تقنية متطورة لنقل الطاقة «لا سلكيا» إلى الأجهزة الإلكترونية والسيارات الكهربائية

عملية الشحن تلقائية وسريعة وآمنة وصديقة للبيئة ولا تتأثر بالطقس

TT

الكثير من الأجهزة الإلكترونية في المنزل أو العمل، وكذلك الأجهزة المحمولة كالكومبيوتر والهاتف الجوال ومشغلات الموسيقى، يستلزم توصيلها بالكهرباء وشحن بطارياتها أن تكون محاطة بالكثير من الأسلاك والتوصيلات الكهربائية اللازمة والموصلة بترتيبات معينة، لنقل الطاقة الكهربائية إليها، الأمر الذي يجعلك قد تأخذ وقتا في إعداد هذه التوصيلات أو تتبع سلكا منها لفصل التيار الكهربائي عنه، لهذا يحاول العلماء والباحثون في الكثير من المراكز البحثية والشركات العالمية، الاستغناء عن هذه التوصيلات السلكية، بتطوير تقنيات وطرق متطورة لنقل وتوفير الطاقة الكهربائية لا سلكيا عن بعد وبكفاءة عالية، للأجهزة الإلكترونية والسيارات الكهربائية، وبالتالي التخلص تماما من صعوبات شحن السيارات والأجهزة الكهربائية بالطاقة وبخاصة المحمولة منها، مثل عطل ونفاذ البطاريات وعدد مرات الشحن، وكذلك مشكلات الأسلاك والتوصيلات الخارجية. ففي المستقبل القريب سوف تجعل الكهرباء اللاسلكية الكثير من الأجهزة الإلكترونية والسيارات الكهربائية أكثر ملائمة وموثوقية وصديقة للبيئة، الأمر الذي سيجعل حياتنا أكثر يسرا وسهولة عند التعامل معها.

فوفقا لما نشر في 9 فبراير (شباط) الحالي، على الموقع الإلكتروني لمجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية التي تصدر عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) الأميركي الشهير، فإن شركة «واي ترايسيتي» (WiTricity) الأميركية التي تأسست عام 2007، واسمها اختصار لكلمتي «الكهرباء اللاسلكية» (Wireless Electricity)، والمتخصصة في تقنية جديدة ومثيرة لنقل الكهرباء لا سلكيا عبر مسافة، وموقعها الإلكتروني «www.witricity.com»، قد أعلنت أن أول منتجاتها للشحن اللاسلكي للإلكترونيات المحمولة سوف يكون متاحا في وقت لاحق من العام الحالي، وفي غضون عام أو اثنين، سوف تسمح تكنولوجيا مماثلة لمالكي السيارات الكهربائية بشحن سياراتهم لا سلكيا، فقد طورت الشركة نموذجا لشحن الأجهزة الإلكترونية الموضوعة في أي مكان، حتى لو كانت في داخل حقيبة محمولة على الظهر أو في داخل شنطة، مما يلغي الحاجة للبطاريات.

وفكرة نقل الطاقة الكهربائية لا سلكيا ليست جديدة، حيث ترجع إلى المخترع والفيزيائي والمهندس الميكانيكي والكهربائي نيكولا تيسلا (1856 - 1943) الأميركي الصربي الأصل. فقد استطاع بالفعل إرسال الكهرباء لا سلكيا، حيث اعتمدت اختراعاته الثورية الكثيرة في مجال الكهرومغناطيسية، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على ظاهرة «الحث الكهرومغناطيسي» (electromagnetic induction) التي اكتشفها عالم الفيزياء والكيمياء الإنجليزي مايكل فاراداي (1791 - 1867) عام 1831. وهذه الظاهرة يقصد بها توليد تيار كهربائي أو قوة دافعة كهربائية في الموصل نتيجة قطعه خطوط المجال المغناطيسي أو تغير التدفق المغناطيسي عبره، وهي تشكل الأساس لعمل المولدات والمحولات الكهربائية ومحركات الحث وغيرها من الأجهزة الكهربائية. واكتشف فاراداي، أنه عند وضع ملفين قريبين من بعضهما، ثم توصيل أحدهما بالطاقة الكهربائية، فإنه ينتج حقل أو مجال مغناطيسي يقوم بحث الفولتية أو فرق الجهد الكهربائي أو القوة الدافعة الكهربائية عبر الملف الثاني.

