنة من الأفلام القصيرة قبل إقدامها على إنجاز «أخي الشيطان» فيلمها الروائي الأول. دراما اجتماعية عن عائلة مصرية مهاجرة مؤلفة من الأب والأم وولدين في سن الشباب. أحدهما عضو في عصابة تبيع المخدرات في الحي والثاني يتطلع قدما للانخراط في تلك اللعبة الخطرة. سأترك النقد لمكانه الصحيح، لكن اللافت أن الصالة كانت مليئة بمشتري التذاكر الذين احتلوا معظم المقاعد في صالة تتسع لنحو 500 مشاهد. المقاعد القليلة الباقية احتلها نقاد وصحافيون (وجلست أنا على الأرض لعدم وجود مقاعد شاغرة). هذا جيد لعدة أسباب من بينها إحساس المشاهد العادي بأنه يريد مشاهدة هذا الفيلم وهو ما يشكل اختبارا للفيلم. فحقيقة أنه أثار رغبة عدد كبير من مشتري التذاكر تعني أنه يصلح للانتقال التجاري في دول الغرب عموما.
تم تصوير الفيلم الذي يتناول المهاجرين والسقوط في وحل التجارة بالمخدرات والشذوذ الجنسي في الأحياء المناسبة للموضوع في لندن. وما هي إلا بضعة أيام وانقلبت الأحياء ذاتها إلى أحداث شغب وحرائق في يوليو (تموز) الماضي. هذا ما اضطر المخرجة إلى استبدال ببعض المشاهد الخارجية أخرى داخلية من ناحية، وتحديد المشاهد الخارجية من حيث المساحة والموقع.