معرض لوسيان فرويد يجمع في لندن أعماله منذ الأربعينات وحتى وفاته عام 2011

صور الطريقة التي ينعكس بها الضوء على الأجسام.. وبعض لوحاته لأفراد عائلته

بعض أفراد عائلة فرويد
TT

يقام حاليا بصالة «ناشيونال بورتريت غاليري» في مدينة لندن المعرض الأكثر شمولا لأعمال الفنان البريطاني لوسيان فرويد. ويحتوي هذا المعرض على أكثر من 130 عملا فنيا، تمت استعارتها من عدة متاحف ومن المجموعات الخاصة لبعض الأشخاص، والموجودة في نيويورك وشيكاغو ومدريد، وغيرها من المدن. وقد جمع المعرض تحت سقف واحد بين مجموعة من البورتريهات التي يمتد تاريخها على مدار أكثر من 70 عاما، مما جعل من هذا المعرض واحدا من أكثر المعارض التي كان ينتظر إقامتها في هذا العام.

وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها عرض العمل الفني الأخير للرسام (حيث يشتمل المعرض على أعماله الفنية منذ بداية فترة الأربعينات وحتى وفاته يوم 20 يوليو/ تموز من عام 2011)، وهو عبارة عن بورتريه غير مكتمل يصور مساعده وكلبه، ويحمل عنوان «بورتريه كلب الصيد» 2011. وقد أكدت ساندي نارين، مديرة صالة «ناشيونال بورتريت غاليري» على أن «المعرض كان يتم الإعداد له منذ عام 2006، حيث كان لوسيان فرويد قد أحب فكرة إقامة معرض في لندن للوحاته الفنية التي يمتد تاريخها على مدار عدة عقود، في العام الذي ستعقد فيه دورة الألعاب الأولمبية. وكان التخطيط لهذا المعرض قد تم بالتعاون معه، ولذا فإن هذا المعرض يعد معرضا أقامه الفنان بنفسه، وليس معرضا مقاما في ذكراه».

وقد تمت إقامة المعرض في الطابق الأرضي من صالة «ناشيونال بورتريت غاليري»، حيث يتنقل المشاهدون عبر متاهة من المحطات المهمة في حياة فرويد، سواء الشخصية أو الفنية. وتتضمن الغرفة الأولى أعمال الفنان الفنية المبكرة، التي تم ترتيبها حسب التسلسل الزمني، والتي تتميز بكونها مسطحة بشكل أكبر بكثير وملونة بشكل أكثر جرأة، من أعماله اللاحقة. وهناك عدد من البورتريهات، من بين هذه اللوحات، لزوجته الأولى، كيتي غارمون، مثل بورتريه «فتاة في سترة داكنة»، الذي رسم في عام 1947. ويوضح مايكل أوبنغ، رئيس أمناء متحف «مودرن آرت» في مدينة فورت وورث، قائلا «لقد تم رسم البورتريهات المبكرة لزوجته الأولى، كيتي، خلال الفترة التي كان لوسيان يتعلم فيها الرسم. وقد قال لي لوسيان: (لقد كنت عدوانيا جدا في تلك الأيام، وكنت أمعن النظر في كل تفاصيل الوجه). وكانت طريقته في الرسم في ذلك الوقت تقوم على الانتقال من رسم أحد الأجزاء إلى جزء آخر، أثناء جلوسه لاصقا ركبتيه في ركبتي الشخص الذي يقوم برسمه. وقد تم رسم هذه اللوحات المبكرة باستخدام فرشاة دقيقة، ناعمة جدا، يبلغ حجمها نصف حجم الخنصر، لكي يتمكن من رسم كل تفصيلة في الوجه، وهذا هو السبب في أن العيون والشفاه في تلك اللوحات مرسومة بشكل مفصل جدا، بحيث تبدو وكأنها ستقفز إلى خارج اللوحة».

ويتضح حجم التطور الذي حدث في أسلوب فرويد عند الانتقال إلى الغرفة التالية، حيث توضح سارة هاوغيت، أمينة قسم البورتريهات المعاصرة بصالة «ناشيونال بورتريت غاليري»، وأمينة معرض «بورتريهات لوسيان فرويد»، قائلة «إن الانتقال من استخدام الفرش البالغة النعومة إلى الفرش الأكثر خشونة، وانتقاله من وضع الجلوس أثناء الرسم إلى وضع الوقوف، هو أمر يبدو واضحا جدا في اللوحات. وضربات الفرشاة أكثر قوة بكثير وأكثر جراءة».

