الرئيس التونسي يلتقي أخته من أم مغربية.. ويزور قبر والده في مراكش

منصف المرزوقي: عدد إخوتي وتوزعهم بين تونس والمغرب شكلا عائلة مغاربية حققت الوحدة المنشودة

المرزوقي في مراكش مع بعض أفراد أسرته المغربية («الشرق الأوسط»)
TT

شكلت زيارة الرئيس التونسي محمد منصف المرزوقي الحدث في مدينة مراكش هذه الأيام، حيث انشغل «المراكشيون» باستعادة سيرة الرئيس التونسي، الذي جعل من زيارته للمغرب زيارة «أخوة وعمل» أيضا وصلة للرحم مع جزء من عائلته التي تعيش في المغرب، إضافة إلى زيارة قبر والده المدفون بمقبرة الشهداء في «باب دكالة» بمراكش.

وتحدث الرئيس التونسي كثيرا عن علاقته الحميمة بالمغرب، لأنه احتضن والده الذي عمل وعاش فيه مدة 33 سنة، كما أن ثلاثة من إخوانه هم مغاربة من أم مغربية يعيشون في المغرب، بالإضافة إلى أنه درس بطنجة لسنوات حصل خلالها على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) قبل السفر إلى فرنسا لمتابعة الدراسة.

وكان الرئيس منصف المرزوقي وصل إلى مراكش عبر مطار (مراكش المنارة)، وتضمن برنامج زيارته للمدينة الحمراء، بشكل خاص، لقاء أخته من والده، نادية المرزوقي، التي تسكن بحي رياض السلام، ثم زيارة قبر والده، الذي مات ودفن بمراكش عام 1988.

وكتب الرئيس التونسي، في سيرة حملت عنوان «مسار النضال» على موقعه الإلكتروني الشخصي، أن «حربا أهلية» كادت تنشب على جثمان والده لحظة موته، إذ «كان الفرع التونسي يرغب في دفنه في تونس والفرع المغربي يصر على دفنه في المغرب. وحسمت النقاش قائلا إن كل أرض هي دار العروبة والإسلام والوالد كان له صديق مراكشي حميم، فلا بأس أن يرقد بجانبه ليواصلا إلى الأبد نقاشهما وضحكهما حول الوطن والنساء والأطفال».

ولم يغب حلم تحقيق الوحدة المغاربية عن سيرة الرئيس التونسي، حيث كتب: «ولدت يوم 5 يوليو (تموز) 1945 بقرنبالية، وسيولد لي أربعة أشقاء وسبعة إخوة من أكثر من أم في تونس والمغرب، إذ كان والدي مزواجا مطلاقا على الطريقة الشرقية القديمة. وكان الأمر لعنة كبرى على والدتي تمخض عن خير كبير لي إذ لا أفخر بشيء قدر فخري اليوم بعدد إخوتي وتوزعهم على تونس والمغرب مشكلين عائلة مغاربية حققت الوحدة المنشودة».

وكان الرئيس التونسي قد وصل إلى المغرب، أول مرة، في عام 1961، حيث درس مدة ثلاث سنوات بمدينة طنجة، وكتب، في سيرته، عن هذه الحقبة: «بين 1961 و1964 عشت مع العائلة المهاجرة في مدينة طنجة في جو جديد علينا من اليسر المادي والأمان النفسي، وطيلة هذه السنوات تعلمت حب المغرب والمغاربة، فقد استضاف البلد أبي المضطهد وفتح لعائلتي المشردة أبوابه واسعة فغرفنا من كرمه ومن حسن وفادته، وهو، إلى يوم يبعثون، بلدي الثاني في حين هو البلد الأول لإخوتي الذين ولدوا من أم مغربية وعاشوا فيه دون انقطاع».

