مهرجان برلين السينمائي: 250 ألف تذكرة خلال 5 أيام

دعم جديد للمهرجان الدولي

نجمة بوليوود بريانكا شوبرا تقف أمام المصورين لدى وصولها إلى مهرجان برلين السينمائي (رويترز)
TT

هناك الكثير مما يمكن تعلّمه من مسيرة السينما العالمية، وفي أساسها أن عجلة الصناعة الإنتاجية هي المحرك الكامل لكل شيء سينمائيا. القول السابق إن الصناعة السينمائية ما هي إلا رساميل متحرّكة يغطس فيها المرء فيخسر ما جناه برهن مرّات ومرّات عن عدم صحّته. والقول الآخر من أن السينما التي تُسمّى حينا الثقافية وحينا آخر البديلة أو المستقلّة لا هو كل ما نريده لعالمنا، قول باهت لا حقيقة فيه، لأن الإنتاج السينمائي «التقليدي» هو الذي يصنع السينمات الأخرى، وهو السبب وراء ازدهار الثقافة السينمائية وتعددها واستمرارها.

الأرقام التي أعلنها مهرجان برلين أمس الأربعاء لها علاقة كبيرة بهذا الخصوص، فالمهرجان أعلن بكل فخر أن عدد التذاكر المباعة في الأيام الخمسة الأولى من المهرجان بلغ 250 ألف تذكرة وهذا رقم مرتفع جدّا حتى بالنسبة لمهرجان عالمي. إلى أي حد هو رقم كبير؟

في العام الماضي باع المهرجان في أيامه العشرة كلها 300 ألف تذكرة، مما يعني أن المجمل المنتظر بيعه من التذاكر هذا العام سيتجاوز هذا الرقم على نحو ملحوظ. هذا مهم من ناحيتين رئيسيّتين: كرافد للمهرجان (سعر التذكرة 8 يوروات) وكتأكيد على أن الجمهور الأوروبي (الألماني في هذه الحالة) ما زال يعتز بمثل هذه المناسبات التي تتيح للسينما المختلفة عن السائد أن تحيا وتعيش.

والأرقام الكبيرة لا تتوقّف عند هذا الحد. رئيس المهرجان دييتر كوزليك قال لنا إن السوق المقامة هذا العام تنجز نجاحا مماثلا في تجاوزه نجاحاته السابقة: أكثر من 1000 مشتر وموزّع زار السوق هذا العام، ونحو 400 مؤسسة سينمائية لديها حضور ثابت في هذه السوق. وحجم المبيعات، وإن لم يمكن إجماله إلا مع نهاية المهرجان، يتوقع له أن يتجاوز العشرة ملايين دولار. يقول كوزليك: «هناك جانب آخر لكل ذلك. هذا المهرجان يوسّع دائرة المعرفة بالنسبة لممثلين ومخرجين غير معروفين. هناك إقبال ألماني على الممثل الهندي شاه روح خان واستقبال حافل للممثلة بريانكا شوبرا وإقبال - في رأيي - رائع جدّا على أفلام مخرجين لم يسبق لهم دخول تجارب سينمائية مثل سالي الحسيني. هنا في هذا المهرجان هناك عملية إنتاجية جديدة لسينما العالم».

في حفلة استقبال أقامتها السينما الأيرلندية على شرف عرض أحد أفلامها في المسابقة «راقصة الظل» التقينا بمن كرر هذا المفهوم، إنه المنتج البريطاني جيريمي توماس الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحضر كل سنة لكني حضرت في العام الماضي وهذه السنة وأستطيع القول إن الاختلاف كبير في هذين العامين عن السنوات السابقة التي حضرتها. ما يبدو لي أن الثقة العالمية بالمهرجانات الكبيرة تتجدد، لكن ليس فقط الثقة بدور هذه المهرجانات، بل أساسا بضرورة السينما التي تتبنّاها هذه المهرجانات».

على الرغم من هذا النجاح الذي يواكبه أيضا ارتفاع مذهل في العروض السينمائية في كل من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا واستقراره في بريطانيا والإمارات وإسبانيا، فإن الثقافة السينمائية في تردٍ حول العالم.

