الحكومة الهندية تفرض قوانين صارمة لحماية القبائل البدائية

على خلفية نشر صور تشير إلى استغلال أفرادها للترويج السياحي

لا يرتدي سكان قبيلة الجاراوا سوى جذور ملونة ويحملون الأقواس والسهام («الشرق الأوسط»)
TT

لحق بالهند العار بعد نشر مقطع مصور في إحدى الصحف البريطانية الشهيرة تظهر به سيدات من قبائل يرقصن عاريات أمام سائحين مقابل الطعام في جزر أندامان ونيكوبار الهندية، لكنه كشف النقاب عن القبائل التي تعيش حياة بدائية ولا يوجد بينها وبين العالم الخارجي أي اتصال. وأثار المقطع المصور الذي نشرته جيثن تشامبرلين من صحيفة «أوبزيرفر» البريطانية جدل قديما حول ما إذا كان ينبغي دمج وتنمية القبائل مثل قبيلة الجاراوا التي قاومت الاتصال مع العالم الخارجي لفترة طويلة أم لا. وتعيش 6 قبائل في الغابات الاستوائية بجزيرتي أندامان ونيكوبار وهم الأندامان والأونج والجاراوا والسنتنيل، وهم من أصول نيغريتو ويعيشون في جزر أندامان، وقبيلتا نيكوبار وشومبين، وهما من أصول منغولية، وتعيشان في جزر نيكوبار. ويقال إن هناك قبيلة أخرى هي قبيلة بو انقرضت في يناير (كانون الثاني) 2010. ويُعتقد أن سكان قبيلة الجاراوا ينحدرون من سلالة من المهاجرين النازحين من أفريقيا إلى آسيا قرروا البقاء منعزلين في بيئتهم البدائية وسط الغابات الاستوائية الخصبة على جزيرة أندامان في المحيط الهندي لما يقرب من 50 ألف سنة. ولم يتبق منهم سوى ما يتراوح بين 300 و400 شخص مما ينذر بأنهم على وشك الانقراض. واقتصر وجودهم حاليا على «محمية جاراوا» في الأندامان. لقد بدأ عدد سكان القبيلة الذي فاق يوما ما 3000 منذ عقود يتلاشى، ويعيش نحو 30 منهم حاليا على جزيرة ستريت. وكان مصير سكان الأونج أفضل إلى حد ما، فعلى الرغم من ثبات عددهم، فإن مجتمعهم تمزق. ويقال إن قبيلة السنتنيل هي فقط التي تمكنت من الحفاظ على عزلتها واتسمت بالعدوانية ولا يزال سكانها يحتفظون بتقاليدهم مع إدخال بضعة تغييرات طفيفة. ومن أصناف الطعام التقليدية للقبيلة السمك والأطوم والسلحفاة والسلطعون والبيض والبصل، وكذلك يأكلون سحالي الماء. ونظرا لكونهم يعيشون بجانب البحر، فإنهم يستمتعون بالأخطبوط والحلزون الذي يستخرج من الكائنات البحرية ذات الصدفة مثل حلزون العمامة، والساعة الشمسية والخوذة والصدفة المخروطية واللولبية وأنواع مختلفة من السلطعون والسمك.

وتعد قبيلة الجاراوا اليوم معرضة لخطر الانقراض نظرا لتعرضها للاستغلال والعزلة التي تفرضها الحكومة الهندية عليها، حيث لم تبدأ العلاقة بينها وبين العالم الخارجي سوى منذ بضعة أعوام.. لقد ظل أفراد القبيلة يتخذون مواقف عدوانية من الغرباء لقرون، حيث كانوا يقاومون بشدة المستوطنين الذين يقتحمون أرضهم ولم يكن يزروهم الكثيرون، وكان الاتصال بالعالم الخارجي لفترات متقطعة وقصيرة. لم تكن تربطهم لفترة طويلة صلة سوى بقبيلة الأندامان، ولم تتحقق هذه العزلة الطويلة عن المؤثرات الثقافية الخارجية سوى في عدد محدود من الجماعات حول العالم.

