مزاد في باريس على لوحات بريشة كبار الشعراء والروائيين

رسوم بتوقيع بودلير وأبولونير وجورج صاند ومارسيل بروست وهنري ميلر

TT

يقام في باريس، اليوم، مزاد علني على مجموعة من اللوحات والرسوم التي صورتها ريشة شعراء وروائيين معروفين في فرنسا والولايات المتحدة. لقد عرفنا أبولينير وجورج صاند ورامبو وبودلير ورينيه شار باعتبارهم شعراء وكتابا مهمين بل ونقادا للفن. وإلى جانب الكتابة مارس هؤلاء الرسم والتخطيط وتركوا أعمالا فنية تسربت إلى مجموعات خاصة لهواة تخصصوا في جمع رسوم الأُدباء.

كان الناشر بيير بيلفون وزوجته من أشهر جامعي الأعمال الفنية الموقعة بأسماء الكتّاب. ولسبب ما قرر أن يعرض مجموعته النادرة للبيع في مزاد تنظمه دار «آركوريا ل» التي تتخذ من قصر داسو الفخم، في مستديرة «الشانزلزيه» مقرا لها. وكما يحدث في مثل هذا النوع من الأحداث، عرضت الأعمال للجمهور قبل يومين من الموعد لكي يتسنى للراغبين معاينة «البضاعة» والاطلاع على الأثمان التقديرية لها.

لا يملك زائر المعرض نفسه من محاولة العثور على رابط، ولو خفي، بين القلم الذي كتب الأشعار الخالدة وبين الريشة التي رسمت هذه الأشكال. إن المرء يتساءل: هل كانت هذه اللوحات ستلفت الانتباه لو لم يكن صاحبها هو الأديب الفلاني المعروف والمحبوب؟ ذلك أن للتعبير أشكالا عدة. وليس من الغريب أن يشتهر أحدهم بأنه شاعر أو روائي متفوق، ثم يكون يمارس الرسم أو التصوير بمستوى هاو عديم الموهبة أو خربشات صبيانية. لكنها نوازع الروح الفنانة التي تبحث عن المتنفس كيفما كان. وحتى بودلير لم يسلم من غواية الريشة والألوان، وهو الذي مارس النقد الفني وكتب عبارات قاسية في حق الأُدباء الذين «يتلهون» بالخربشة.

اليوم، نكتشف أن مروحة الرسم اتسعت لتشمل مبدعي كلمات من أمثال فيكتور هوغو وفيرلين وهنري ميلر ويوجين يونسكو وجان كوكتو (الوحيد الذي عرف عنه أنه رسام بموازاة الكتابة والإخراج) ومارسيل بروست الذي أنجز رسوما إعلانية منها واحد لإطارات السيارات «ميشلان». إن الأديب لم يكن ليعيش ويغتني فنيا دون صداقات مع رسامين ونحاتين من مجايليه. لذلك فإن المزاد الحالي ليس مجرد عملية بيع عادية بل فرصة للتعرف على وجه جديد لأُولئك الراحلين الذين تركوا إرثا أدبيا مشهودا وغاب عنا إرثهم الفني الذي بقي على الهامش.

في عام 1971 اقتنى لافون أول عمل من نوع التخطيطات التي كان المؤلفون يتسلون بها في أوقات فراغهم. ولم يكن صاحب دار النشر الذائعة الصيت التي تحمل اسمه يدرك الشغف الذي سيستولي عليه وعلى زوجته فرانكا ولا ما ستنتهي إليه تلك المغامرة. لقد تحول الأمر إلى ما يشبه الإدمان، حسب قوله، وراحا يتابعان المزادات وينقبان في مخازن صالات الفن ودكاكين العاديات، بحثا عن لوحة تضاف إلى مجموعتهما التي ضمت مئات اللوحات. لقد كانا، بحكم المهنة، يتعاملان يوميا مع المؤلفين ويدركان أن هذه الرسوم هي صفحة متوارية ومهمة من تاريخ الأدب.

يخبرنا دليل المزاد أن هنري ميلر، مبدع «مدار السرطان»، نشر في عام 1960 نصا بعنوان «أن ترسم هو أن تحب ثانية». ونرى له في المزاد لوحة مائية رسمها عام 1944 لحيوانات سارحة على شاطئ البحر. وهناك عدة رسوم للشاعر «الملعون» رامبو، منها واحد أنجزه في لندن عام 1873 وكتب بخطه تحته «رسم لآرتور رامبو». لكن جان جاك لوفرير، كاتب سيرة الشاعر، يقول إن الرسم يمكن أن يكون بريشة الشاعر فيرلين. وسواء أكان الرسام هذا أو ذاك فإن المبلغ المقدر لبيعه يصل إلى 150 ألف يورو.

أما جورج صاند، الكاتبة الرائدة التي اتخذت اسما مذكرا، فقد كانت تعشق الطبيعة وتحب أن تعيش في أحضانها محاطة بالعشاق وبالجميل من الأثاث والصحون والأقداح والستائر والمحابر وباقات الورد. ولا يستغرب المرء وهو يتفرج على لوحة ملونة لها معروضة في المزاد بسعر يتراوح بين 4 آلاف و5 آلاف يورو، لمرج أخضر تبدو فيه حفيدتاها أُورور وغابرييل ومعهما كلبها فاديه.

وأبولونير شاعر الحب وصاحب ديوان «الشاعر القتيل» الذي كتب يقول «يا إلهي كم الحرب جميلة»، فقد كان من المترددين على الرسام شاغال والفنانين الطليعيين الروس، وترك لنا لوحة بعنوان «الماريشال المقنع»، رسمها بالألوان المائية عام 1916 وتقدر بأكثر من 30 ألف يورو. وعودة إلى شارل بودلير، الشاعر الفذ الذي انتقد زملاءه الذين «يخربشون» اللوحات، ذلك أنه نفسه لم يترفع عن تلك الغواية ورسم بقلم الفحم والحبر عشيقته جان دوفال التي كان يصفها بـ«الملعونة». وقد قدر لها مبلغ يتراوح بين 50 ألفا و80 ألف يورو.