«نابليون لاند» مشروع يثير الجدل في فرنسا وينافس «ديزني لاند»

الحفيد ينوي استثمار تاريخ القائد الكورسيكي في بقعة يزورها الشباب والسياح

نابليون كما رسمه فنانو زمانه
TT

هل من الممكن أن يدخل إمبراطور فرنسا العظيم نابليون بونابرت (1769 - 1821) في منافسة مع فأر أميركي يدعى «ميكي»؟ مناسبة السؤال مشروع جديد يدور الحديث بشأنه، في باريس، هذه الأيام، لإنشاء موقع يحمل اسم «نابليون لاند» في ضاحية باريس، بجوار «ديزني لاند»، يجمع تاريخ القائد الكورسيكي الأصل، قصير القامة، الذي سار بجيشه شرقا وغربا ووصلت حملاته إلى مصر ودول أخرى في الشرق الأوسط.

مدينة نابليون التي من المتوقع أن ترى النور مع حلول 2017، لن تكون متحفا جامدا ورصينا؛ بل فضاء للتنزه وتمضية الوقت، يزوره طلاب المدارس والجامعات والسياح الأجانب في جولات ترفيهية وتعليمية في آن، لكي يستعيدوا مآثر الجنرال الذي أصبح إمبراطورا يشار له بالبنان. ورغم حساسية أوساط معينة من مشاريع كهذه لتكريم العسكر ورجالات الحروب والغزوات، فإن هناك من ينظر إلى الفكرة نظرة اقتصادية لكونها قادرة على توفير فرص العمل لنحو 3 آلاف شاب وفتاة.

قدرت ميزانية المشروع بربع مليار يورو. والمكان المقترح له هو المنطقة القريبة من بلدة «مونترو فوت يون» في مقاطعة «سين إي مارن»، شرق العاصمة. وعرض إيف جيغو، الذي عمل وزيرا سابقا في حكومة ساركوزي وعضو البرلمان الممثل للمنطقة، التفاصيل على وسائل الإعلام قبل أيام. ويوضح جيغو، عمدة هذه البلدة، أنهم درجوا، منذ 15 عاما، على إحياء ذكرى معركة «مونترو» التي حقق فيها نابليون آخر انتصار له، عام 1814، على النمساويين، وهو منسحب بجيشه من روسيا بعد حملة شكلت كارثة له. وكانت هذه المناسبة الاحتفالية تجمع سنويا جمهورا يتراوح بين 15 ألفا و20 ألف شخص، يزورون البلدة التي يتوسطها تمثال للإمبراطور على حصانه، ويدورون في شوارعها وساحاتها على خطى القائد «المهصور» (أي المنتصر والمهزوم).

وحسب الرسم الأولي للمشروع، فإن أفكار جيغو تتضمن أن يمر الزائر بتجربة «التحرر من سجن الباستيل» وكذلك «الارتعاش» خلال مشاهدته قطع رأس الملك بالمقصلة. كما يمكن للزائر التجول في حدائق فرساي من خلال تكنولوجيا الأبعاد الثلاثة وتتويج نابليون إمبراطورا على فرنسا.

بالنسبة للعمدة، فإن نابليون ليس شخصية تركت أثرا في تاريخ البشرية فحسب؛ بل «ماركة عالمية» شهيرة في البلاد، من بريطانيا إلى روسيا. وتبعا لذلك، فإن إقامة مشروع يحمل اسمه، يمكن أن تجتذب مليونا أو مليوني زائر في السنة. ويرى خبراء الجدوى الاقتصادية أن القائد الفرنسي الأشهر عبر التاريخ هو «بضاعة رائجة».

وهو ما يؤكده شارل بونابرت، أحد المنحدرين من سلالة جيروم بونابرت، الشقيق الأصغر للإمبراطور نابليون الأول. ويرى الحفيد أن مشروع «نابليون لاند» فكرة هائلة في زمن صارت التسلية فيه محركا يدر الأموال. وطبعا، فإن استعادة التاريخ ستتحول إلى عملية تدخل فيها أساليب التكنولوجيا الحديثة ومفاتن الاستعراض والسينما والموسيقى والخدع البصرية.

ويؤيد هذا الاتجاه عمدة «مونترو» الذي قال في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية إن في الإمكان تخيل نزهة تبدأ من مصر وتنتهي في روسيا، مع إعادة تجسيد ما دار في تلك الحقبة من معارك وأحداث تروى بإخراج معاصر وبالوسائل الرقمية المتطورة.

وبالنسبة لحملة نابليون على مصر، فسوف يتضمن المشروع رحلة في أنفاق أرضية يمكنهم خلالها مشاهدة مجسمات للأهرام. أما معركة «الطرف الأغر»، فسيتم إحياؤها في حوض ماء ضخم، ويمكن للزائر مشاهدة تفاصيل المعركة من مكان أسفل الحوض. وستخصص زاوية لمنطقة حوض الكاريبي؛ حيث سيتم تشييد مزارع الإمبراطورة جوزفين، التي كان يديرها العبيد.

