يوسف إسلام يغني للمرة الأولى في العالم العربي

أنشد للثورات في بيروت ودعا إلى «أن تجد الشعوب طريق الهداية»

يوسف إسلام يغني في بيروت («الشرق الأوسط»)
TT

أمام ما يقارب أربعة آلاف شخص، تجمهروا رغم البرد والصقيع في مركز «بيال» وسط بيروت، غنى يوسف إسلام، مساء السبت، للحب والسلام والأمل، محييا بيروت، متمنيا لها ولأهلها الأمن والطمأنينة.

دون مقدمات موسيقية أو كلامية، من غير كلفة أو بهرجة، سبق يوسف إسلام، أو كات ستيفنتس كما كان يطلق عليه سابقا، فرقته الموسيقية لملاقاة الناس. دخل المسرح بغيتاره المعلق في رقبته، بهدوء وتواضع شديدين، وبدأ يغني أغنيته الشهيرة «ثي وند» وسط تصفيق وترحيب الحضور، لتلتحق به الفرقة المكونة من خمسة عازفين في الأغنية الثانية «ميدداي» التي حيا الجمهور قبلها بالإنجليزية والعربية بـ«السلام عليكم»، وشكر خلالها الله على ما منحه من نعم.

إنها المرة الأولى التي يغني فيها يوسف إسلام في العالم العربي، إذ أحيا حفله الأول في الدوحة يوم الـ16 من الشهر الحالي على مسرح نصب خصيصا للمناسبة في حديقة «متحف الفن الإسلامي»، ثم حفله العربي الثاني والأخير كان في بيروت يوم الـ18، محتفيا بالناس وربيعهم الصعب، داعيا في أغنيته «ماي بيبول» المعروفة، «أن يهديهم الله إلى طريق الخير». وهي الأغنية الجديدة التي وضعها من وحي الانتفاضات التي تقوم بها الشعوب حول العالم، بينما كانت إشارة النصر ترتفع كبيرة على الشاشة الخلفية للمسرح، قبل أن ينهي هو نفسه هذه الأغنية بإشارة النصر مرفوعة بيديه الاثنتين.

ونظمت «مهرجانات بيت الدين» هذا الحفل الاستثنائي للمغني الإنجليزي كات ستيفنتس المعروف بأنه اعتنق الإسلام عام 1977 بعد أن أصيب بمرض السل، وثارت في نفسه أسئلة وجودية حائرة قادته إلى التعمق في أديان شرق آسيا. وبعد بحث روحاني طويل، بينما كانت شهرته في أوجها في سبعينات القرن الماضي، أهداه أخوه الأكبر نسخة مترجمة من القرآن، وعلى الأثر اعتنق الإسلام تاركا الغناء، مهتما بالتعليم والأعمال الإنسانية، وتزوج وأنجب أولادا، ليعود بتشجيع من ابنه - كما يروي هو نفسه - إلى عالم التلحين والتأليف والعزف في عام 2009. ويبدو أن الفنان يرجع إلى المسرح بزخم كبير وطموح جامح بعد ما يقارب 30 سنة من الانقطاع.

فبعد أن غنى من جديده في بداية الحفل البيروتي، عاد إلى بعض الشهير من قديمه مثل أغنية «ويلد وورلد» التي ألهبت القلوب، أو «وير دو ذي شيلدرن»، ورفض أداء أغنية «ماي ليدي دارنبنفيل» قائلا إن زوجته تمنعه من أداء هذه الأغنية.

وقبل أن تنتهي الجولة الأولى من الحفل جلس يوسف إسلام إلى طاولة صغيرة يسار المسرح مغطاة بشرشف أبيض، واستدعى أحد مساعديه ليأتيه بفنجان قهوة، فحضرت صينية عليها ركوة وفنجان. فأخذ رشفة من فنجانه وقال إنه يريد أنه يستريح قليلا: «أولسنا في لبنان؟»، ساخرا من الجمهور الذي وصل متأخرا إلى الصالة، معتبرا أنه يثأر لنفسه من فعلتهم. وشرح الفنان: «إن الحياة تقوم على نقطتين أساسيتين، الذهاب والعودة. وإن على المرء وهو يسير في طريقه أن يتوقف قليلا ليسأل نفسه إن كان ينهج الطريق الصحيح»، وهو ما فعله في حياته أكثر من مرة. أما لماذا فنجان القهوة، فقد سأل إسلام وأجاب في الوقت نفسه: «سميت ألبومي الجديد (فنجان آخر) لأنني شعرت أن الله منحني جرعات إضافية بعد توقفي عن الغناء لسنوات طويلة، وهي جرعات تشبه فنجانا آخر أرتشفه».

وصل يوسف إسلام إلى لبنان يوم الجمعة برفقة فرقته وأعضاء من عائلته. وأطل على جمهوره بالجينز وحذاء رياضي، محافظا على بساطة في التواصل، مشعرا الحضور في كل واحدة من أغنياته بأنه يغني حاملا رسالة، مصرا في تعليقاته على ذكر عائلته والتحدث عنها. وبدا بلحيته البيضاء الكثة وشعره الذي غزاه الشيب أن أغنيته التي يخاطب فيها الأب ابنه والتي تدعى «الأب والابن» هي من مأثوراته التي يقدمها بحب كبير. وعندما كان يتعب وهو ابن الرابعة والستين كان يستعين بكرسي للغناء جلوسا، شارحا للناس أنه تقدم في العمر.

لكن يوسف إسلام كشف للحاضرين أثناء الحفل أن عودته إلى الغناء ليست عابرة، وأنه يحضر لميوزيكال كبير، يتضمن عددا من أغنياته القديمة، وقال: «تعرفون أن الميوزيكال يحتاج إلى قصة وشخصيات وموسيقيين وفنيين وإضاءة، ونحن نعمل على كل هذا لنقدم العمل في يونيو (حزيران) المقبل». وأسمع يوسف إسلام الحضور أغنيتين ستتم استعادتهما في هذا الميوزيكال الذي يبدو أنه يعول عليه ويتحدث عنه بفخر، وسيحمل اسم أغنيته «موون شادو».

وإذا كان حفل الدوحة قد تضمن أغنية دينية من نوع «طلع البدر علينا» فإن الحفل اللبناني تفادى الإغراق في الجانب الديني لحياة هذا الفنان الإنجليزي المولود من أب قبرصي وأم سويدية، بل فضل المنظمون استعمال اسم يوسف كات ستيفنتس بدل يوسف إسلام الذي أطلقه على نفسه بعد اعتناقه الدين الإسلامي. هذه الصيغة الوسطية التي سادت أجواء الحفل تلاءمت مع حضور من متوسطي السن، بدا أنهم من المتابعين لأعماله القديمة بشكل خاص، والذين رددوا معه وهتفوا وصفقوا وغنوا، وتجاوبوا مع عودته إلى ذكر الله وشكره عدة مرات في الحفل، سواء من خلال أغنياته أو في تعليقاته الطريفة.

وما إن ودع يوسف إسلام جمهوره حتى علا تصفيق شديد، ووقف الحضور مطالبا بالمزيد، ليعود الفنان الذي لم يتوقف عن تبديل غيتاراته الكهربائية طوال الحفل، ويغني ثلاث أغنيات إضافية، أراد بعدها أن يختم بشكل نهائي وقاطع، فقال للحاضرين: «خلاص، السلام عليكم»، شاكرا لهم حضورهم، طالبا من الله أن يباركهم.