ويستوود وبول سميث يرفعان الراية البريطانية.. و«مالبوري» تكشف وجهها المتوحش

أسبوع لندن للخريف والشتاء لا يزال مستمرا وممتعا

TT

أجمل ما في أسبوع الموضة ذلك التنوع الذي لا يصيب بالملل رغم القواسم المشتركة بين معظم المصممين وشبه إجماعهم على الاحتفال ببريطانيتهم. أول من أمس كشفت دار «مالبوري» عن وجهها المتوحش، ونيكول فارحي عن حبها للفنون، وماريوس شواب عن رومانسيته وحنينه لعصر هوليوود الذهبي، فيما رفعت فيفيان ويستوود وبول سميث الراية البريطانية عاليا بإيقاع يشد الأنفاس ويحفز إفراز الأدرينالين في الجسم.

في فندق «كلاريدجز» قدمت دار «مالبوري» أول عرض لها ضمن البرنامج الرسمي لأسبوع موضة لندن. بعد دخول باب الفندق وقبل دخول قاعة العرض، تم توزيع عصائر وشيكولاتة وورق تشرح فيه المصممة إيما هيل أنها استلهمت الأجواء والتشكيلة على حد سواء من قصص الأطفال التي كتبها موريس سانداك. أول ما تطأ قدماك باب القاعة، تشعر بأنك دخلت عرين أسد في ليلة مظلمة. فالكراسي مغطاة بفرو الماعز باللون الأسود وعلى الحيطان علقت وجوه وأشكال حيوانات مفترسة وكأنها تحرس العرين، ومع إطلالة أول عارضة وانطلاق أول نغمة موسيقى تعالى صوت يشبه الزئير مصاحبا لإيقاعاتها، وهكذا بدأت المصممة تحكي القصة بلغتها وطريقتها. كانت هناك الكثير من المعاطف ذات التصاميم الضخمة والصديريات من فرو الماعز أو الأرانب، ومعاطف أخرى محددة على الجسم بأحزمة رفيعة. وكأن الفرو غير كاف لمنح الدفء في شتاء 2012 و2013، لذا فإنها نسقته مع كنزات صوفية سميكة ظهرت أكمامها المطرزة من تحت صديريات الفرو أو من تحت معاطف محددة على الجسم من دون أكمام. ورغم الأجواء التي من المفترض أن تكون مخيفة، لم يكن أي شيء في هذه التشكيلة مخيفا، لا من حيث التصاميم أو الأقمشة أو الألوان أو طريقة تنسيق العرض ككل، بل العكس كانت هناك شبه نغمة رومانسية تجلت أكثر بعد أن ظهرت مجموعة فساتين وتنورات مستقيمة مصنوعة من الحرير. إلى جانب ألوان الأسود والألوان الدافئة الأخرى مثل البني والبرتقالي المطفي، لعبت إيما هيل، مثل العديد من المصممين هذا الأسبوع، على مزج الخامات المتنوعة ببعض، كذلك النقوشات التي تضمنت إيحاءات من حضارة الأزتيك ضخت فيها جرعة من البرتقالي المتوهج. ولأن «مالبوري» بدأت كدار جلود وبنت سمعتها على حقائب اليد، فإنها استغلت المناسبة وطرحت نسخا جديدة من حقيبة «ديل راي»، وكما يدل اسمها فهي تحية للمغنية الأميركية ديل راي، التي حضرت العرض وجلست إلى جانب كل من الممثلة ميشيل ويليامز وإليزابيث أولسون وميشيل دوكري، من سلسلة «داونتن آبي». كل حقيبة سواء كانت من جلد النعام أو الثعابين أو من التويد المطعم بخيوط الذهب حملت بصمات هوليوود في عصرها الذهبي وستعتبر مكملا مهدئا للأزياء.

بعد «مالبوري» كانت الوجهة إلى محكمة العدل بوسط لندن، لمتابعة عرض نيكول فارحي، علما أنها المرة الأولى التي تقيم فيها عرضها هنا بعد سنوات من العرض في دار الأوبرا الواقعة بـ«كوفنت غاردن». نيكول فارحي تحب دائما أن توجه أنظارها إلى الفن ولا تخفي إعجابها بالرسامين، أيا كانت الحقبة التي عاشوا فيها، ولم يختلف الأمر هذه المرة، حيث كانت الحقبة هي القرن الـ19 والفن هو الفن الجديد (آرت نوفو) وتحديدا الفنان النمساوي غوستاف كليمت، الذي مثل الحركة الانفصالية النمساوية. ما يحسب لها أنها استعملت الحقبة وأسلوب كليمت بطريقة عصرية جدا، من خلال أشكال طرزتها بالترتر أو باستعمال البلاستيك الملون على صدور معاطف مفصلة على الجسم بشكل راق وفساتين ناعمة. الألوان كانت هادئة جدا تتباين بين الرمادي والأبيض والأسود والمستردي، وهو ما يشكل تغييرا كبيرا عما قدمته في الموسم الماضي من ورود وألوان صارخة، في رسالة واضحة أنها لا تريد أن تكرر نفسها، وأنها أرادت تقديم تشكيلة أكثر ثراء من حيث التصميم والأقمشة وأكثر هدوءا من حيث الألوان. وبالفعل فإن عودتها إلى القرن الماضي لم تكن إلا تحية لرسام كبير عبرت عن إعجابها به كثيرا، لأن كل ما في هذه التشكيلة كان يتنفس روح العصر والحداثة.