فالحث المغناطيسي المقترن (Inductive or magnetically coupled)، يستخدم المجال المغناطيسي الصادر عن حركة التيار الكهربائي عبر الأسلاك، فعندما يتحرك التيار الكهربائي عبر السلك، فإنه ينتج حوله مجال مغناطيسي، وعند لف السلك على شكل ملف دائري وزيادة عدد لفاته، فإن ذلك يساهم في تكبير وتضخيم المجال المغناطيسي، وعند وضع ملف آخر جديد في المجال المغناطيسي للملف الأول (الرئيسي)، فسوف يستحث تيارا كهربائيا في هذا الملف الثاني الجديد (الثانوي).

وأنظمة الشحن بالحث أو بالتأثير (من دون تلامس) (Inductive charging system)، تعمل عن طريق تمرير تيار كهربائي من خلال ملف، لتوليد مجال أو حقل مغناطيسي، يخلق بدوره تيارا كهربائيا آخر في ملف ذي حجم مماثل مثبت في جهاز آخر. فإذا كانت ملفات الإرسال والاستقبال صغيرة، كما هو الحال في نظام الهواتف الجوالة، فإنه يجب وضع كل من جهاز الشحن وجهاز الهاتف على بعد عدة سنتيمترات للشحن بشكل فعال.

وقد ابتكرت شركة «واي ترايسيتي» طريقة جديدة لنقل الطاقة لا سلكيا بكميات ضخمة ولمسافات أبعد بكثير، مما يفعله الحث الكهرومغناطيسي، وتتضمن التقنية التي يطلق عليها «الرنين المغناطيسي عالي التقارن أو الترابط» (highly coupled magnetic resonance)، إجراء مواءمة أو مزاوجة بين الحقول أو المجالات المغناطيسية التي تنتجها بطانتان أو منصتان (Pads) لهما ترددات رنين متماثلة تماما.

ويشرح إيريك جيلر، المدير التنفيذي لشركة «واي ترايسيتي» هذه الطريقة لشحن البطارية بقوله: «عند توصيل إحدى البطانتين أو المنصتين بالمقبس الكهربائي بالحائط، تتحول الكهرباء إلى مجال مغناطيسي، يأخذ في التذبذب بتردد معين، وهذا يؤدي لنشوء مجال مغناطيسي ثان، يأخذ بالتذبذب حول الملف الثاني المثبت داخل البطانة الأخرى أسفل السيارة المراد شحنها، وعند ذلك تتحول الذبذبة إلى تيار كهربائي يصل إلى جهاز الشحن داخل السيارة الذي يشحن بطاريتها».

يقول الباحثون إنه من خلال بناء الوصلات الخاصة بهذه التقنية «البطانات» (Pads) في أماكن ركن أو صف السيارات في الأماكن العامة أو في جراجات السيارات، سوف يمكن شحن السيارات الكهربائية لا سلكيا عن بعد، بسهولة كبيرة وتلقائيا بمجرد ركن السيارة، وبصورة آمنة، ودون أن تشكل خطورة على أحد، حيث ستنقل الطاقة الكهربائية لا سلكيا عن طريق مجال مغناطيسي، من بطانة في أرضية مواقف السيارات إلى بطانة أخرى مثبتة في أسفل السيارة، حيث يوجد ملف أولي في أرضية السيارات، يرتبط أو يقترن عن طريق الحث بملف ثان مثبت في أسفل السيارة، ولكي يتم إجراء عملية الشحن يتعين على السائق أن يقوم فقط بإدارة محرك السيارة. ولا يتأثر نظام الشحن اللاسلكي بالظروف أو الأحوال الجوية كالثلوج والأمطار.

وشركة «واي ترايسيتي» هي واحدة من شركات قليلة تعمل على توسيع نطاق أجهزة الشحن الكهربائي اللاسلكي، وقد تم تأسيسها في عام 2007، لتسويق تقنية نقل الكهرباء اللاسلكية، التي تم اختراعها عام 2005 في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بواسطة فريق من علماء الفيزياء بالمعهد بقيادة بروفسور الفيزياء مارين سولجاسيك.