هناك قصص رعب تُروى حول مصير عدد لا بأس به من نقاد السينما الغربيين الذين لا يجدون مجالا يكتبون فيه، وإذا ما وجدوه فبأسعار بخسة. ناقدة ألمانية تجاوزت الخمسين وتكتب في الصحافة منذ 25 سنة تبوح بلا تردد عن أنها تقبض 30 سنتا عن السطر ويُسمح لها بالكتابة في نطاق فقرات قليلة. آخر يتحدّث إلينا عن أن غياب نقاد داوموا على الحضور إلى هذا المهرجان وسواه مردّه إلى أن الصحف التي يمثّلونها تخسر. يقول: «التايمز اللندنية خسرت في العام الماضي 91 مليون جنيه، الغارديان 36 مليون جنيه. نستطيع أن نلوم الإنترنت لكن ذلك لن يغيّر من الواقع شيئا».

جيريمي توماس يلحظ في حديثنا: «علمت مؤخرا أن عدد نقاد السينما الفعليين الذين ما زالوا يكتبون في الصحف الألمانية أصبحوا قلّة بسبب منافسة نقاد الإنترنت. هذا سيئ، لأنه في الوقت الذي ما زال فيه نقاد المسرح والأوبرا والموسيقى والنحت يتمتّعون بمزاياهم المادية فإن نقاد السينما يجدون أنفسهم وقد أصبحوا في مراتب متدنيّة علما بأن ناقد المسرح أو الموسيقى ما عليه إلا أن يعرف شيئا عن السينما، لكن الناقد السينمائي عليه أن يعرف كل شيء عن كل الفنون الأخرى».

أنجلينا جولي لـ«الشرق الأوسط»: أقف بجانب نساء فيلمي في أي ظرف

* لم يمض على المقابلة التي أجريناها سابقا مع أنجلينا جولي أكثر من شهرين حتى طرقت الفرصة الثانية الباب من دون تردد. الموضوع لا يزال فيلمها الروائي الأول لها كمخرجة «في أرض الدم والعسل». الاختلاف أنه حين كنا تحدّثنا إليها سابقا كان الفيلم جديدا لم ينزل الأسواق بعد. هذه المرّة الفيلم معروض على شاشة مهرجان برلين، خارج المسابقة كونه غزا بضعة أسواق حول ساحلي الأطلسي، أي في القارتين الأميركية والأوروبية. من الطبيعي إذن سؤالها عن كيف تنظر إلى استقبال الفيلم:

- «هناك اهتمام كبير بالفيلم حيثما عُرض. وهنا في برلين ربما أسمع كما تسمع أنت. كثيرون معجبون بالعمل مما يجعلني أشعر بفخر شديد».

* بعض هذا النجاح قد يعود إلى أنك أنت نجمة معروفة. صحيح أنك تقفين وراء الكاميرا، لكن اسمك له جاذبية كبيرة بصرف النظر عن موضعه.

- طبعا له تأثير، لكن من يتحدّثون إليّ، وأنا مهتمّة كثيرا بسماع تعليقات المشاهدين، يتحدّثون عن الفيلم وليس عني. قبل قليل ذكر لي منتج ألماني بأنه على الرغم من أنه تابع كأوروبي ما حدث في البوسنة أيام الحرب مع الصرب، فإن الفيلم استطاع أن يُضيف إلى معلوماته.

* أعتقد أن هناك فيلما في التصوير من إخراج صربي يتحدّث فيه عن المأساة ذاتها.

- هذا صحيح. في آخر أسبوع من التصوير علمت أن هناك ذلك الفيلم الذي يتحدّث عن موضوع ليس شبيها بموضوع «في أرض الدم والعسل»، لكنه في المسألة ذاتها، عن صربي يحاول إنقاذ صديقه المسلم من الميليشيات الصربية.

* ما الذي تعتقدين أنه أضاف إلى معلومات الناس؟

- أعتقد أن أهم ميزة في الفيلم أنه يتحدّث عن شخصيات إنسانية تعرّضت للتغيير. تستطيع أن ترى أنه لولا تلك الحرب وما حدث فيها، لبقي المسلمون والمسيحيون عائلات متّحدة ومتقاربة. الحرب غيّرت كل ذلك ونشرت الشقاء. وهذا التأثير لم يحدث فقط للمسلمين بل للصربيين. هناك الكثير من الصرب الذين يعيشون في البوسنة الذين عارضوا ما يحدث لجيرانهم بصرف النظر عن الاختلاف الديني.

* هل طلبت النصيحة من الأمم المتحدة حين كنت تحضّرين لهذا العمل؟

- تحدّثت لمسؤولين في الأمم المتحدة وتناقشت مع مسؤولين في البوسنة وتكلّمت مع أعضاء من الحكومة البوسنية أيضا وجمعت كل ما أستطيع العمل بمقتضاه. الفيلم ليس كالكتاب. لا تستطيع أن تضع فيه كل ما تسمعه أو تريده حتى ولو كان من الحقائق. لكنك بالتأكيد تستطيع أن تورد فيه ما تريد طالما أنه مستمد من الحقيقة.

