المعالج النفسي بين يديك.. في أي وقت وأي مكان

تجارب على تطبيقات لعلاج المشكلات النفسية عبر الهواتف الذكية

TT

تتحدى فكرة العلاج النفسي الثقافة الرقمية الرائجة التي تتمثل في التواصل الفوري والدردشة المرئية.

لن يدوم الأمر طويلا، إذ إن العلماء لهم طرق خاصة بهم، حيث اختبر الباحثون في السنوات القليلة الماضية برامج شبيهة بألعاب الفيديو تهدف إلى علاج الأمراض الشائعة مثل التوتر والاكتئاب. وكانت النتائج الأخيرة مشجعة إلى درجة جعلت الباحثين يقدمون تلك البرامج على الهواتف الذكية، بحيث يصبح العلاج النفسي ممكنا في أي وقت وأي مكان، في صفوف الانتظار، أو في الحافلة، أو قبل إلقاء كلمة في العمل.

يثير وجود ألعاب إلكترونية للعلاج النفسي على نفس نمط لعبة «آنغري بيردز» و«فروت نينجا» قلقا أكثر مما يبشر بأمل. ويقول دكتور أندرو غربر، أستاذ الطب النفسي في جامعة كولومبيا: «لقد خلقنا بشرا لكي نستكشف مكاننا في العالم ولبناء حوار فعال في إطار العلاقات الإنسانية مما يضفي معنى على حياتنا، وقد أكون حذرا تجاه تلك الأساليب في العلاج التي لا تتيح الحوار».

وتعد التصميمات الجيدة للبرامج إحدى الميزات التي تمكنها من الوصول إلى ملايين الأشخاص الذين يعانون نقصا في الوسائل أو لا يهتمون بجلسات العلاج التقليدية، ويحتاجون لما هو أكثر من وسائل العلاج المستخدمة الآن كالإيمان بالروحانيات أو الأفكار الباعثة على الراحة والهدوء أو زيادة ثقتهم بأنفسهم.

ويوضح ريتشارد ماكنللي، أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد، الذي أكمل مختبره مؤخرا دراسة شملت 338 شخصا مستخدما برنامجا سهل الاستخدام على هواتفهم الذكية، أن «هذا ما يجعل الفكرة واعدة، لكن ما زالت هناك تساؤلات بشأن كيفية عمل البرنامج ومدى تأثيره في الواقع».

إن دراسة الهواتف الذكية هي من أحدث التجارب على منهج يدعى «تغيير التحيز الفكري» أو «سي بي إم»، يهدف إلى تغيير العادات السيئة التي يتحكم بها العقل. تبدو المقدمة المنطقية واضحة، التي كان أول من عرضها هو كولين ماكلويد من جامعة ويسترن أستراليا، وتشمل الأشخاص الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي، ونوع من أنواع الخجل المفرط التي تتركهم في حالة هلع غير قادرين على التنفس. وأشارت الدراسات إلى وجود الكثير من المصابين بالرهاب الاجتماعي يقومون لا شعوريا بتركيز نظرهم على الأشخاص الذين تحمل وجوههم تعبيرات عدوانية وسط حشد من الناس تحمل وجوههم تعبيرات مريحة، كأنهم يرون فقط التفاح الفاسد بين مجموعة التفاح الجيد.

