أسبوع لندن يفتح شهية بيوت أزياء عالمية عليه

«موسكينو» تعرض فيه لأول مرة.. والبريطانيون يجددون ولاءهم بالعودة إلى إرثهم

TT

في عام 2009 وعندما عادت كل من دار «بيربيري» ودار «برينغل» والمصمم ماثيو ويليامسون للعرض في لندن، اعتبر الأمر نصرا.. فقد عادوا محملين بكل ثقلهم العالمي، وحاملين معهم وسائل إعلام ومشترين لم تكن لندن تحلم بهم من قبل، فقد كانوا يتجاهلونها ويعتبرونها مجرد محطة قصيرة يلتقطون فيها أنفاسهم بعد نيويورك وقبل ميلانو. والآن ها هي ستيلا ماكارتني تشارك فيها لأول مرة بعد نحو عشر سنوات ودار «ألكسندر ماكوين» أيضا وإن بخطها الأرخص والشاب «سي كيو ماكوين».

إلى الآن كل هذا معقول فهم بريطانيون كما أنهم أبناؤها، فيها تعلموا ومنها انطلقوا، لكن أن تهجر ماركة إيطالية ميلانو مفضلة أن تعرض في لندن، فهذا هو النصر الحقيقي الذي لم يكن يتوقعه أحد.. فقد قررت ماركة «موسيكنو تشيب آند شيك» الخط الأصغر والأرخص لدار «موسكينو» أن تعرض في عاصمة لندن، على أساس أن شخصية الماركة الشابة تتوافق مع شخصية أسبوع لندن. هذا ما قالته مصممة الخط، روسيلا جارديني، مفسرة سبب النقلة بأنها لم تكن قرارا عشوائيا اتخذ بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة تفكير طويل.

أقامت عرضها في بيت جيورجي في «بورتلاند بلايس»، ولأنها الخط الذي يخاطب الشابات عموما، فقد جاءت التشكيلة مطعمة بالكثير من الشقاوة والمرح، حيث طبعت الكثير من الفساتين والتنورات المصنوعة من الشيفون برسومات تجسد أحمر شفاه، أو ماسكارا، أو طلاء أظافر، إضافة إلى كنزات سميكة من الصوف وتايورات مكونة من بنطلونات. لكن الحقيقة أن الدار التي ستفتتح محلا لها في العاصمة البريطانية، لا تراهن على الأزياء وحدها لجذب الأنظار بقدر ما تعتمد على نقلتها من ميلانو إلى لندن لإثارة الكثير من اللغط وبالتالي الكثير من التغطية.

قد تكون المصممة جارديني ضحت بعدد من المشترين بهجرها ميلانو، إلا أنها تعرف أن لندن هي العاصمة التي تتكلم بطلاقة لغة الابتكار بمفهومه الفني، وهذا ما أكده أول من أمس فيودور غولان، الثنائي الفائز بجائزة «فاشن فرينج» في العام الماضي. فقد غطى الثنائي وجوه وأجسام العارضات بطلاء أخضر زمردي وصدورهن بالريش، شارحين أنهما استلهماها من التاريخ الروسي الذي ترجماه بلغتهما إلى القرن الـ21 من خلال الجلود والفرو والألوان المعدنية.. أي إن الطلاء الأخضر كان لمجرد خلق تأثير درامي يتطلبه الإخراج المسرحي، لأنه بالرغم من أن العرض كان صادما في بدايته، وخصوصا أن لندن ابتعدت عن فكرة إحداث الصدمة منذ فترة، فإن الثنائي، فيودور بودوغورني وغولان فريدمان، نجحا في تقديم قطع مثيرة ودرامية، يمكن تنسيقها في كل المناسبات. ويبدو أنهما ليسا وحدهما من أعجبا بفكرة إخفاء ملامح الوجه بالطلاء، فالتركي بورا أكسو أيضا استهوته الفكرة، وقدمها بطريقة أخف وبجرعات أقل.

الأختان التوأم وراء ماركة فيلدر فيلدر أرادتا تقديم تشكيلة تنبض بالحياة وكان لهما ذلك، بفضل تنوع خاماتها وألوانها وتصاميمها الأمر الذي ساعد على ذلك، إذ جمعت الأناقة بالعملية والحيوية. ما قامتا به أنهما درسا أعمال الجيولوجي راين ماكينغلي، وألوان صوره واستلهمتا منها الكثير مما يفسر الأقمشة الناعمة التي تنسدل على الجسم بألوان قوية ودافئة تستقي دفأها من ألوان الأرض والصخور. لكن رغم قوة الألوان والنقوشات، فإن التصاميم هي التي أثارت الإعجاب، لأنها سهلة وأنيقة يمكن أن ترافق المرأة في كل مناسباتها، بدءا من التنورات القصيرة إلى الفساتين الطويلة، أو تلك المستوحاة من الثلاثينات ومرصعة بالأحجار على أقمشة ناعمة من حرير الكريب. إذا كان هناك شيء واحد نؤاخذهما عليه فهو أن معظم القطع كانت تخاطب الربيع وليس الخريف والشتاء باستثناء قطع قليلة جدا من الصوف. أما إذا كان هناك شيء غريب قد يستدعي وقفة تأن، فهو الأحذية ذات التصميم الهندسي الغريب، التي يمكن أن يصعب المشي عليها، لكنها بدت متناغمة جدا مع أجواء العرض وأضفت على الكثير من التصاميم دراما كانت تحتاجها.

