الأيام الأولى من أسبوع باريس.. لقاء الفانتازيا بالإبداع

دراما.. أحداث ساخنة.. تعيينات جديدة

TT

أن تعرض في أول يوم أو يومين من أي أسبوع موضة عالمي فهذا يعني أنك إما واثق من نفسك ومن قدرتك على جذب ما يكفي من وسائل الإعلام والمشترين، أو أنك مبتدئ وليست لك سلطة أن تفرض التوقيت والتاريخ الذي تريده. والسبب، كما يعرف الجميع، أن المنافسة قوية بين أسابيع الموضة العالمية، إلى حد أنها تتعمد أن يعرض أكثر من مصمم مهم في آخر أيامها حتى يضطر صناع الموضة والمؤثرون عليها، من المشترين ووسائل الإعلام، على البقاء فيها إلى النهاية. وطبعا هذا يؤثر على بداية الأسبوع الذي يلي هذا الأسبوع. لكن رغم ذلك فإن أسبوع باريس لخريف وشتاء 2013/2012 لم يفتقد الكثير من بهارات الإبهار والجذب بخلطة مبدعين شباب، مثل البريطاني غاريث بيو والبرتغالية فاتيما لوبيز، وماركة «ديفاستيه» بمبدعين من عيار دريز فان نوتن و«روشاس» و«آزارو» وغيرهم ممن ينجحون دائما في أن يستقطبوا حضورا مهما، رغم أنهم لا يخاطبون كل الأذواق بالضرورة.

في الخيمة المنصوبة تحت جسر ألكسندر الثالث، مثلا، قدم الثنائي الفرنسي «ديفاستيه» تشكيلة غيرت المزاج الذي كان غالبا على الحضور قبل دخول القاعة. فبعد أن كان الكل يتغزلون في الجو الربيعي الذي ساد باريس هذه الأيام، ويتفاءلون بعرض يعكس ابتسام الشمس المفاجئ، صدموا بحالة من الكآبة غلبت على أجواء العرض، بدءا من الألوان، التي تميزت بالأسود والأبيض إلى الماكياج القوطي والغريب، عدا عن أنه كان من الواضح أن العارضات تلقين تعليمات بألا يبتسمن على الإطلاق. وكأن هذا لا يكفي ليرسل قشعريرة باردة في الأوصال، فإن بعض النقوشات جسدت أشكال جماجم ضخمة على قمصان. ومما يشفع للمصممين فرانسوا آلاري وأورفيلي كلير قدرتهما على تفصيل أشكال هندسية ومبتكرة تخاطب شريحة معينة من الشباب، خصوصا أن بعض القطع كانت أنيقة فيما لو تم تفكيكها واستعمالها على حدة.

لحسن الحظ انقشعت غمامة الكآبة والألوان القاتمة في عرض الكورية مون يونغ هي، الذي أقيم في فندق «شانغريلا» بالقرب من برج إيفل، وحلت محلها ألوان مثل البنفسجي، رغم عدم اختفاء الأسود والرمادي تماما. وفي ما يتعلق بالتصاميم، فقد تميزت بالأحجام الكبيرة، سواء في الفساتين أو المعاطف، فيما غلب إحساس بالدفء على العرض ككل، بفضل نوعية الأقمشة الدافئة التي استعملتها بسخاء.

عرض البرتغالية فاتيما لوبيز أيضا لم يخيب الآمال، فكونها أقامته في المتحف الحربي بإينفاليد الذي يحتضن أنواعا شتى من البنادق والمدافع جعل البعض يتوقع أن تكون المصممة استوحت تصاميمها من أجواء الحرب، وبالتالي ستكون هناك الكثير من القطع ذات الإيحاءات العسكرية، ولو من حيث الأزرار الذهبية الكبيرة. لكن المفاجأة أنها قالت بالبنط العريض إن سلاح المرأة الأقوى والوحيد هو مفاتنها الجسدية، الأمر الذي ترجمته من خلال أزياء شفافة ومثيرة، تخللت بعضها الكثير من الفتحات الجانبية والـ«ديكولتيه» الذي يكشف مفاتن الصدر والذي تناغم مع أكمام منفوخة من الفرو وتنورات ضيقة وقصيرة جدا.

هنا أيضا تنوعت الخامات ما بين الجلود وفرو الثعالب، بعضها بلون أحمر قاني ظهر في الكثير من القطع مستعملة التبطين لخلق أشكال هندسية بأكتاف محددة، لكن بقي أغلبها مكشوفا وكاشفا.

في الجانب الآخر، قدم ماركو زانيني، مصمم دار «روشاس»، تشكيلة قال إنه استوحاها من امرأة اسكندنافية عاملة ومن حقبة السبعينات، مما يفسر اللونين الذهبي والأحمر القاني اللذين غلبا على الكثير من التصاميم. ومما ميز اقتراحاته للخريف والشتاء المقبلين أن الكثير منها كان عبارة عن قطع صوفية زادتها النقوشات الهندسية وزخات من الألوان غير المتوقعة حيوية، بالإضافة إلى تفاصيل مبتكرة على ظهر معاطف ضخمة وتايورات ببنطلونات واسعة. وبالنسبة لماركو زانيني فإن امرأته عاملة لهذا كان من الضروري أن يرسل عارضاته بنظارات بيضاوية الشكل وسميكة نوعا ما لتأكيد هذه الصورة وترسيخها في المخيلة، وبأزياء منفصلة يسهل تنسيقها في الأيام العادية، مثل تنورات ببليسيهات وألوان معدنية نسقها مع كنزات صوفية خفيفة وأنيقة. وفي أزياء المساء والسهرة أيضا حافظ على أجواء اسكندنافيا، مستعملا الصوف كحواشٍ وتفاصيل في بعض القطع لخلق تنوع في الخامات والملمس.