أما الجوانب الخيالية في المشروع، فهي الفترة التي قطع فيها نابليون بجيوشه منطقة جبال الألب، وهذه ما يطمح أن يعيد بناؤه المشروع من مناظر لسماء صافية وبرودة شديدة. وهذه الفترة ستتضمن أيضا كارثة انسحابه من روسيا وعبوره نهر بريسينا الذي انتشرت على جانبيه جثث جنوده المجمدة.

وقال جيغو إن الزائر سيهتز لما يسمعه في معركة «واتيرلو» من أصوات مدوية للمدافع وأزيز الرصاص، الذي تسمعه يمر قريبا من أذنيك وتشم رائحة باروده.

وقال جيغو لصحيفة الـ«غارديان» إن مجموعة من الخبراء في تاريخ تلك الحقبة سيتفحصون كل الأحداث التاريخية ويقررون كيف يمكن ترتيب الرحلات، «هذا مشروع لا مثيل له. نابليون أشهر شخصية فرنسية معروفة في العالم، وهو الذي تمكن خلال 15 عاما من تغيير تاريخ العالم. وخلال القرنين الماضيين نشر أكثر من 80 ألف كتاب حوله، وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يوجد متحف في فرنسا مخصص له». ويأمل العمدة أن يوضع حجر الأساس للمشروع مع الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لمعركة «مونترو» التي تحل بعد سنتين.

ما أبعاد مشروع مثل هذا؟ إن القائمين عليه خططوا لأن يمتد على مساحة 100 هكتار وبتكلفة تصل إلى 250 مليون يورو، يتشارك فيه مستثمرون فرنسيون وأجانب مع الدولة، ممثلة في البلدية. وفي مواجهة المشككين في إمكانية تحقيق المشروع، يدافع العمدة بالقول إن باريس وضواحيها هي الوجهة السياحية الأُولى في العالم، وهي تحقق موارد مالية تلفت النظر وتثير الشهية. هذا عدا عن فرص العمل المباشرة وغير المباشرة التي يقدمها المشروع لسكان المنطقة وما يجاورها من قرى.

بالنسبة لكثير من الفرنسيين، فإن ذكرى نابليون ترتبط بالكثير من الانتصارات: معركة أُوسترليتز عام 1805، و«يينا» عام 1806، و«فاغرام» عام 1809. وهو الذي قام بتحديث الدولة الفرنسية وأنشأ القانون المدني عام 1804 وخلدت صورته الرسوم ولوحات كبار الفنانين. وفي المقابل، هناك من يرى أن الإمبراطور مارس سلطاته بتعسف واتبع سياسة توسعية وخاض حروبا أودت بالآلاف من الأرواح والخسائر بين المدنيين، عدا الجنود. فهل تستحق شخصية «دموية» مثله التكريم والتخليد ونشر المآثر بين السياح الآتين من دول وأمم تعرضت لأذاه؟

نابليون ما زال يعتبر شخصية يختلف حولها المؤرخون في فرنسا. بعضهم ينظر إليه على أنه بطل قومي والشخصية التي أعادت الاستتباب إلى فرنسا بعض الثورة الفرنسية، كما أنه كان وراء وضع القوانين المدنية، لكنه كان شخصية مستبدة وتعاني من جنون العظمة، وهو الذي فتح الطريق للعبودية وتوج نفسه إمبراطورا على فرنسا.

وقال جيغو إنه لن يحاول في هذا المشروع تناول أفكار نابليون، وسوف يتناول الحقبة بكل جوانبها من أجل «خلق حالة من التوافق بين التاريخ والمستقبل».

ووصف نيكولا ساركوزي بأنه «بونابرت ببدلة» من قبل بعض المعلقين الفرنسيين. وأظهرت دراسة حديثة أن فرنسا تنظر دائما إلى مخلص عندما تمر بأزمة أو بفترة غير واضحة المعالم، وتحاول اللجوء إلى شخصيات قوية في تاريخها. وجود وزير السياحة في حكومة ساركوزي خلال نهاية الأسبوع وإعلانه رسميا إطلاق المشروع، يبين الموافقة الرسمية عليه. وقال جيغو إن ذلك يعني أن المشروع يمثل خطوة على طريق مكافحة الأزمة وإيجاد نحو 2000 وظيفة، لكن تكلفة المشروع التي قدرت بـ250 مليون يورو سيتم جمعها من القطاع الخاص.

المتنزه المقترح يعتبره جيغو مزيجا من الجدية والمرح، ولهذا، فإنه يعتبر أقصى درجات التعامل مع الأزمة الاقتصادية التي تواجهها فرنسا. ويتوقع أن يبدأ العمل مع حلول 2014 إذا تم تأمين المبلغ المطلوب، وحسب التوقعات، فإن المتنزه سيفتح أبوابه عام 2017. وتجذب المتنزهات الفرنسية من هذا النوع نحو 70 مليون زائر في العام؛ 15 مليون من هؤلاء يزورون «ديزني لاند باريس».