وفاة طارق عبد الحكيم عميد الأغنية السعودية

المزارع العاشق لتراب وطنه رحل بعيدا عنه

TT

توفي عميد الأغنية السعودية طارق عبد الحكيم ظهر أمس الثلاثاء، في مدينة القاهرة، عن عمر يناهز 93 عاما بعد صراع طويل مع المرض. وسيوارى جثمانه الثرى اليوم في العاصمة المصرية.

اسم طارق عبد الحكيم مرتبط بتاريخ الأغنية السعودية، وهو من مواليد مدينة الطائف عام 1918م، وكان في بداية فترة مراهقته وشبابه يساعد والده في زراعة أفضل أنواع الفاكهة والخضار في الطائف، وكان يبيع الفواكه والخضار في تلك الفترة. وتلك الأجواء الزراعية والرعي ساهمت في تفجير طاقته الفنية حين كان يردد بعضا من الأعمال التراثية.

في الأشهر الماضية الأخيرة تدهورت صحة الموسيقار طارق عبد الحكيم، وكان الفنان حسن إسكندراني أكثر المرافقين والملاصقين للراحل، حيث غادر إسكندراني أمس إلى القاهرة فور تلقيه الخبر للمشاركة في تشييع جثمانه، فيما أكد نجله الأكبر سلطان طارق عبد الحكيم أنه سيعود إلى مدينة جدة بعد دفن والده في القاهرة لاستقبال العزاء. وطالب الكثير من رفقائه في الوسط الفني بدفنه في السعودية، خاصة أنه يعتبر واحدا من أهم الموسيقيين السعوديين، وساهم في خروج الأغنية السعودية إلى مناطق بعيدة في الوطن العربي.

وصدر قبل 12 عاما كتاب قام بتأليفه الكاتب السعودي إسماعيل حسناوي وتضمن رصدا لحياته وأعماله الفنية، وحكايته مع الفن، ومؤلفاته الموسيقية والمناصب التي تولاها، والشهادات التي حصل عليها، حيث رأس المجمع العربي للموسيقى بجامعة الدول العربية، وعُدّ أول موسيقي عربي يحصل على جائزة اليونيسكو للموسيقى «الأوسكار» من المنظمة العالمية «المجلس الدولي للموسيقى» عام 1981م، كما يعد سادس موسيقي في العالم يحصل على جائزة اليونيسكو في الموسيقى.

وتحدث حسناوي عن معاناة طارق عبد الحكيم حين كان يافعا يكافح لمساعدته أسرته يحرث الأرض ويذوق من تراب وطنه، لذلك كان طيلة حياته عاشقا لتراب وطنه ومحبا له، عاش حياة قاسية في بداية شبابه، ومن حبه لبلاده استطاع التحول إلى العسكرية وأصبح عميدا في الجيش السعودي بعد مروره بالرتب العسكرية، وعدة مناصب، منها: مدير فني لموسيقات الجيش العربي السعودي، ومدير لنادي ضباط الجيش، ثم انتقل إلى مديرية الشؤون الإذاعية والصحافة والنشر وأسس فرقة موسيقى الإذاعة، ثم عين مديرا لموسيقى الأمن العام ومشرفا على معهد التربية الرياضية التابعين لوزارة الداخلية، ثم نائبا لرئيس الجمعية العربية السعودية للفنون في أول مجلس لإدارتها عند تأسيسها قبل نحو أربعين عاما، وكان الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن رئيسا لمجلس إدارة الجمعية، ثم بعد ست سنوات على تأسيس الجمعية تم تعديل اسمها إلى «الجمعية العربية للثقافة والفنون»، ثم كلف عام 1974م بتأسيس نادي الأمن العام لخدمة ضباط وموظفي الأمن العام في الرياض، ثم انتقل لوزارة الإعلام مشرفا عاما لموسيقى الإذاعة والتلفزيون، وأسس إدارة الفنون الشعبية التابعة للرئاسة العامة لرعاية الشباب وأصبح مديرا لها.

وعلى المستوى العربي وفي عام 1976م رشح من قبل الأمير الراحل فيصل بن فهد لتمثيل بلاده في عضوية المجلس التنفيذي للمجمع العربي للموسيقى بجامعة الدول العربية، وخلال أربع سنوات بجانب عمله السابق تم انتخابه بإجماع أعضاء المجمع لمنصب نائب رئيس المجمع ثم رئيسا له.