وتتمتع قبيلة الجاراوا اليوم باتصال دائم مع العالم الخارجي من خلال المستوطنات التي توجد على أطراف المحمية والمجموعات السياحية التي تزور هذه المجموعة المميزة الفريدة من الجزر. ولا يرتدي سكان القبيلة سوى جذور ملونة ويحملون الأقواس والسهام، ودائما ما تذهل قبيلة الجاراوا في جزيرة أندامان العالم العصري. وكان سكان الجاراوا يستقبلون الزائرين بالسهام حتى عام 1996، وكانوا يهاجمون ويقتلون الصيادين غير الشرعيين الذين يأتون إلى أرض المحمية التي خصصتها لهم الحكومة الهندية، وكذلك قتلوا بعض العمال الذين كانوا يعملون في إنشاء طريق أندامان الذي يربط بين أراضي الجاراوا. وحدث أول تفاعل سلمي مع قبيلة الجاراوا عام 1996 عندما عثر المستوطنون على صبي في مرحلة المراهقة من قبيلة الجاراوا مكسور الساق بالقرب من مدينة كادامتالا وكان يدعى إيميمي، ونقلوه إلى المستشفى حيث تلقى رعاية صحية جيدة. وبعد عدة أسابيع تعلم إيميمي بعض الكلمات الهندية قبل عودته إلى قبيلته. وفي العام التالي ظهر بعض أفراد القبيلة على الطرق وكانوا أحيانا يتجولون وسط المستوطنات لسرقة الطعام.

كان بناء طريق أندامان، الذي يمر عبر الغابة الغربية في السبعينات، هو أكبر تهديد بالنسبة إلى قبيلة الجاراوا منذ بضعة سنوات، لكن في نهاية عام 1997، بدأ بعض أفراد القبيلة يخرجون من غابتهم لزيارة المستوطنات للمرة الأولى. وتتمثل مشكلة رئيسية في حجم الرحلات السياحية التي تنظمها شركات خاصة، حيث يشاهد السائحون أو يلتقطون صورا أو يحاولون إجراء أحاديث مع أفراد من قبيلة الجاراوا، الذين عادة ما يقومون بالتسول على الطريق السريع. ومثل هذه الأعمال غير قانونية بموجب القانون الهندي، وأصدرت وزارة السياحة بجزر أندامان ونيكوبار تحذيرا جديدا لوكلاء تنظيم الرحلات السياحية ينص على أن محاولتهم الاتصال بأفراد قبيلة الجاراوا والتقاط صور لهم وإيقاف سياراتهم أثناء مرورهم عبر أرضهم أو عرض اصطحابهم في جولة بالسيارة محظور بموجب قانون حماية القبائل البدائية الصادر عام 1956، وسيتم تنفيذه بموجب تفسير صارم للتشريع. وعلى الرغم من ذلك، فإنه قد قيل إن هذه القواعد قد ضرب بها عرض الحائط، من خلال اصطحاب أكثر من 500 سائح لمشاهدة قبيلة الجاراوا يوميا من قبل وكلاء تنظيم الرحلات، فيما يتم إظهارهم فعليا على أنهم ينتقلون إلى مناطق شرعية، مما يؤدي إلى تواصل يومي بين الجاراوا والسائحين داخل المنطقة.

وقد أدمنت الكثير من القبائل التبغ، كما اعتاد أطفالهم تناول البسكويت والكعك، كما اعتادوا استغلال نسائهم جنسيا. ومع معاداتهم للسياح الذين يسيرون في طريق «أندامان ترانك»، فإنهم ما زالوا ودودين مع رجال الشرطة وعمال الطرق.

وعلى الرغم من الإشارات التحذيرية عند مدخل المنطقة المحمية، التي يحظر فيها التقاط صور لأفراد من قبيلة الجاراوا والتواصل معهم، فإن الزوار يخرقون تلك القواعد، ولم يتم ردعهم مطلقا من قبل رجال الشرطة، الذين يتقاضون رشى بشكل سافر. الأمر الفاضح بدرجة أكبر هو أن الشرطة يبدو أنها تدفع السياح فعليا لارتكاب جريمة شائنة، وقد أخبر أحدهم بأن الزائرين – وكثير منهم مقبلون من الغرب المتحضر، كما يطلقون عليه – يقذفون بالأطعمة إلى هؤلاء الرجال والنساء، متعاملين معهم كحيوانات.