* شاهدت فيلما عن حادثة خطف وقعت فعليا في الفلبين وقارنت بين ذلك الفيلم وبين فيلمك والفارق واضح.. لديك رغبة في ردم الهوّة رغم الحدث..

- إذا لم تكن هذه غاية رئيسية في فيلم كهذا، فما المعنى من إعادة الذكرى المؤلمة؟ لقد قرأت رأيا في إحدى الصحف يقول إنني وقفت مع نساء البوسنة لأن الموضوع نسائي. دعني أقول لك إن الموضوع نسائي بالطبع، هذا صحيح، لكني سأقف بجانب نساء فيلمي في أي ظرف لأني أؤمن بأنني أقف لجانب قضيّة عادلة. لم أعمد إليها لسبب ديني لأن ما حدث لنساء البوسنة لو حدث لنساء الصرب لما تغيّر موقفي على الإطلاق. أعتقد أن المنطقة كانت نوعا من الفردوس خسرناه بسبب الحرب وسيتطلب الأمر الوقت والمال والجهد الطويل لكي يعود الأمر إلى ما كان عليه.

* ما رأيك بالمهرجان؟ كيف ترينه يختلف عن مهرجانات أخرى حضرتها؟

- يختلف كثيرا.

أعتقد أنه كبير جدّا ويتّسع للعديد من الأفلام من كل الأحجام والأساليب والمدارس. طبعا في كل مرة أحضر فيها مهرجانا أمنّي نفسي بمشاهدة بضعة أفلام جديدة لكن الأيام القليلة التي أقضيها وكثرة المواعيد تمنعني من ذلك. هنا لاحظت أن هناك إقبالا كبيرا واهتماما فائقا بالأفلام وهذا أمر جّيد.

أخبار برلين

* الممثل فورست ويتيكر أعلن عن أن فيلمه المقبل سيكون «الراعي وعدو المسيح» المأخوذ عن مسرحية تدور حول الأسقف دزموند توتو الذي عانى السجن خلال الحكم العنصري في جنوب أفريقيا. المخرج هو رولاند جوفي الذي يحضر المهرجان والذي يقول: «إنه فيلم متعدد الغايات. ليس سيرة ذاتية فقط، بل عن الحياة في بلد كان في وضع اعتقد كثيرون أنه غير آيل للتغيير. لكنه تغيّر».

* ليس الممثل شاه روح خان هو الوحيد الذي يتخاطف التوزيع العالمي أفلامه (قدّم هنا «الدون - 2») بل هناك عرفان خان الذي جاء من الهند بفيلمه الجديد «كيسا» على أمل أن يجد له موزّعا واحدا فوجد فوجا من الموزّعين مهتمين بفيلمه. يقول لهذا الناقد: «الفيلم دراما حول آثار التقسيم الذي وقع إثر الحرب الهندية - الباكستانية من خلال رجل تتغيّر حياته البسيطة تبعا للحقائق الجديدة».

* يعلمنا مسؤولون في مهرجان طوكيو أن الدورة الخامسة والعشرين من ذلك المهرجان ستكون الأكبر: «نحاول أن نبني على هذا التاريخ مستقبلا أفضل لهذا المهرجان. لقد انطلق أقوى مما أصبح عليه حاله، لكننا في السنوات الأخيرة قمنا بتغييرات لإعادته إلى مركزه. وفي الدورة المقبلة (أكتوبر) سوف نضيف بضعة برامج تجمع بين الكلاسيكيات اليابانية وآخر الإنتاج الأميركي والأوروبي».

* واجه المنتج البولندي الأصل أندي فاينا منتقديه بقوّة خلال مؤتمر صحافي عقده في برلين قائلا: «أولئك الذين انتقدوا تسليمي مقاليد إنقاذ السينما المجرية راهنوا على فشلي. لكن الحقيقة أن السينما المجرية ستشهد قريبا نتائج مذهلة». قبل عام وبضعة أشهر تم تعيين فاينا الذي كان قد ترك بلاده منذ عقود وأسس لنفسه شركة إنتاج أميركية كمدير للسينما مما أثار المخرجين المجريين على اعتبار فاينا غريبا وسوف لن يتفهّم المطلوب من السينما المجرية. وأيد الإعلام هذا التوقّع الذي لا يزال يحتاج إلى براهين.