وهناك شخصيتان تظهران بشكل متكرر في لوحات متناثرة في أرجاء المعرض، وهما شخصية فرويد نفسه، في سلسلة من البورتريهات الذاتية الشبه مخبأة والتي تصور إحساسه بالخصوصية؛ ووالدته.

ويوضح مايكل أوبنغ ذلك قائلا «هناك عدد قليل جدا من الفنانين المعاصرين الذين أعرفهم، يقومون برسم صور أمهاتهم، لأنه ببساطة أمر عاطفي للغاية». وقد كتبت سارة هاوغيت في المقال الافتتاحي لكتالوغات المعرض، عن العلاقة بين فرويد ووالدته، مشيرة إلى أنه وجدها متعجرفة بعض الشيء، وبالتالي كان يتجنبها أغلب الوقت. ولم يجدها فرويد تصلح كـ«نموذج مثالي» إلا عندما أصبحت غير مبالية إلى حد ما. وقد نقلت هاوغيت، في مقالها، عن فرويد قوله «لقد وجدت فيها نموذجا جيدا، نظرا لأنها كانت غير مهتمة بي. لكن هذا لا يمنع من أنني قمت برسمها لأبهجها، ولأعطيها شيئا تقوم به. وكنت أرسمها دائما في الصباح، واستمررنا على هذا الحال لمدة ثماني أو تسع سنوات قبل وفاتها».

ومن بين الأعمال الفنية البارزة في المعرض، لوحة «بعد واتو»، والتي تعد أكبر لوحة رسمها فرويد. وتوضح سارة هاوغيت أن هذه اللوحة هي «واحدة من أكثر اللوحات تعقيدا التي رسمها لوسيان. وهى تتضمن خمس شخصيات، وقد تم رسمها في مرسمه الجديد في حي هولاند بارك، الذي انتقل إليه في الثمانينات، حيث قام بتركيب كوة في السقف، واستغل الضوء القادم منها. وقد برع لوسيان فرويد بشكل جميل طوال حياته المهنية في تصوير الطريقة التي ينعكس بها الضوء في إنجلترا على أجسام البشر العارية».

كما يعد بورتريه العميد أندرو باركر بولز إحدى القطع الفنية الفريدة من نوعها أيضا، حيث يرتدي العميد بولز في هذه اللوحة كل أوسمته العسكرية، وبذلته العسكرية المنشاة والقاتمة اللون. ويركز فرويد في هذه اللوحة على أقمشة الملابس وشكل الجسم من تحتها، بدلا من تركيزه على لون البشرة الذي اشتهر بتصويره.

وعلى الرغم من أن فرويد يشار إليه على أنه رسام واقعي، فإن أسلوبه يوصف من قبل الناقد الفني، أدريان سيرل، بأنه غير تعبيري وغير واقعي، وذلك «على الرغم من وجود قدر كبير من الواقعية والتعبيرية في فنه».

كما يعمل ديفيد داوسون، مساعد فرويد، والذي كان أيضا موضوعا للكثير من لوحاته كمصور. وهناك عدد من الصور التي التقطها، والتي توثق تاريخ فرويد أثناء عمله في مرسمه مع الأشخاص الذين كانوا موضوعات للوحاته، ومع اللوحات التي كان ما زال يقوم برسمها، معروضة أيضا كجزء من المعرض. وتوضح هذه الصور، التي يظهر فرويد في إحداها واقفا بجوار العميد، وفي واحدة أخرى واقفا بجوار ملكة إنجلترا، كيف تطمس الغرابة بين التعبير الواقعي لأعمال فرويد وواقعية التصوير الفوتوغرافي.

وقد قدم المعرض، الذي يعرض الأعمال الفنية للفنان على مدار 70 عاما، سيرة حياته بشكل فريد من خلال الناس الذين عرفهم، ورسمهم، والذين كانت له، في بعض الحالات، علاقات معقدة بهم، سواء على المستوى الشخصي أو الفني.

وقد أجابت سارة هاوغيت، عندما سئلت عن آخر مرة رأته فيها، قائلة «ذهبت لمقابلته في مطعم كلارك، في منطقة كينسينغتون، وعرضت عليه خطط المعرض». وقد نظر إليها وقال «يبدو أنه سيكون معرضا عظيم، وأنا حقا يجب أن آتي لكي أراه».

يستمر معرض «بورتريهات لوسيان فرويد» المقام في لندن حتى 27 مايو (أيار) 2012. وسينتقل المعرض بعد ذلك إلى متحف الفن الحديث في مدينة فورت وورث، بولاية تكساس.

* الصور من المجموعة الخاصة لأرشيف لوسيان فرويد