وقد أثارت لقطات الفيديو التي نشرتها الصحيفة البريطانية لمجموعة نساء من قبائل الجاراوا تلقين أوامر بالرقص أمام السائحين من قبل رجال شرطة، قبلوا، حسبما ذكر، رشوة قيمتها 200 جنيه إسترليني لاصطحابهم إلى المنطقة المحمية، موجة من الغضب العارم على المستوى العالمي، الأمر الذي أجبر الحكومة الهندية على فرض قوانين حازمة على وكلاء تنظيم الرحلات الذين ينظمون رحلات «سفاري بشر» في جزر أندامان ونيكوبار.

وكتب الصحافي البريطاني تشامبرلين: «(ارقصن)، هكذا أصدر رجال الشرطة أوامرهم، وأذعنت لهم الفتيات الواقفات أمامه، اللائي بدين شبه عاريات. وهنا تحولت الكاميرا إلى امرأة شابة أخرى، ظهرت عارية وتحمل كيسا به حبوب أمامها. (ارقصي لي)، هكذا وجه الشرطي أوامره. ابتسمت المرأة الشابة وظهرت عليها علامات الخجل وبدأت في الرقص. بعدها، تحولت الكاميرا مرة أخرى إلى آخرين كانوا يصفقون ويتمايلون ويقفزون».

ووصف وزير الشؤون القبلية في الهند، كيشور تشاندرا ديو، الفيديو بأنه «باعث على الأسى» وقال إنه قد صدرت أوامر بإجراء تحقيق. «لا يمكنك التعامل مع البشر كحيوانات لأجل المال. أيا كان نوع السياحة، فإنني أرفض تماما هذا النهج، كما أنه محظور أيضا»، هكذا تحدث الوزير إلى وكالة «برس ترست أوف إنديا». وذكرت شركة «سرفيفال إنترناشيونال»، التي تمارس ضغطا لصالح القبائل بمختلف أنحاء العالم، أن مقطع الفيديو أظهر السياح كأنهم يستمتعون بـ«حدائق حيوان بشرية». على مدار عدة سنوات الآن، حاول نشطاء تسليط الضوء على فكرة اصطحاب وكلاء تنظيم الرحلات عددا هائلا من السائحين في حافلات للقيام برحلات «سفاري بشر» لمشاهدة قبيلة الجاراوا، على الرغم من أن القوانين الحكومية تحظر بشكل معلن أي صورة من صور التواصل مع قبيلة الجاراوا، بما في ذلك تقديم الطعام لهم أو تصويرهم. ويلقي خبراء باللوم على طريق «أندامان ترانك»، الذي يمتد لمسافة 330 كيلومترا والذي يربط العاصمة بورت بلير بديغليبور ويقطع الغابات الكثيفة التي تعتبر موطنا لقبيلة الجاراوا. وكان الهدف من إنشاء طريق «أندامان ترانك» هو تسهيل اقتلاع الأشجار من الغابات حيث تحيا قبيلة الجاراوا. وبمرور الوقت، أتى الطريق بجموع من السائحين من أجل «رؤية» أفراد قبيلة الجاراوا، بل والنظر بشهوة إلى أجسادهم العارية.

ومدركة التأثير السلبي لطريق «أندامان ترانك» على قبيلة الجاراوا، أصدرت المحكمة العليا في الهند في عام 2002 حكما بإغلاقه، تحديدا في تلك الأجزاء التي التقط الفيديو فيها، من أجل حماية قبيلة الجاراوا. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ حكم المحكمة، ولم تقم إدارة جزيرة أندامان بإغلاق الطريق.

وكان أكثر من 7 آلاف قد لقوا مصرعهم في ديسمبر (كانون الأول) عام 2004، عندما عصفت موجات تسونامي ضخمة بجزر أندامان ونيكوبار، ولم تسجل حالة وفاة واحدة من داخل قبيلة الجاراوا. فمن خلال توظيفهم معارفهم التقليدية القبلية، قرءوا إشارات الطبيعة التحذيرية ونجوا من موجات تسونامي المميتة.