المصمم ماريوس شواب، الذي قدم عرضه في «سومرست هاوس» أيضا غرف من القرن التاسع عشر ومن الفن الجديد، لكن الترجمة كانت جد مختلفة عن تلك التي قدمتها نيكول فارحي. حسب تصريحه بعد العرض قال إنه أراد «صهر قطع غرافيكية لتذوب في الجسم»، ولتحقيق هذا الهدف استعمل أنواعا من الجلود تبدو وكأنها حرير لنعومتها، كما اعتمد على تقنيات جديدة لصنع أشكال تشبه الدانتيل ظهرت في فساتين في غاية الرقة مع حنين واضح إلى رومانسية الماضي وتصاميم تعانق الجسم. هذا الماضي شمل أيضا عصر هوليوود الذهبي، وتحديدا العصر الذي تمثله مارلين ديتريش ملهمته، هذا الموسم. لكن لا بد من التوضيح أنها ليست مارلين التي تميل إلى ارتداء بذلات رجالية بل مارلين الأنثى التي تعشق فساتين تكاد تبدو شفافة من بعيد لرقتها وخفتها. نعم فقد كان هناك الكثير من الفساتين أغلبها بتصميم يعانق الجسم، فيما استعمل في بعضها تقنية الليزر الذي طرز به الأقمشة لتبدو مثل الدانتيل، في تلاعب ذكي على فكرة المستور والمكشوف في القطعة الواحدة.

عرض فيفيان ويستوود من خطها «ريد» ينجح دائما في جذب الكثير من المشاهير وإثارة الجدل، إلى حد القول إنها باتت تستعمله كمنبر لأفكارها السياسية والإنسانية. فمنذ أن أطلقت هذا الخط وهي تصرخ بأعلى صوتها بضرورة حماية الأرض والبيئة وجمع التبرعات لهذه الحملة، ويبدو من الورق الذي وزعته أن مجموع التبرعات التي حققتها لحد الآن وصل إلى 1.5 مليون جنيه إسترليني، لكنها لا تزال تطمح إلى 7 ملايين جنيه إسترليني، الهدف الذي وضعته لنفسها في البداية. ورغم أهمية هذه القضية بالنسبة لها إلى حد يجعلك تشعر بأن الموضة بالنسبة لها ما هي إلا أداة لخدمتها، فإن العرض الذي أقامته في قاعة بالقرب من كاتدرائية سانت بول، كان يضج بشقاوتها المعهودة، مما لا يدع أدنى شك في أن مصير هذه التشكيلة سيكون النجاح التجاري الذي يحلم به أي مصمم. كانت مفعمة بكل ما هو بريطاني، وبأسلوب فيفيان ويستوود الذي تحبه اللواتي يردن أزياء مختلفة، وإن كانت هذه المرة أكثر هدوءا مما عودتنا عليه. فقد اختفى البانك والجنوح إلى التمرد باستثناء بعض الجاكيتات المصنوعة من الجلد وبنطلونات جينز ممزقة، وحلت محله عملية عصرية، من خلال تايورات مصنوعة من الصوف والتويد بألوان عميقة مثل الوردي والبرقوقي والأزرق والرمادي والبني، وفساتين من الجيرسيه ملفوفة حول الجسم بطريقتها التي تميل إلى المبالغة المحسوبة، ومشبعة بكل ما هو بريطاني.

سير بول سميث أيضا احتفل ببريطانيته ليس بالجنون الفني بل بالتفصيل، الذي يشتهر به شارع «سافيل رو» من جهة والمصمم المخضرم من جهة ثانية. مرة أخرى عاد إلى ما يتقنه جيدا وما تعشقه المرأة فيه: التايورات المفصلة والقطع المنفصلة على شكل جاكيتات وبنطلونات ضيقة وكنزات ومعاطف تستوحي خطوطها من أزياء الرجل لكنها تعانق جسم المرأة وكأنها خلقت لكي تلبسها. إلى هنا وكل شيء عادي ومتوقع من مصمم مخضرم مثله، لكن اختياره للألوان كان قصة مختلفة، لأنها جاءت أكثر هدوءا وقتامة، إن صح القول، مثل الرمادي والبرقوقي الغامق وغيرهما من الألوان التي لولا التصميم وأنواع الأقمشة مثل التويد والمخمل والحرير، وطبعا اللمسات الخفيفة التي يشتهر بها المصمم مثل الموتيفات عند الكم أو خلف الياقة أو البطانة، لبدت مغرقة في القتامة. هو أيضا مزج الخامات المختلفة في الإطلالة الواحدة، مثلا جمع جاكيت توكسيدو مع بنطلون من القماش المقصب، أو التويد مع الحرير.. وهكذا. لكن لا تغرنك الألوان والتغطية الشاملة لكل جزء من الجسم هنا، لأنها كانت تفوح برائحة أنثوية مثيرة شرحها المصمم بقوله: «لا أعتقد أن كشف الجسم وإظهار مفاتنه يعني الأنوثة أو ضروري لكي تعبر عن جمالياته». لكن بحكم تجربته الطويلة ومعايشته الكثير من الأزمات العالمية، فقد قرأ الأحداث الحالية، وترجمها من خلال تشكيلة جد عملية وبالكثير من القطع المنفصلة التي يمكن أن تغني الواحدة منها لتجديد خزانة أية امرأة أنيقة في الموسمين المقبلين.