من جهته، قدم المصمم الكندي الأصل جون بيير براغانزا، تشكيلة كانت امتدادا لما قدمه لربيع وصيف هذا الموسم من حيث التصاميم والنقوشات الهندسية، مع تغيير في درجات الألوان. الأبيض والبرتقالي والأحمر مثلا غابت وحل محلها الأسود والأخضر والبنفسجي بدرجاته.

عنوان التشكيلة هو «تشانديليريوم»، وقال المصمم إنه استوحاها من فكرة امرأة من العصر الفيكتوري تعاني اجتماعيا وعقليا، مما يفسر بعض الخامات والقطع التي تبدو وكأنها ممزقة من بعيد، والتي كانت في الحقيقة فكرته في استعمال عدة طبقات في القطعة الواحدة.. التسريحات أيضا جاءت منكوشة لتعبر عن معاناة هذه المرأة، ولحسن الحظ أن بعض التفاصيل مثل الخرز والياقات المبتكرة لم تجعل عدوى الإحساس بالمعاناة يصل إلى الحضور. عنوان التشكيلة أيضا يوحي بالثريات، وهو ما تجسد في بعض التصاميم التي تلعب على الأحجام التي أعطاها توازنا يحسب له.

فرغم كونه لم يقدم جديدا هذه المرة لكن قدرته على خلق التوازن كانت قوية، وجاء ذلك واضحا في معاطف من البروكار وتنورات مستقيمة بذيول وأكتاف محددة وعالية وأكمام منفوخة.

شيليا ماكيبن وايد، مصممة ماركة «داكس» عادت إلى جذور الدار وإرثها العريق كمنبع للإلهام، ومنذ بداية العرض إلى آخره، لم تتوقف عن تذكيرنا بهذا الإرث، في الغالب من خلال المربعات التي ارتبطت بالدار.. فقد استعملتها حينا كبطانة في معطف، وحينا آخر في فستان طويل، لكن ما يحسب لها أنها وظفت التقنيات التقليدية مثل التبطين والبليسيهات بشكل عصري أضفى عليها نعومة، وخصوصا أنها استعملت أقمشة عصرية. من القطع التي أثارت الانتباه في العرض معطف أحمر من الصوف مستدير الشكل من دون خصر، ومجموعة فساتين بخصور منخفضة، وقمصان شفافة وبنطلونات بفتحات في أجزاء استراتيجية. وبينما كانت التصاميم مبتكرة ولافتة، بقيت الألوان هادئة وبسيطة.

في تشكيلة الزوجان «كليمنس ريبيرو» غلبت نكهة فلكلورية من الصعب تجاهلها، رغم الأحذية ذات الألوان الصارخة من جيمي شو. وربما هذا المزيج بين العصري والتقليدي، مع إيحاءات من الثمانينات، هو ما أعطى التشكيلة دسامة غير معهودة في عروضهما السابقة. إلى جانب جاكيتات بتصاميم ونقوشات فلكلورية، اقترحا أن يكون البنطلون الضيق من الجلد قطعة أساسية لخريف وشتاء 2012، حيث تم تنسيقها مع كل قطعة ظهرت على المنصة، سواء مع فساتين من البروكار المذهب، أو مع معاطف من دون أزرار. وطبعا لم تغب ماركتهما المسجلة، ألا وهي الكنزة الصوفية المفتوحة من الأمام.

الساعة 11 تقريبا كان الموعد مع عرض جاسبر كونران، الذي قدم اقتراحاته للموسمين القادمين متسلحا بما يتقنه جيدا، حيث التفصيل الناعم ومزج الأقمشة المتنوعة في القطعة الواحدة. والنتيجة أكثر من شهية.. فقد جاءت الخطوط رشيقة حتى عندما لجأ إلى اللعب على الحجم المستدير في بعض الفساتين العالية الخصر أو التنورات والمعاطف. مثل العديد من المصممين قبله، التفت هو أيضا إلى حقبة العشرينات من القرن الماضي وأخذ منها بعض التفاصيل، مثل خيوط طويلة وكأنها أهداب، أضفت على بعض الفساتين حركة. لكن قوته تجلت أيضا في الياقات التي أخذت عدة أشكال أنيقة ومبتكرة مستوحاة من عدة حقب، لم تكن الثمانينات من بينها. فعندما افتتح العرض وتعالت نغمات من أغنية «لوف تو لوف يو بايبي» لدونا سومرز، فكرنا أنه سيعود بنا إلى الثمانينات وعالم الديسكو، لكن ما قدمه لم يكن له علاقة بتلك الفترة ولا بأجواء الديسكو، بالنظر إلى أناقته الراقية. حتى البريق الذي ظهر على شكل خرز في بعض الأقمشة والقطع مثل بطانة معطف بلون الكاراميل، أو في الألوان المعدنية التي ظهرت في فساتين سهرة، تميز برومانسية تناسب حفلات الكوكتيل والمناسبات الخاصة، سواء كانت المرأة شابة في العشرينات أو سيدة في الستينات.