وتفترض الدراسات المعملية أن تغيير هذا التحيز - الحد منه في الواقع - قد يؤدي إلى وقف فيض الأفكار والمشاعر التي تعقب الشعور بالرهاب، في واحدة من أكثر التجارب شيوعا. فعلى سبيل المثال، يرى المصابون بالرهاب الاجتماعي صورا لوجهين على الشاشة، أحدهما يحمل تعبيرا محايدا والآخر معاديا يتم وضع الصورتين رأسيا، ثم يلي اختفاءهما ظهور حرف في الجزء العلوي أو السفلي للشاشة، ثم يطلب منهم الضغط على زر لتمييز الحرف، لكن هذا الكلام لا معنى له؛ فالهدف من التجربة هو صرف النظر عن الجزء الذي يظهر فيه الوجه ذو الطابع العدواني وبرمجة العقل على تجاهل التفاح الفاسد. هذا كل ما هنالك، يقول الباحثون إنه مع الممارسة المتكررة تتمرن العين تلقائيا على تحاشي النظر، أو تتمرن الأجزاء الأمامية من المخ على التحكم في النظر إلى أعلى وأسفل. وقال ستيفاتي بلوك، الذي يبلغ من العمر 26 عاما، أحد خريجي جامعة ميتشيغان ومشارك في دراسة هارفارد أثناء إقامته في بوسطن: «إنها مملة قليلا نتيجة للتكرار المستمر، ولكنك تقوم بها لمدة دقائق معدودة، مرات قليلة في اليوم، لقد قمت بالتجربة بمحطة الأنفاق في طريقي إلى العمل، لقد كانت مزدحمة ولا يوجد الكثير لفعله، فكان ذلك الوقت المناسب».

وقد حصل بعض الباحثين على نتائج قوية من التجارب المعملية حتى إن نادر أمير، أستاذ علم النفس في جامعة سان دييغو، قال: «يتشابه التأثير نتيجة العلاج النفسي التقليدي»، كما وجد دكتور أمير، من خلال سلسلة من التجارب، أن هناك تحسنا تقريبا في حالات نصف هؤلاء الأشخاص الذين أتموا علاجهم بالكامل - من مصابي الرهاب الاجتماعي الذين يمارسون العلاج على الكومبيوتر لـ30 دقيقة مرتين أسبوعيا لمدة 4 أو 6 أسابيع - بحيث عولجوا تماما. وقام نادر باختبار البرامج التي تستهدف علاج الرهاب الاجتماعي والاضطرابات النفسية العامة، وهو شريك في شركة تعمل في مجال تسويق التكنولوجيا.

وأوضحت دراسة، نشرت في ديسمبر (كانون الأول)، أجريت على 40 طفلا يعانون اضطرابا مزمنا، أن برامج مماثلة قد أدت إلى انخفاض واضح في أعراض الاضطراب وحدتها وذلك طبقا لمؤلفي الدراسة الذين كان بينهم دكتور دانيال من المعهد الوطني للصحة العقلية، والأستاذ يار بير حاييم من جامعة تل أبيب.

وقد حاول العلماء في أوروبا استخدام برنامج تغيير الانحياز لاستهداف الذين يعانون من إدمان الكحول - برنامج يقصي فيه المستخدم صور المشروبات الكحولية عن طريق عصا للتحكم وتكبير صور المشروبات غير الكحولية - ووجدوا أنه ساعد على زيادة تأثير العلاج بالمحادثة الذي يستهدف التقليل من عادة تناول الكحوليات بينما لم يوفق باحثون آخرون. ويقول ويليام فان دير، أستاذ علم النفس في جامعة ليدن بهولندا: «لا أعتقد أن ذلك حقيقي بالمرة».

ومن الجدير بالذكر أنه صاحب الكثير من الأبحاث في اختبار صحة منهج تغيير التحيز. من جانب آخر قالت امرأة تعاني الرهاب الاجتماعي شاركت في دراسة هارفارد في رسالة عبر البريد الإلكتروني: «لم ألاحظ أن له أي نتائج إيجابية، لقد شعرت أنني ألعب لعبة سكرامبل أو أي لعبة أخرى على هاتفي».

وانتهى الباحثون في جامعة بنسلفانيا الأميركية في العام الماضي أثناء استعراضهم دراسات تغيير التحيز الفكري إلى أن هذه الطريقة لها تأثير ضئيل، حيث «غيرت الاضطراب بشكل ملحوظ وليس الاكتئاب». كما لاحظ مؤلفو الدراسة وجود دليل على ما يطلق عليه العلماء مشكلة «درج الملفات» - التي طبقا لها يتم وضع الدراسات التي لم يكن لها أي تأثير واضح بعيدا أو تجاهلها - قال دكتور فان دير في رسالة عبر البريد إلكتروني: «أعتقد أنه بذلك أصبحت معايير نشر دراسات إيجابية أقل بكثير من معايير نشر الدراسات السلبية».

