«بيربيري» تقدم صورة أيقونية للطقس البريطاني.. و«ماكوين» تدخلنا حربا رومانسية

أسبوع لندن للموضة في يومه الثالث والأهم

TT

ما لا يختلف عليه اثنان أن يوم الاثنين يعتبر أهم يوم في برنامج أسبوع الموضة اللندني. فكل الأسماء التي يمكن أن تجذب انتباه وسائل الإعلام العالمية احتشدت فيه، من التاسعة صباحا في عرض الثنائي «بيتر بيلوتو»، إلى الثامنة مساء في عرض «إم سي كيو» لـ«ماكوين». فرغم أن عرض «ستيلا ماكارتني» كان من العروض التي ترقبها الجميع على أحر من الجمر ولم يخيب الآمال يوم السبت الماضي، فإن اسمها تلاشى إلى الوراء أمام هذا العدد من المصممين المهمين. فمهما تكون قوتها فإن المنافسة أمام كل من «إريديم»، و«كريستوفر كاين»، و«جايلز ديكون»، و«ماكوين»، و«بيتر بيلوتو» وطبعا دار «بيربيري» لا يمكن أن تكون في صالحها. فـ«بيربيري» وحدها تكفي لكي تغطي عليها وعلى عرضها الراقص الذي حضرته الكثير من النجمات والعارضات العالمية.

فبغض النظر عن قوة الدار البريطانية العريقة وإمكانياتها المادية الهائلة بالمقارنة مع كل مصممي لندن، فإن كريستوفر بايلي مصممها الفني ينجح دائما في تقديم عرض دسم يشد الأنفاس. وبالفعل، توفرت في عرضه يوم الاثنين كل بهارات النجاح وعناصر الإبهار، من نجمات من حجم كايت بوسوورث، كلير داينز، والعارضة روزي هانتينتون وايتلي، فضلا عن أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية، إلى مكان العرض، الذي جاء عبارة عن قاعة ضخمة وسط حدائق كينسنجتون مبنية بالزجاج ومفروشة بسجاد ناعم. وطبعا لا بد من الحديث عن الإخراج المثير في نهاية العرض والذي تمثل في تهاطل مطر اصطناعي غزير على السقف الزجاجي متصاحبا مع صوت الرعد قبل أن يطل على الحضور سرب من العارضات بمعاطف مطر ويحملن مظلات واقية. ولأنها ليست المرة الأولى التي يتحفنا بايلي بسرب من العارضات في صورة أيقونية تحتفل بالمطر وفصل الشتاء، فإنه برر نفسه قائلا: إنه يعشق الاحتفال بالمطر، لأنه يوحي له بالرومانسية وبعض الكآبة، مضيفا أن «أي عرض يحتاج إلى مخاطبة الأحاسيس والعواطف، ولأني أردت أن أتناول بطريقة حميمة بعض الكليشيهات البريطانية وإضفاء بعض الأهمية والأناقة عليها، لم أجد هناك أقوى من الطقس البريطاني للتعبير عن ذلك». لكن ما لم يقله بايلي أن المطر والبرد القارس يسري أيضا في جينات الدار، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه من معاملها ولد المعطف الممطر كما نعرفه اليوم. فهذه القطعة تعتبر قلبها النابض الذي يمنحها القوة التي تعيشها الآن، وبالتالي تفنن فيها كعادته وقدمها بتصاميم وخامات متنوعة وإن جاء معظمها محددا عند الخصر بأحزمة رفيعة بإبزيم على شكل وردة تتراقص بألوان متوهجة في تناقض واضح مع ألوان الأزياء التي كانت تميل إلى القتامة بعض الشيء. ألوان تباينت بين البني والرمادي والمستردي والبرقوقي والتوت البري والأخضر الزيتوني، ليس في هذه المعاطف فحسب، بل أيضا في فساتين وكنزات وجاكيتات بأكتاف بارزة وقمصان بيضاء تستحضر الأسلوب الرجالي، وتنورات بجيوب ضخمة من التويد، هذا عدا عن إكسسوارات بكم هائل. بيد أنها كلها تتفق على شيء واحد ألا وهو الاحتفال ببريطانية الدار بلمسات تجمع الأسلوب الريفي الأرستقراطي والأسلوب العصري الحيوي، من خلال التويد، والصوف والمخمل وأيضا من خلال جاكيتات مستوحاة من الريف الإنجليزي، وتحديدا من أزياء وإكسسوارات رحلات الصيد التي يقوم بها النبلاء. فقد كانت هناك الكثير من الجاكيتات القصيرة المبطنة وأخرى تصل إلى الركبة من صوف الخرفان مما أعطاها بعض الحجم، وتنورات تغطي الركبة وتميل إلى الاتساع حتى يمكن للفارسات ارتداؤها، وقبعات رأس وما شابهها من الإكسسوارات، التي ستضفي الكثير من الدفء والتميز على أي فتاة في الموسمين المقبلين. لكن القطعة التي سترى طريقها إلى خزانات الأغلبية منهن هي تلك الكنزات الصوفية التي توسطت صدورها وجوه بومات بتطريزات جذابة. فقد تضمنت كل معاني المرح والشقاوة البريطانية.

