كما يحتاج الإنسان إلى احتساء كوب من الشاي على الأقل يوميا ليجدد نشاطه، باتت اللوحات التشكيلية أيضا بحاجة إلى جرعة من الشاي كي تتشح بالأصالة العتيقة، وذلك بعد أن اندرجت تلك المادة ضمن الخامات التي تكاد تكون أساسية في تنفيذ أي لوحة، خصوصا أن درجات اللون البني التي يحصل عليها الفنان عند استخدامه لتقنية الشاي في لوحاته من شأنها أن تعكس الطابع القديم الذي قد لا يبدو جليا على ملامح تلك المرسومة بالألوان العادية مهما تعددت أنواعها.
فاطمة باعظيم، الفنانة التشكيلية التي اعتادت استخدام الشاي في تعتيق كل أعمالها، خرجت عن المألوف في فكرة جديدة بعد أن استبعدت جميع الألوان وأعطت فرصة الانفراد للشاي بأن يلعب دور البطولة المطلقة في 32 لوحة نفذتها لتشارك بها خلال معرض «الشاي.. الإلهام» ضمن «مبادرة ليبتون للإلهام»، التي أطلقتها شركة «بن زقر يونيليفر» في السعودية، واحتضنته «باحة بيت نصيف» في المنطقة التاريخية الواقعة بقلب جدة.
وترى أن ما يميز اللوحات المرسومة بالشاي عن بقية ما تم رسمها بالألوان هو ذلك الانطباع الذي وصفته بـ«القديم»، كونه محتكرا في اللون البني فقط بدرجاته سواء كانت فاتحة أم مركزة، لافتة إلى أنها كانت تستخدم تقنية الشاي في كل أعمالها للتعتيق فقط، غير أنها فضلت تنفيذ لوحات مخصصة خالية من أي ألوان أخرى.
وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يتميز الشاي بكونه لا يدمج مع الألوان الأخرى سوى الأبيض، إضافة إلى أن الرسم به يعد مهارة باعتباره لا يعطي سوى لون واحد بدرجاته، حيث يتم خلطه بنسبة مركزة مع الماء الساخن وتركه حتى يبرد ومن ثم استخدامه في الرسم»، مشيرة إلى أنها كانت قد استخدمت القهوة أيضا كتجربة في لوحاتها.
وذكرت أنها تستغرق عدة أيام لتنفيذ لوحة الشاي، خصوصا أن الطباعة فيه أو عمل طبقات متعددة منه يحتاج إلى وقت أطول مقارنة بالألوان، مبينة في الوقت نفسه أن لوحاتها المخصصة للشاي نفذتها منذ عام 2008، في حين قامت برسم 15 لوحة منها خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، التي أكدت على رسمها بإحساس أجمل، كما قالت، وأضافت: «قد لا يستطيع المتذوق للفن التشكيلي التمييز بين شكل اللوحة المرسومة بالشاي وتلك المحتوية على الألوان، غير أن الوصف المرفق معها يوضح ذلك الفرق بالتنويه بالمواد المستخدمة في تنفيذها».
وفي ما يتعلق بأكثر المواضيع المناسبة لاستخدام تقنية الشاي في رسمها، أفادت فاطمة باعظيم بأن اللوحات التجريدية المبهمة تعد ملائمة لرسمها بالشاي، لا سيما أنها تتطلب مجهودا كبيرا.
واستطردت بالقول: «لوحات الشاي فتحت المجال أمام جميع زوار المعرض لقراءتها كيفما شاءوا، خاصة أن فكرتها ليست محددة، وإنما تعتبر مبهمة؛ بحيث تترك المجال لفهمها بحسب أعماق كل فرد رغم وضوح الخامات المستخدمة فيها وطريقة تقنيتها».
