* الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرجة سالي الحسيني هو إعلان عن ولادة موهبة سينمائية جديدة تنجز فيلما صعبا كان بمقدوره السقوط في أي لحظة. ليس أنه لا يسقط مطلقا، لكن ما ينقذه نوعا هو أنه يتطور خلال سرده منتقلا من وضع إلى آخر بحيوية ونشاط ومن دون أن يلهث بحثا عن نهاية. ولو أن المخرجة وجدت حين كتابة الفيلم مخارج أفضل لنهايته لأنجزت وضعا أفضل بقليل مما حققته. هذا القول لا يعني أننا نتحدث عن تحفة سينمائية، بل هو فيلم مصنوع، ضمن الأسلوب المختار له، جيدا.
من بدايته يقحمنا الفيلم في شخصيتيه الرئيسيتين في بيئتهما الاجتماعية الخاصة، كذلك بأسلوب مخرجته البصري القائم على كاميرا محمولة يديرها ديفيد راديكير الآتي، كالمخرجة، من حقل الأفلام القصيرة، ببراعة يجعلك تغفر خطاياها في الأفلام الأخرى. الشخصيتان الرئيسيتان هما شقيقان من أب وأم مصرية (الأم في الفيلم تتحدث العربية فقط، والأب الإنجليزية فقط!). راشد (جيمس فلويد) يعمل في عصابة تبيع المخدرات في أحد أحياء لندن الفقيرة وذات الغالبية من المهاجرين الأفريقيين، وشقيقه الأصغر محمد (أو مو كما يطلق الفيلم عليه ويؤديه المصري فادي السيد) ينظر إليه متمنيا أن يصبح مثله. لكن راشد يدرك هذا الإعجاب وما قد يجلبه على مستقبل شقيقه ويحاول تجنيبه ذلك المصير. الأمور تتعقد وتتطور صوب الأسوأ عندما تقع معركة بين العصابة التي ينتمي راشد إليها وبين عصابة منافسة يسفر عنها مقتل صديق راشد المقرب. بعد أن يفشل راشد في الأخذ بالثأر يبدأ في التفكير في ترك العصابة بناء على تعرفه على مصور اسمه سيد (سعيد تاجماوي). العلاقة بين راشد وسعيد، وعلى نحو غير مقنع، تنتقل سريعا إلى علاقة شاذة يكتشفها محمد فتصدمه ويخسر ثقته بشقيقه ويقنع العصابة في العمل معها. هذا إلى حين إنقاذه لشقيقه راشد في آخر لحظة حينما يكتشف أن العصابة ذاتها تنوي القضاء عليه. هذا الفاصل يأتي متأخرا في الفيلم إذ يقع في الدقائق العشر الأخيرة. بعد ذلك يبحث الفيلم عن نهاية ويريد لها أن تعظ. ليس وعظا غليظا لكنه يبقى وعظا ضمن نهاية سعيدة رغم أن الشريحة الاجتماعية التي تدور فيها الأحداث لا تتغير. معايشة المخرجة للبيئة الاجتماعية رائعة. هي (المولودة في بريطانيا التي عاشت في القاهرة لفترات طويلة) تدخل البيت والشارع والحي في سياق متواصل من فتح العين على التفاصيل الثرية لأشكال الحياة في كل من هذه الأجزاء. تتعامل مع الشخصيات في دراية جيدة. ولديها رغبة في استخدام الكاميرا لإثراء الحس بالمكان أكثر من استخدامها كعنصر لبنية فنية خالصة. هذا هو المقصود بأن الفيلم ينجز جيدا ضمن الأسلوب المختار له.
للمخرجة قدرة جيدة على إدارة ممثليها. الشقيقان جيدان في دوريهما وسعيد تاجماوي يستخدم خبرته في التعامل مع الكاميرا مطلقا أداء متوقعا. لكن الباقين على موقع واحد من الأداء. عاكسون لشخصياتهم جيدا لكن من دون خصائص مميزة. ما يقدمونه للفيلم هو إطار مقنع لحياة في الغيتو المحلي. كان على المخرجة العناية أكثر بربط الشخصيات بأماكنها وصولا إلى حديث شامل عن المجتمع الذي يحوي هذه الشريحة، لكن حرصها على شخصيات صادقة يغطي الكثير من ذلك النقص وإن لا يعدمه تماما.