فقد طورت الشركة جهازا لشحن السيارات الكهربائية عبارة عن بطانة يبلغ عرضها نصف متر، يمكن أن توضع على أرضية مواقف السيارات، وبمجرد سير السيارة فوقها، تبدأ عملية الشحن اللاسلكي تلقائيا للسيارة.

ولشركة «واي ترايسيتي» شراكة مع الكثير من الشركات لتقديم هذه التكنولوجيا الجديدة للسوق، فلديها عقد بملايين الدولارات مع شركة «تويوتا» اليابانية لتطوير أجهزة شحن لا سلكية للسيارات التي تعمل بالبطاريات، كما أعلنت الشركة عن شراكة مع شركة «ميدياتيك» (Mediatek) التايوانية للإلكترونيات، لتطوير منتجات للشحن اللاسلكي للإلكترونيات المحمولة.

وأشارت كاتي هول، رئيسة التكنولوجيا في شركة «واي ترايسيتي»، إلى أن الشركة تعمل على مكونات من شأنها أن تضيف الإلكترونيات اللازمة للشحن اللاسلكي للأجهزة المحمولة، وتقول إن نظام شحن السيارات لا سلكيا لن يكلف الكثير.

يذكر أن هناك عدة شركات أخرى، تعمل على تطوير أجهزة للشحن اللاسلكي بالحث، التي يمكنها إرسال طاقة كهربائية بكفاءة عبر الهواء، فكل من شركتي «سيمنز» (Siemens) الألمانية لتوليد الطاقة، وشركة «بي إم دبليو» (BMW) الألمانية لصناعة السيارات، تعملان على تطوير أجهزة لشحن السيارات الكهربائية، كما أن شركة «كوالكوم» (Qualcomm) الأميركية للتكنولوجيا اللاسلكية، قد اشترت مؤخرا بادئا للتشغيل «ستارتر»، لشحن السيارات الكهربائية لا سلكيا، وشركة «فولتون» (Fulton) الأميركية للتكنولوجيا، لديها تقنية ترسل طاقة لا سلكية من خلال بضعة سنتيمترات، ومن أرضية مواقف السيارات للسيارة الكهربائية.

وجدير بالذكر أيضا أن هناك مجموعة من الباحثين يعملون حاليا على تطوير مفهوم يسمح بتركيب تقنيات للشحن بالحث على الطرق، لشحن السيارات الكهربائية أثناء سيرها عليها، فقد تمكن باحثون أميركيون من مختبر «أوك ريدج» و«ستانفورد»، من تطوير المفاهيم التفصيلية لنظام من هذا القبيل، ضمن مشروع قيمته 2.7 مليون دولار، تموله الحكومة الأميركية الفيدرالية. ونموذج «أوك ريدج» سوف يتكون من 200 ملف في جزء من الطريق، سيسيطر عليها جهاز واحد موجود على جانب الطريق، وهذه الملفات المتعاقبة أو المتتالية، سوف يتم تحريكها عندما تمر فوقها السيارات الكهربائية، وبالتالي سوف تمدها بالطاقة الكافية لوصول السيارة للمجموعة التالية من الملفات التي ستكون على نحو ميل على الطريق، وسوف يتطلب هذا توفير البنية الأساسية اللازمة لتركيب بطانات أو منصات الشحن بالحث على طرق سير السيارات. كما يقوم باحثون في جامعة ولاية يوتا الأميركية، بتركيب نظام لشحن الحافلات التي تتوقف على طول الطريق، حيث سيتم تثبيت بطانات أو منصات كبيرة على الطريق تشتمل على ملفات، تتمثل مهمتها في إنشاء مجال حث مغناطيسي، يمكن استقباله من خلال بطانة أو منصة أخرى مشابهة تستخدم لشحن البطاريات، تكون مثبتة في أسفل السيارة الكهربائية.

يقول جون ميلر، عالم الأبحاث في شركة «أوك ريدج»، بأن «الشحن اللاسلكي للسيارات الكهربائية سيكون مريحا جدا، وفائق السرعة، وليس هناك فوضى مع كابلات التوصيل، ولن نهتم بما ستكون عليه حالة الطقس».