واعتبرت أن تجربتها الفنية الجديدة هي في الأساس انعكاس لرغبتها الدائمة نحو التجريب والتنويع في أدواتها الإبداعية، بهدف خلق حوار فكري عصري يتحرر من النمطي والسائد على الساحة الفنية وصولا إلى الحداثة والدعوة للاكتشاف. وزادت: «تتخلص اللوحات التي قدمها معرض (الإلهام.. الشاي) للمتلقي من سيطرة الموضوع الفني بوصفه محورا أساسيا نحو سيطرة مادة التشكيل البصري، التي هي عصارة مادة (الشاي) كعشب طبيعي يمكن أن يستفاد من ألوانه في رواية فكرة لوحة تشكيلية، وهو ما تحقق عبر لوحات المعرض مختلفة المضامين».
لحظات رائعة عاشتها منطقة قلب عروس البحر الأحمر القديمة في عبق التاريخ، التي ترتسم من خلالها أسمى معاني الأصالة، بثها للزوار «بيت نصيف» الذي لطالما كان ملاذا دائما للفنانين والموهوبين كي ينثروا إبداعاتهم بين ثناياه وباحاته.
وما زادها روعة الأجواء الحجازية بالغة الجمال التي رسمت الابتسامة على محيا كل من عاشها حينما تعالت أصوات الفرقة الشعبية بالأهازيج الجداوية المتمثلة في «المجس» ورقصة المزمار التراثية، لتجبر ضيوف معرض «الشاي.. الإلهام» على النزول إلى الساحة ومشاركة أعضاء الفرقة الرقص.
توفيق الأخرس، مدير الأغذية والمشروبات في شركة «بن زقر يونيليفر - ليبتون»، أكد أن الجهد المبذول في هذه الأعمال الفنية التي وصفها بـ«الرائعة»، يجسد احتفاء الشركة بالمبدعين، الذي تحقق عبر «مبادرة ليبتون للإلهام»، بمشاركة فنانين وشعراء ومثقفين على اختلاف روافدهم الفنية للحظاتهم الإبداعية، عبر فعاليات ثقافية متنوعة تنظمها الشركة بالتعاون مع جهات عديدة في المجتمع السعودي. وأضاف: «سعي الشركة نحو مواصلة إقامة شراكات إبداعية مع مبدعين من المجتمع السعودي يتحقق مجددا عبر مشاركة (ليبتون) الفنانة فاطمة باعظيم للحظة الإلهام لديها عبر معرض تشكيلي ضم لوحات تحكي عن تجربة فنية فريدة». وأبان أن احتفالية «ليبتون» بالفن، التي حملتها «مبادرة ليبتون للإلهام»، «تجسد ارتقاء الخبراء في عالم الشاي تجاه علاقة المبدع بطقوس بسيطة في حياته اليومية، لا سيما أن المسافة الزمنية التي يقضيها الشخص في ارتشاف كأس من الشاي بمتعة تستمر معه طيلة نهاره، يمكن أن تكون إحدى لحظاتها هي لحظة إلهام، تلمع وتتشكل بمتعة غامرة لتستمر مع صاحبها إبداعا مدى الحياة».
في حين طالب عبد الله التعزي، مدير عام جمعية الثقافة والفنون، قطاع الأعمال بدعم الفنون والثقافة بمختلف صورها وأشكالها، مضيفا: «وجدت في معرض (الإلهام.. الشاي) نوعا من الانعتاق الجريء من سحر الألوان التقليدية، خاصة أن استخدام مادة الشاي بوصفه خامة فنية يعطي نوعا من التجاوز، إن لم يكن يدفع إلى هذا التجاوز عن النظر إلى اللوحات من داخل إطار الألوان المتعارف عليها كالألوان المائية أو الزيتية أو الإكريلك».
يشار إلى أن معرض «الإلهام.. الشاي»، الذي تم افتتاحه مؤخرا جمع عددا كبيرا من شخصيات المجتمع المحلي في مدينة جدة من فنانين تشكيليين، ونقاد فنيين، إلى جانب ممثلي وسائل الإعلام المحلية، وبحضور جمهور كبير من محبي الفن التشكيلي ومتذوقي أبعاده الفنية، إضافة إلى حضور خاص من كبار مسؤولي شركة «بن زقر يونيليفر» يتقدمهم بول بولمان الرئيس التنفيذي للشركة الذي يزور السعودية آتيا من الولايات المتحدة.