بيلي بوب ثورنتون: هوليوود الآن منشغلة بأفلام لا قيمة لها

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي الدولي

بيلي بوب ثورنتون يراجع مشهداً
TT

بعد أن واجه الممثل المعروف، بيلي بوب ثورنتون، عقبات كثيرة حالت سابقا من تحقيق طموحه باحتلال مكانة مرموقة كمخرج، يعود الممثل الذي ظهر في نحو 60 فيلما من منتصف الثمانينات، بثقة أعلى ودراية أفضل لإنجاز فيلمه الرابع كمخرج، وعنوانه «سيارة جين مانسفيلد».

الإحساس بالغبن إثر تحقيقه فيلمه السابق كمخرج «كل الجياد الجميلة» سنة 2001، بعدما شطبت شركة الإنتاج «ميراماكس» طموحاته، ثم باعت الفيلم رخيصا لإحدى المحطّات الفضائية، منعه من الرغبة في الوقوف وراء الكاميرا من جديد حتى اليوم. لكن «سيارة جين مانسفيلد» يلتقي و«كل تلك الجياد الجميلة» في أنه يقع أيضا خارج المدن الكبيرة. ما يختلف عنه، أن فيلمه السابق، بصرف النظر عن تجربته فيه، أفضل من فيلمه الجديد.

تدور الأحداث في أواخر الستينات في ولاية ألاباما، وهي فترة عايشها المخرج الذي وُلد في الجنوب الأميركي بدوره. وهي تغطّي نسيجا كبيرا يشمل صراعات الأفراد ضد بعضهم، والتطاحن العائلي، والمواجهة بين الفرد والمؤسسة والحرب الفيتنامية. البيئة عائلية، لكن الأحداث من التكاثر والمفارقات من التعدد ما ينتج عنه حاجة ملحة لإعادة كتابة السيناريو وتخليص الفيلم من الشوائب العالقة التي ربما تصلح لرواية مطبوعة وليس لفيلم، كلما أراد التقدم في وجهته اعترضته حادثة أخرى زادته تطويلا.

لكن ما ينجح الفيلم فيه هو البرهنة على طموح الممثل - المخرج ورغبته الواضحة في إثبات حضوره كمخرج ذي صبغة فنية. وهو إذ حضر برلين وقدم فيلمه هذا في المسابقة، استطاع التقاط وقع الفيلم بين مشاهديه على ناحيتيه الإيجابية والسلبية. وكان لـ«الشرق الأوسط» حوار خاص مع بيلي بوب ثورنتون فيما يلي نصه.

* طبعا الفيلم لا علاقة له بسيارة الممثلة جين مانسفيلد. لنقل ذلك من البداية.

- كلا، لا علاقة له بها. إنها رمز لحطام أكبر شأنا. حين النظر إلى الماضي كثيرا ما نرى إما سعادة بالغة أو قدرا كبيرا من الدمار الذي نريد أن لا نتذكّره؛ ما الذي يحدث إذا تذكّرناه فعلا؟ ربما هذا هو جوابي عن سؤال البعض حول سبب إقدامي على كتابة وإخراج هذا الفيلم.

* السيارة المحطمة هي رمز لعائلة محطمة إذن؟

- صحيح، الفيلم هو دراما عائلية لا تتحدث عن التلاحم، بل عن التناقض والتشرذم. هذا الفيلم يدور حول أب وأولاده الثلاثة وعن الظروف الاجتماعية التي تحيط بهم. وهي ليست اجتماعية فقط، بل عاطفية. روبرت دوفال هو الأب وهو شخصية طاغية. تجده في مطلع الفيلم يزيح «شريف» البلدة (رئيس البوليس المحلي) من طريقه من دون أن يخشى أي عاقبة. أنا أحد أولاده الثلاثة لجانب كفن بيكون وروبرت باتريك وأكثر إخوتي انصياعا له حتى بعد بلوغي الخمسين. ثم هناك العائلة الإنجليزية التي يمثلها جون هيرت. والدتنا طلقت من أبينا وتزوجت من ذلك الإنجليزي ثم ماتت في بريطانيا، وها هو الزوج يعود لدفنها. لكن شخصية دوفال ليست في وارد نسيانها ما يعتبره فعلا مشينا وهو يكره ذلك البريطاني، والبريطاني لا يستسيغه لكثرة ما سمع من شكوى الزوجة.

