قمر صناعي صغير يبتلع قطع الخردة الفضائية

السويسريون يطلقون أول برنامج لتنظيف فضاء الأرض من النفايات

TT

كما يعرف الجميع، هناك أكثر من 600 ألف قطعة «خردة فضائية» تدور في مسارات متقاربة حول الأرض، وقد تعرض الرحلات الفضائية إلى كوارث لا مجال لدرئها عند ارتطامها بالمركبات الفضائية المأهولة أو بالأقمار الصناعية العسكرية. وتراقب وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» 16 ألف قطعة من هذه الخردة بشكل مستمر، بسبب حجمها الكبير، وبسبب مداراتها التي قد تعرقل برنامج الفضاء الأميركي. وواقع الحال أن الكثير من هذه القطع لا يزيد حجمها على 10 سم، لكن دورانها بسرعة هائلة قد يحولها إلى قنابل «ذرية» عند ارتطامها بجسم كبير.

ومعظم هذه القمامة هي من مخلفات الصواريخ والأقمار الصناعية القديمة، خصوصا حاويات الوقود التي تحرك الصواريخ، إضافة إلى عدد كبير من مخلفات الرحلات الفضائية، التي يتركها رجال الفضاء أثناء سباحتهم الفضائية، وتبدأ بالقفازات، وتنتهي بأدوات العمل مثل المطارق ومفكات البراغي وغيرها. ويقدر العلماء احتمال ارتطام هذه الأجسام بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية بنسبة 1: 10000، إلا أن أعداد هذه الأجسام تضاعفت 4 مرات خلال 20 سنة، وارتفع معها هذه الاحتمال بشكل جاد. كما رصد علماء «ناسا» ارتطام القمر الصناعي الأميركي «إيريديوم 33» بقمر صناعي روسي يوم 10 فبراير (شباط) 2009، وشاهدوا القوة التفجيرية التي نجمت عن الارتطام، كما شهدوا كيفية تحول القمرين إلى شظايا كبيرة وصغيرة تعد بالآلاف.

علماء وكالة «ناسا»، على الطريقة الأميركية يخططون لإنتاج مدفع ليزر قوي يمكن أن يستخدم لإسقاط قطع الخردة الدائرة حول الأرض، لكن السويسريين، المسالمين مثل جبنتهم، اخترعوا قمرا صناعية يعمل مثل شقائق النعمان البحرية، يبتلع قطع الخردة ويعود بها إلى جو الأرض. وقال العلماء السويسريون، في استعراضهم للبرنامج في لوزان، إنهم يحتاجون إلى 3 - 5 سنوات للبدء في أولى رحلات تنظيف فضاء الأرض» من القمامة.

وحاوية النفايات الفضائية السويسرية عبارة عن قمر صناعي مصغر يحمل اسم «كلين سبيس وان» (Clean Space One)، ومهمته تنظيف أجواء الأرض من الخردة الفضائية. وهو برنامج أعده علماء وكالة الفضاء السويسرية بالتعاون مع معهد التقنيات المتعددة في لوزان.

وقال فولكر غاس، رئيس وكالة الفضاء السويسرية، إن «لدينا هدفا واضحا وهو تنظيف الفضاء من النفايات التي تخنق جو الأرض». وأشار إلى أن الوكالة ستبدأ بتنظيف الفضاء من النفايات السويسرية، وبالذات من أول قمرين صناعيين أطلقتهما الجامعات السويسرية عامي 2009 و2010 لأغراض تدريب الطلبة. وهما القمران الصناعيان «كيون 1» و« تي سات1»، اللذان انتهت صلاحيتهما. والقمران المذكوران مكعبان، طول ضلع كل منهما 10 سم، ويطيران في مدار يرتفع 600 - 700 كم فوق الأرض.

القمر الصناعي المكعب «كلين سبيس 1» لا يزيد حجمه كثيرا عن حجم القمرين الدراسيين السابقين، إلا أنه سريع، ويلاحق قطع النفايات في الفضاء بسرعة 28 ألف كم في الساعة. ويعمل مثل شقائق النعمان البحرية، فيفتح أذرعه في الوقت المناسب ليلتقط أو يرتبط بقطعة النفاية، ثم يعود معها إلى جو الأرض. ويتولى جو الأرض حرق الاثنين بفعل الاحتكاك من دون أن يتسببا في ضرر للأرض.