من المناسب القول إن أكثر الدراسات توسعا - التي قام بها فيل إينوك، أحد خريجي جامعة هارفارد، وستيفان هوفمان، من جامعة بوسطن؛ بالاشتراك مع دكتور ماكنللي، أظهرت نتائج مشجعة ومحيرة في الوقت نفسه، فقد بدأ الفريق في جمع المشاركين في صيف 2010، بالاستعانة بـ«كريجسليست» والنشرات الإخبارية على الإنترنت الخاصة بمرضى الرهاب الاجتماعي. وذاع صيت المشروع في مارس (آذار) 2011 بعد أن تم ذكره في مقال بجريدة «إيكونوميست». وبعد عدة أشهر حصل الباحثون على نتائج وذلك بعد أن أتم 338 مشاركا تتراوح أعراض إصابتهم بالاضطراب ما بين معتدل وشديد 4000 جلسة من استخدام برنامج العلاج ذي الوجهين. ولاحظ الباحثون تحسن المشاركين من حيث أوضح استبيان لقياس مدى الاضطراب انخفاض بنسبة 22 نقطة مقارنة بنسبة انخفاض في مستوى الاضطراب تصل إلى 8 نقاط فقط لهؤلاء الذين تم وضعهم في «قائمة الانتظار» من الذين لا يملكون برنامج الألعاب على الكومبيوتر. وعلى الرغم من ذلك فقد تم خداع عينة من الأشخاص عن طريق عرض فيديو لوجهين لم يكن المطلوب منها صرف أنظارهم عن صورة معينة في ما يسمى بالعلاج الوهمي أو تجارب الإيحاء. وقد انخفض مستوى الاضطراب الذي تم قياسه بالاستبيان 22 نقطة مثلهم مثل العينة التي تلقت علاجا حقيقيا.

سجلت كارين لانجر (34 عاما)، المؤرخة المعمارية في شيكاغو، مجموع درجات مرتفع في بعض القياسات للاضطراب الاجتماعي التي كانت ضمن هؤلاء الذين ظهر عليهم تحسن بعد استخدام البرنامج. وتعمل لانجر من المنزل، حيث تتفاعل مع الناس عادة عن طريق البريد الإلكتروني، وقد وجدت نفسها في حالة توتر في ما يخص التعامل هاتفيا مع زملائها. وقالت: «لاحظت فارقا بعد استخدامي البرنامج، ولكن ذلك قد يكون ناتجا عن الإيحاء. لقد شعرت بأني أفضل حالا، وأنني أحاول إيجاد حل لمشكلتي، وقد حدثت أشياء كثيرة بعيدا عن تلك الدراسة، وقد تكون أحدثت أثرا».

من الغريب أن يسجل أشخاص قد علموا بأمر الدراسة من خلال المقال الذي تم نشره في صحيفة «إيكونوميست» نتائج جيدة - سواء حصلوا على العلاج أو العلاج الوهمي - كما لو كان المقال ذا تأثير إيحائي.

قال إينوك: «لسنا متحمسين بشأن تلك النتائج ولا نعرف ماذا تعني». وأضاف: «ما زال هناك الكثير من العمل من أجل معرفة من يتجاوب على نحو أفضل مع تجربة تغيير الانحياز الفكري، وما مدى قوة تأثير هذا المنهج، لكننا بالتأكيد قد أثبتنا أنه يمكن تقديم العلاج على الهواتف الذكية، فأصبح بإمكانك الآن أن تحصل على وسائل لتغيير التحيز والتحكم في الانتباه بين يديك حرفيا، ولا يوجد ما يمنعك من تجربتها».

* خدمة «نيويورك تايمز»