- تؤدي الدور هنا بدراية من خبر الشخصية، هل هذا عائد إلى أن الفيلم يعتمد على ذكرياتك الخاصة لتلك الفترة؟

- إلى حد بعيد، الكثير مما يأتي في هذا الفيلم هو قبسات من ملاحظات وذكريات عشتها بالفعل. حين كنت ولدا صغيرا، كان والدي يأخذني وشقيقي الأكبر إلى حيث تقع حوادث السير. نقف ونمعن النظر إلى الحطام، حين كبرت وجدت نفسي أشتغل في مهنة تنظيف أماكن وقوع الصدامات بين السيارات على الطرق الريفية. هذا يخبرك شيئا عني وعن اختياري للعنوان أيضا وليس فقط عما يدور عنه الفيلم.

* اشتغلت مع روبرت دوفال في فيلمك الأول، كمخرج Sling Blade ثم استعان هو بك حين أخرج «المبشّر».

- صحيح، روبرت يعطيك ما ترغب سريعا، وعلى نحو مجسد. حين أجلس لأتابعه في الأفلام، أجد نفسي أمام ممثل يقحمني مباشرة في شخصيته، سواء أكانت طيبة أو شريرة. عيناي لا تفارقه حين أشاهده في «العرّاب». تترك الآخرين على الرغم من قدراتهم البالغة لتلاحق هذا الممثل الذي يخضع لضرورات الشخصية تلقائيا.

* وروبرت باتريك كان معك في فيلمين على الأقل.

- هو من أفضل الممثلين وهو لا يسعى لقبول أي دور لمجرد أنه ممثل. هذا ما احترمه جدا فيه.

* ما الذي حدث قبل 11 سنة حين أخرجت «كل الجياد الجميلة»؟

- ليس شيئا لم يقع مثيل له في هوليوود. المخرج الذي يريد صنع الفيلم على هواه وشركة الإنتاج، التي ترتعب لهذه الخاطرة فتتدخل وتقطع الفيلم كما تشاء.

* نسختك الأصلية تتجاوز الثلاث ساعات.

- نعم، أربع ساعات إلا عشرين دقيقة، لكني أؤمن بأن كل دقيقة منها كانت محسوبة.

* هذا أيضا ما قاله مات دامون بعد أن شاهد النسخة الأصلية. أعتقد أنها الآن موضوعة فوق رفّ ما؛ أليس كذلك؟

- نعم ولا أمل في عرضها، لأن المانع لا يزال موجودا. لقد أخرجت ذلك الفيلم لأن الحكاية التي وضعها المؤلّف كورماك مكارثي كانت رائعة، وأردت تجسيدها بكاملها. لكن ضرورات السوق لا تساعد في هذا المجال. حين شاهدت «ميراماكس» (الشركة المنتجة) الفيلم ذعرت وأحد مسؤوليها قال إنه أكثر الأفلام التي شاهدها هدرا للوقت.

* ما انعكاسات ذلك الوضع عليك؟ هل هذا السبب الفعلي وراء انتظارك كل هذه الفترة؟

- بالتأكيد. لكن دعني أقل لك: لم يتغير شيء يُذكر. هوليوود ليست مستعدة اليوم لما كانت تمانعه بالأمس. أحب الفترة التي أقضيها خلال التصوير. بعد ذلك صدامات لا تتوقف بين الفنان ومجموعة من رجال الإنتاج الذين يتجرأون على إخبارك كيف يريدون الفيلم أن يكون. إنه فيلمهم ويعاملونه كبضاعة صنعوها بمنأى عن القيمة الفنية التي تريدها. إنه أمر مؤسف، هوليوود منشغلة الآن بأفلام لا قيمة لها. كل فيلم هو عن «فامباير» طائر. ليس هناك الكثير من هذه الأعمال التي يمكن أن تشغل البال أو تدفع المشاهد لتلمس بعض الواقع. ليس كما تفعل الأفلام الأوروبية، حين أردت تحقيق هذا الفيلم طلبت 12 مليون دولار لكني حصلت على ثمانية.