النموذج الأول من حاوية التنظيف الفضائية من حجم 30×10×10 سم، ويمكن لصاروخ أوروبي صغير من طراز «فيغا» أن يحمله إلى مداره حول الأرض. كما يمكن الاستعانة بصاروخ هندي صغير، حسب غاس، لإطلاقه في الفضاء، وهذا يعني أنه قليل التكلفة. وأضاف غاس، في المؤتمر الصحافي، أن سويسرا تريد أن تكون طليعية في مجال تنظيف الفضاء. ولا يكلف مشروع «كلين سبيس» أكثر من 10 ملايين فرنك سويسري (8.3 مليون يورو)، لكنه قادر على تنظيف الفضاء خلال سنوات وبكلفة منخفضة.

جدير بالذكر أن العلماء الألمان في وكالة الفضاء الألمانية يعملون منذ سنوات على مشروع مماثل، لكن هذا المشروع لم ينجح، كما نجح السويسريون، في تحديد زمن بداية العمل. وأطلق الألمان على المشروع اسم «ديوس»، وهو قمر صناعي يفترض أن ينجح في ابتلاع عدة قطع من النفايات الدائرة في الفضاء وإعادتها إلى الأرض.

فريق من علماء وكالة الفضاء الأميركية، بقيادة جيمس ميسون، من مركز الأبحاث في الوكالة، يعمل على مشروع مدفع ليزر لإسقاط الأقمار الصناعية الخردة وقطع النفايات الكبيرة. ويطلق المدفع أشعة الليزر بقوة 5 كيلوواط وبطول 1.5 متر، ثم يجري توجيهها وتقويتها بواسطة عدسات وتليسكوب خاص، إلى الأجسام الطائرة.

ويفترض أن تعمل أشعة الليزر على تخفيف سرعة النفايات الطائرة بما يضمن انخفاضها من المسار التي تطير فيه إلى مسار آخر، وبحيث تصل، من هناك، إلى مدار قريب من الأرض، ثم اقتراب الجسم الطائر بعد ذلك من جو الأرض واحتراقه فيه. كما يفترض أن تستخدم أشعة ليزر في نقل النفايات الفضائية من مداراتها الحالية إلى مدارات بعيدة عن مسارات رحلات الفضاء، وبالتالي تقليل احتمال ارتطامها بأجسام أخرى، وتصفية الجو أمام الرحلات الفضائية.

إلا أن قدرة المدفع لهذا القمر محدودة، لأن استخدامه يتطلب تركيز الأشعة 103 دقائق في اليوم على الجسم بهدف تغيير مساره. وهذا يعني أن أقصى إمكانية له هي تغيير مسارات 10 قطع نفايات في اليوم. كما أن المدفع يعجز عن التركيز على عدة أجسام مرة واحدة، وهذا يعني مجددا أن قدراته محدودة.

فريق العمل يعول على المدفع في إسقاط القطع التي يزيد حجمها على 10 سم، ويحسب أن المدفع، رغم بطء عمله، يمكن أن يحطم من النفايات الموجودة في الفضاء، أكثر مما يتكون من نفايات جديدة. وهذا يعني، بمرور الزمن، تقليل عدد النفايات الدائرة حول كوكب الأرض تدريجيا.

أشاع الأميركي دونالد كيسلر، العامل في وكالة الفضاء الأميركية، الكثير من القلق حينما قدم لإدارته قبل 20 سنة «سيناريو» يقول إن برامج الفضاء الأميركية ستتوقف مستقبلا بسبب تراكم النفايات حول الأرض، وتنبأ بتعذر طيران الرحلات الفضائية من دون خسائر بشرية كبيرة. تعامل الجميع مع توقعات كيسلر كفيلم كوارث هوليوودي متشائم، لكن عدد النفايات الفضائية تضاعف 4 مرات منذ أن كتب السيناريو الخاص به. وربما حان الوقت لعالم اكتشاف الفضاء أن يسترد أنفاسه بفضل حاوية نفايات الفضاء السويسرية المصغرة «كلين سبيس وان».