واستعاد الرئيس التونسي، في سيرته علاقته بوالده، حيث كتب: «والدي محمد البدوي المرزوقي أصيل مدينة (دوز) بالجنوب التونسي، وينحدر من قبيلة عربية، يقال إنها فخذ من بني سليم الذين قدموا إلى تونس في القرن التاسع مع أبناء عمومتهم بني هلال، وما زالت آثار هذا الزمن السحيق واضحة في لهجة (دوز) حيث لا أعرف قرية أخرى يتحدث فيها الناس - النساء خاصة - لهجة عربية بمثل هذا الصفاء، وتبلغ حد استعمال نون التأنيث وهو ما يجعلها جد قريبة من الفصحى. كان زيتونيا، عمل مؤدب أطفال فترة الحرب العالمية الثانية، ثم وكيلا عدليا ومارس الصحافة زمنا، لكنه كان بالأساس مناضلا سياسيا. هو أول من كون خلية الحزب الدستوري في (دوز) في الثلاثينات وكان منخرطا في المقاومة المسلحة يجمع السلاح ويخبئه في بيتنا. أذكر أنه كان يأخذني للتجمعات الضخمة وأنا لا أتجاوز التاسعة، وأنني وقفت مرة بين رجلي صالح بن يوسف وهو يلقي خطابا ناريا من شرفة دار في (باب منارة). انخرط في الأمانة العامة عندما انقسمت الحرمة الوطنية عشية الاستقلال وكان قريبا جدا من زعيمها الشهيد صالح بن يوسف الذي أمر بورقيبة باغتياله وكان الشهيد يوفد والدي مرارا للمغرب الشقيق كممثل له».

وتابع الرئيس التونسي، مستحضرا سيرة والده: «عند انتصار الشق البورقيبي لم يجد من حل غير الفرار إلى المغرب بعد أن أتته الأخبار بأنه على قائمة الاغتيالات وعاش في البلد الشقيق 33 سنة مكرما معززا كوكيل عدلي أمام المحاكم الشرعية، لكنه مع شعور حارق بالظلم والغبن والنفي، مات بعيدا عن الأرض التي ساهم بالقلم والسلاح في تحريرها ودفن في مدينة مراكش. كان معروفا بالشجاعة والذكاء الحاد والثقافة الواسعة وكان وسيما بالغ الأناقة بالغ الاعتداد بنفسه وصاحب شخصية طاغية جعلت منه أول ديكتاتور أواجهه. وكانت علاقتنا مبنية على المحبة العميقة والصراع الدائم وهو الصراع الذي انتهى بفوز ساحق للديمقراطية عندما فرضت عليه في العشرين حرية إبداء رأي مخالف له دون أن ينتهي النقاش بخصومة رهيبة. وفي الثلاثين فرضت حق اختيار زوجتي وهو ما نسميه اليوم بلغة حقوق الإنسان (حق التنظم).

أما الانتصار الساحق فقد تم وقد تجاوزت الأربعين عندما أصبح لي الحق في ممارسة التداول السلمي على السلطة وأخذ القرارات بدله في كبريات قضايا العائلة. لكن هذه الانتصارات الديمقراطية توقفت عند استحالة الحصول على حق التدخين بحضرة الجناب، وهو ما كان يضطرني وقد تجاوزت الأربعين إلى الخروج لتدخين (الغليون) في بهو البيت لأنه كان يعتبر التدخين بين يديه انتهاكا لقدره».

كما تحدث الرئيس التونسي عن والدته، فكتب: «كانت والدتي عزيزة بن كريم امرأة لها من اللين ما كان لوالدي من الشدة، ومن الصبر ما كان له من نفاده لا تشاركه إلا في الذكاء الحاد وفي قدرة المناظرة والحجة رغم أنها لم تذهب يوما إلى مدرسة. لا أعرف كائنا أثر في تكوين شخصيتي قدر هذه المرأة التي لم أسمعها يوما تغتاب أحدا أو تشتكي من شيء رغم تهاطل المصائب عليها مثلما لا أذكر منها نصيحة واحدة. كانت نادرة الكلام منطفئة على وقار دائم، تعلم بصمت وتصوغ شخصية أطفالها، بالمثل الذي كانت تقدمه وهي تتفانى في عملها وفي تضحياتها».

يشار إلى أن علاقة رؤساء باقي البلدان المغاربية بالمغرب لا تقف عند حكاية منصف المرزوقي، بل تتعداها إلى رؤساء آخرين، بينهم عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الجزائري الحالي، الذي ترعرع ودرس بمدينة وجدة المغربية، قبل أن يلتحق في سن العشرين بالثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.