وتمكن طارق عبد الحكيم من أن يخرج الأغنية السعودية الحديثة من عنق الزجاجة ليظهرها على الساحة الفنية العربية بطابعها المميز ونكهتها الخالدة، معلنا ميلادها وانطلاقتها الحقيقية وشيوعها في الساحة الفنية العربية من المحيط إلى الخليج، ويقفز بها الحواجز والمنعطفات، ويستقر بها في القلوب التواقة لسماع المغنى والطرب الأصيل، ففي القاهرة وبيروت نجح وبرع في عملية التزاوج الفني العربي وأخرجه إلى حيز الوجود بإبداعه الموسيقي في الألحان واختياره الموفق في انتقاء الكلمات والأصوات.

ورصد المؤلف حسناوي فهرسا لأغانيه وألحانه، حيث بلغ عدد الأغاني العاطفية التي أداها ولحنها وأداها فنانون سعوديون وعرب نحو 252 أغنية، وتجاوزت ألحانه الخمسمائة لحن، وبلغ عدد المطربين والمطربات الذين تغنوا بألحانه 140 مطربا ومطربة، أما كتاب الكلمات الغنائية والشعراء الذين تعاون معهم فبلغ عددهم 157 شاعرا وشاعرة، وبلغ عدد الأناشيد الوطنية في هذا الجانب 104 أغان، بالإضافة إلى 17 نشيدا وأوبريتا دينيا، و10 منولوجات، ومثلها أغان ومشاركات وجدانية عربية، و19 أغنية لعبة المجرور الشعبية بألحانه، و9 عرضات ورقصات شعبية من ألحانه، وعشرات من المجالسيات الخاصة بالشعر الشعبي، كما سجل 36 لحنا لأناشيد خاصة بحرب الخليج، وأنجز تأليف 111 مقطوعة موسيقية، بالإضافة إلى تأليف 14 سيمفونية سجلها خصيصا لصوت العرب، وألف 15 مارشا عسكريا، هي: مارش عاهل الجزيرة، ومارش السعود، ومارش الفيصل، ومارش العبدالله، مارش السلطان، ومارش النايف، ومارش المنطقة الغربية، ومارش المنطقة الشمالية، ومارش المنطقة الشرقية، ومارش المنطقة الجنوبية، ومارش المنطقة الوسطى، ومارش مكة المكرمة، ومارش المدينة المنورة، ومارش القدس.

شارك الموسيقار طارق عبد الحكيم في 34 مناسبة ومهرجانا موسيقيا داخل بلاده، كما شارك في 38 مهرجانا دوليا ممثلا لبلاده في عدد من الدول العربية والأجنبية والأممية، ونال 53 شهادة تقديرية في بلاده والدول العربية والعالمية والمنظمات العالمية، كما حقق الأولوية في 40 مناسبة مختلفة داخليا وخارجيا.

أسس طارق عبد الحكيم متحفا وطنيا للفنون والتراث في مدينة جدة التي كان يعشقها كثيرا، عُرف بـ«قلعة الفنون التراثية»، ففي خريف العمر لم ينسَ أو يتناسَ عميد الفن هوايته وعشقه للفن والفنون، فهو حبه وشغفه الذي نما وترعرع في كيانه ووجدانه منذ نعومة أظفاره، وأينع مع مرور الأيام وطي السنين كالمروج الوارفة الظلال، حتى أصبح الفن هاجسه وولعه وجزءا لا يتجزأ من أهداف حياته وأمنياته التي يسعى جاهدا لتحقيقها في مشوار حياته.

فبعد عودته من القاهرة عام 1953م حرص اليوزباشي طارق عبد الحكيم آنذاك على تجميع وحفظ كل أعماله الفنية من أشرطة وأسطوانات ومقطوعات ونوت موسيقية، بالإضافة إلى الصور الفوتوغرافية المؤرخة التي جمعته مع عمالقة الفن ورواده منذ بدايته الفنية الحقيقية في الخمسينات والستينات الميلادية في القاهرة وبيروت، كما حرص على اقتناء وجمع الآلات الموسيقية المختلفة، سواء كانت شرقية أو غربية، بدافع حبه وهوايته المتعطشة لجمع مثل هذه الآلات، وتنامى حرصه وشغفه على جمع المزيد منها وكل ما يتعلق بالفن والفنون من أجهزة وإيقاعات.