العصر الذهبي للفن العثماني يتألق في مزاد لندني

«نظرة مترفة.. فنون الإمبراطورية العثمانية» يقام خلال أسبوع الفن الإسلامي والتركي بدار «سوذبيز»

TT

ضمن مزاد متميز تحت عنوان «نظرة مترفة.. فنون الإمبراطورية العثمانية»، تقدم دار «سوذبيز»، في لندن، مجموعة متميزة من الأعمال التي تعود إلى الفترة الواقعة من القرن الـ15 إلى القرن الـ19 يعكس كيف استوعبت الإمبراطورية العثمانية، الواقعة على مفترق طرق بين الشرق والغرب، التأثيرات المختلفة لنتاج الشعوب كالحضارة الصينية والأوروبية والفارسية لإنتاج لغة فنية متماسكة ومميزة عبر مجموعة من الأعمال الفنية.

المزاد يُقام ضمن أسبوع الفن الإسلامي الذي تقيمه الدار في الأسبوع الأخير من شهر أبريل (نيسان)، ويضم مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية والقطع النادرة التي تتوزع على 4 مزادات، منها: مزاد الفن الإسلامي ومزاد الفن المعاصر ومزاد الفن العثماني.

في إطار تعليقه على بعض القطع المهمة التي سيضمها مزاد «نظرة مترفة.. فنون الإمبراطورية العثمانية»، قال إدوارد جيب، المدير العام لقسم الشرق الأوسط في «سوذبيز»: «الأسبوع سيحمل التيمة الإسلامية والتركية، ويتضمن أيضا بيع لوحات لمستشرقين ومزاد للفن التركي المعاصر، المزادات الأربعة تغطي مساحة كبيرة في الفن الإسلامي وتخص تركيا ببعض التركيز».

وحسب ما ذكر جيب، فإن معروضات مزاد الفن العثماني تتميز بأنها كلها تعود لمالك واحد. وأضاف: «الشيء المدهش في هذه المجموعة هو أنها تعكس ذوقا واحدا لشخص ما؛ فالمالك شخص شغوف بالفن العثماني، وتلك القطع كانت حوله في منزله، فهو لم يحتفظ بها في مخزن، بل اختار أن تكون جزءا من واقعه اليومي. وأتوقع أن تلقى قبولا على عدد من المستويات؛ فبعض القطع فيها تمتاز بجودة وطبيعة تؤهلانها لأن تكون في صالات المتاحف؛ فهي قطع نادرة».

من القطع التي يضمها المزاد وعاء من الفخار يعود إلى القرن الـ16، وحسب ما يذكر جيب فإن تصميم الوعاء يشير إلى أنه صُنع في مدينة إزنيك، ويضيف: «الوعاء يعود إلى ما نطلق عليه (مجموعة القرن الذهبي)، وهي مجموعة من الفخاريات عُثر عليها في منطقة القرن الذهبي، وتتشارك في سمات فنية معينة. تلك السمات تبرز في الوعاء أمامنا؛ فالنقوشات التصاعدية في منتصفه تدل على ذلك، كما أنه صُنع في الأفران التابعة للقصر الملكي في إزنيك، وعموما فالقطع المصنوعة هناك نادرة الوجود ويزداد عليها الطلب بين تجار الفنون». ويشير جيب إلى أن شكل الوعاء أيضا يميزه عن غيره؛ فهو صنع على شاكلة الآنية المعدنية على نمط شاع في شرق آسيا ويبدو أن الحرفيين في تركيا قد تبنوا هذا النموذج وصنعوه باستخدام الفخار. ونظرا لندرة الوعاء فإن سعره التقديري يبدو مناسبا؛ إذ قدرت له الدار مبلغا يتراوح بين 250 ألفا و350 ألف جنيه إسترليني.

المجموعة تعكس مميزات العصر الذهبي للفن العثماني، وتعكس أيضا التأثيرات المتبادلة مع الغرب، التي ظهرت بشكل شائق على الرسومات واللوحات المعروضة، وهو ما يؤكده جيب قائلا: «الإمبراطورية العثمانية امتدت على مساحات شاسعة، وكانت جسرا بين الشرق والغرب، سواء من الناحية العسكرية أو الناحية التجارية، وتلك التعددية ظاهرة بشكل كبير في فنون الفترة الذهبية للفن العثماني». كمثال لذلك التأثير يشير جيب إلى زوج من «قباقيب الحمام» معروض للبيع: «القبقاب مزخرف بشكل جميل، نعله منقوشة من العاج، بينما تزين كعبه زهور بديعة ويبدو أنه صُنع لواحدة من نساء السلطان، فهو يعد بالنسبة للناظر بمثابة نافذة على عالم الحريم السلطاني، وأيضا على الحمامات التركية» على حد تعبير جيب. القبقاب أيضا يقدم نموذجا لتأثر الفنان العثماني بالفن الغربي؛ فالنقوش على القبقاب تعود إلى تقليد «الروكوكو» الأوروبي، وهو كان رائجا في تركيا في القرن الـ18. وبحلول القرن الـ19 ساد الذوق الأوروبي وحل محل الموتيفات التراثية في الفن العثماني، وهو ما ظهر حتى في القصور الملكية التي تخلت عن المفروشات التقليدية واتجهت إلى الأثاث الأوروبي وحتى رجال البلاط أصبحوا يرتدون الملابس الغربية بدلا من الملابس التقليدية.