لكن لا تغرنك هذه العودة إلى الجذور وإلى الإرث الإنجليزي، لأن الدار متوجهة بكل جوارحها وقدراتها إلى المستقبل، معتمدة في ذلك ليس على إبداع كريستوفر بايلي وحده، بل أيضا على ماكينتها التسويقية ومعانقتها التكنولوجيا. فمنذ بضعة مواسم وهي تتيح لعاشقات الموضة الحصول على ما يرينه على منصات العرض مباشرة عبر الإنترنت. فلمدة 7 أيام يمكنهن الحصول على قطع لن تتوفر في المحلات إلا في شهر يوليو (تموز) القادم، فيما يعتبر خطوة جريئة وذكية جدا، تخدم الدار والزبونات اللاتي لا صبر لهن على الانتظار إلى ذلك الحين.

أجواء الخريف والكآبة والرومانسية كانت أيضا قوية في عرض «إم سي كيو» الخط الأرخص والشبابي لدار «ألكسندر ماكوين»، الذي يعرض لأول مرة في أسبوع لندن. فما أن تدخل المبنى القديم للبريد والاتصالات بمنطقة «هولبورن» حتى تطالعك منصة غطتها أوراق الخريف المتساقطة فوقها، وحائط في جانب من القاعة من خشب داكن، كانت الفكرة منه إعطاء الانطباع بأننا في غابة.

كل الحماس والترقب والإثارة في كفة والأزياء في كفة ثانية. فما إن انطلق العرض حتى توالت التصاميم ذات الأسلوب العسكري، بما في ذلك المعاطف المفصلة على الجسم وكأنها فساتين مطرزة بالأحجار وبأوراق الشجر لكن بألوان الربيع. ورغم هذه التطريزات والفساتين، التي فيما انفصلت عن هذه الأجواء يمكن أن تكون أنثوية ورومانسية، فإن الشعور الذي يغمرك طوال العرض بأن العارضات متوجهات لحرب. ما زاد من قوة هذا الإحساس الأحذية العالية الرقبة التي تغطي الركبة، مع أنها مصنوعة من الدانتيل. مثل «بيربيري» هنا أيضا تشعر بأن المصممة سارة بيرتون عادت إلى الجذور البريطانية، وتحديدا إلى أسكوتلندا لتغرف منها، الأمر الذي تجسد أكثر في الأزياء الرجالية التي ظهر فيها العارضون بالـ«كيلت» وهو التنورة الأسكوتلندية التقليدية، وإن لم تغب هذه الجذور من الأزياء النسائية التي استعملت فيها أيضا هذه الخامات التقليدية بأسلوب عصري تميل فيه التنورات إلى الاتساع. كانت هناك فساتين لافتة، خصوصا تلك التي ضخت فيها المصممة ألوانا صارخة وزخات من الأحمر، وكانت ستبدو أنثوية ورومانسية لولا تسريحات الشعر التي جاءت على شكل أطباق طائرة.

قد يقول البعض: إن التشكيلة تفتقد إلى درامية «ماكوين» المعهودة وجنونه، لكن ما لا يجب أن ننساه أن هذا الخط يخاطب الصغيرات وذوات الإمكانيات القليلة بالمقارنة مع زبونات خط «ألكسندر ماكوين» وهو ما ينعكس على الأسلوب الذي يراعيهن من جهة ويخاطب السوق العالمية من جهة ثانية.