لكن ذلك الجانب من المعادلة يقابله ظهور تأثيرات عثمانية في مدن غربية ربطتها علاقات تجارية وثيقة مع الإمبراطورية العثمانية.

المزاد يضم أيضا مجموعة من المنسوجات تتنوع بين القطيفة والحرير، كلها صنعت في مدينة بورصة التركية؛ حيث كانت تصنع المنسوجات لاستخدامها في الداخل في القصور ومنازل الأغنياء، لكنها أيضا كانت تصدر إلى الخارج بشكل كبير، خاصة في القرنين الـ16 والـ17 إلى مدن إيطالية مثل البندقية وجنوة. وهنا يشير جيب إلى أن تأثير المنسوجات العثمانية على الصناع الأوروبيين يمكن رؤيته الآن في الكنائس القديمة في البندقية: «هناك توجد الكثير من القطع التي نعرف أنها صنعت في البندقية، لكنها تحمل التأثير العثماني».

ومن القطع البارزة في المزاد صندوق لشخص كان يمتهن حرفة الخط (تركيا، النصف الثاني من القرن الـ16)، بقيمة تقديرية تتراوح بين 40.000 و60.000 جنيه إسترليني؛ حيث يتميز بتصميم رائع وجودة لا تضاهى؛ فهو مزين بالصدف والعاج وبداخله محبرة مطعمة بالجواهر والياقوت، كما توجد بداخله قطعة ضخمة من الزمرد يبدو أنها كانت تُستخدم لصقل المخطوطات.

وكمثال آخر على التمازج بين الشرقي والغربي يضم المزاد مجموعة من اللوحات نُفذت في أوروبا لأشخاص عثمانيين، منها: صورة جانبية للسلطان مراد الأول (حكم من العام 1359 - 1389م) بطريقة المدرسة الإيطالية الشمالية، اللوحة رُسمت في القرن الـ17 وتبدو استعادية لشخصية السلطان الذي حكم في القرن الـ14.

كما يتضمن المزاد ألبومي صور يحتويان على لوحات ورسومات بالألوان المائية للفنان المالطي أماديوس بريزيوسي، الأول ألبوم رحلات يشتمل على 48 صورة زخرفية لرحلاته في أوروبا، بدءا من لندن وانتهاء بالقسطنطينية، بقيمة تقديرية تتراوح بين 120.000 و180.000 جنيه إسترليني، في حين يحتوي الألبوم الثاني على 35 صورة مثيرة بحجم طبيعي تتضمن شخصيات من جنسيات تركية وعربية وإغريقية، يرتدون ثيابا تقليدية غنية بالألوان، إضافة إلى جنود وكاتب وشخصيات من عامة الناس، بقيمة تقديرية تتراوح بين 50.000 و70.000 جنيه إسترليني.

كما يشتمل المزاد على قطعة نادرة من ورق بردي ملفوف من القرن الـ16، تم رسمها بطريقة التمبرا؛ حيث تصور مشهدا لعدد من الجنود والرماة يقومون بحراسة موكب السلطان مراد الثالث، بقيمة تقديرية تتراوح بين 40.000 و60.000 جنيه إسترليني، ولوحتين للفنان جان باتيست فان مور، الأولى لامرأة تركية مع طفلها (تتراوح القيمة التقديرية لها بين 30.000 و50.000 جنيه إسترليني)، والثانية لامرأة نبيلة تحتسي فنجانا من القهوة (القيمة التقديرية لها تتراوح بين 15.000 و20.000 جنيه إسترليني). ومن المتوقع أن تتخطى مبيعات هذه المجموعة الرائعة، البالغ عددها 254 قطعة، حاجز 3.5 مليون جنيه إسترليني.

وتظهر في المزاد مجموعة مختارة من رسومات المستشرقين، غنية بالتأثيرات الفنية، والتفاصيل تعود إلى الفترة بين القرنين الـ16 والـ19، وتتضمن مناظر طبوغرافية لمدينة إسطنبول، ومناظر طبيعية وصورا لشخصيات بارزة في الدولة العثمانية.