السبعينات كانت أيضا حاضرة في عرض دريز فان نوتن، لكن بترجمة مختلفة تماما. وهنا أيضا لم يكن هناك أي شيء يدعو للكآبة سوى الموسيقى ووجوه العارضات اللاتي ارتسمت على محياهن نظرات توحي بالصرامة والجدية المبالغ فيها. أما في ما يتعلق بالأزياء فكانت النغمة مختلفة تماما.. كانت أقرب إلى الشاعرية بألوانها ونقوشاتها المشعة التي تستحضر إيشاربات الحرير. فقد رُسمت على الكثير من التنورات والجاكيتات والمعاطف طيور على الأكتاف أو ورود عند الصدر، إلى جانب سخاء غير معهود في كمية البنطلونات الصوفية التي قدمها، وإن لم ينس كالعادة التنورات التي تغطي نصف الساق، فقد جاءت بالأسود، ومطرزة هي الأخرى بشتى الأشكال والألوان. كان هناك أيضا سخاء في استعمال الفرو في الياقات وفي حواشي بعض المعاطف. وللمساء، ظلت النغمة شاعرية من خلال فساتين بياقات عالية وأكمام طويلة من الحرير، أو تنورات طويلة مع قمصان، لعب فيها المصمم على التوازن في كل شيء، سواء في الألوان والنقوشات والتطريزات أو في الأحجام، محققا بذلك المعادلة الصعبة التي تتمثل في الأناقة الراقية والعملية المريحة.

كان واضحا من الشرح الذي قدمه المصمم أن منبع إلهامه كان الشرق الأقصى، وتحديدا حضارات مثل الصين واليابان وكوريا، مما يبرر رسومات الديجيتال التي استعملها لتجسيد هذه الإيحاءات من خلال الطيور والورود بألوان الفيروز والأخضر والجمشت والأصفر وغيرها وحتى بعض أشكال التنين. وطبعا لا يمكن الحديث عن أي عرض لفان نوتن من دون التطرق إلى قدرته العالية على التفصيل، والذي كان سمة قوية من سمات هذه التشكيلة، وإن كان البعض سيقول إن هذا طبيعي إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه معروف كمصمم رجالي أيضا.

المصمم البريطاني غاريث بيو، الذي يعرض منذ سنوات في باريس، ويتحفها بتصاميمه الغريبة التي تتباين في ظاهرها بين الفانتازي والمستقبلي، وتخفي بداخلها قدرة عالية على التفصيل المبتكر، قدم تشكيلة تفوح منه كل غرزة فيها وكل طية ببصماته الغريبة. أقام عرضه في مرأب سيارات قديم، توسطته منصة تتساقط من سقفها أوراق شجر سوداء، وهذا يعني أنه لا حاجة للقول بأن الأسود كان الغالب على تشكيلته الهندسية، التي تخللتها إيحاءات عسكرية تمثلت في أحذية عالية الساق تغطي الركبة وأكتاف محددة تميل إلى الصرامة، وياقات عالية من الجلد، ومعاطف ضخمة. ورغم إيحاءاتها القوية، كانت هناك لمسة أنثوية في الكثير من التفاصيل مثل الخصر المحدد وبعض التنورات المستديرة والشالات التي تتمتع بسحابات.

مما لا شك فيه أن الأيام الأولى لا تقارن بالآتي، بدءا من عرض «نينا ريتشي»، و«شانيل»، و«ديور»، و«إيلي صعب» وغيرهم، لكنها لا تفتقد إلى الابتكار الذي يخاطب شرائح معينة من محبات الموضة، مثل فتاة المجتمع دافني غينيز التي حضرت عرض البريطاني غاريث بيو وبدت سعيدة بكل قطعة كانت تمر من أمامها.

> أسبوع باريس يعج بالتكهنات والترقب، إذ ربما فيه ستعلن دار «ديور» أخيرا عن مصمم فني جديد، قد يكون راف سيمونز. فاسم هذا الأخير كان آخر المرشحين لهذا المنصب بعد أن فشلت المفاوضات مع مارك جايكوبس مصمم دار «لويس فويتون». ومما يعزز هذا الاعتقاد أن عرضه لدار «جيل ساندر» خلال أسبوع ميلانو كان الأخير، وإذا صح القول فإننا قد نترقب أول تشكيلة له للدار ولخط الـ«هوت كوتير» على حد سواء في الموسم الماضي.

> المصمم ستيفانو بيلاتي أيضا سيقدم آخر تشكيلة له لدار «إيف سان لوران» هذا الموسم، مسلما المشعل لهادي سليمان. هذا الأخير كان المصمم الفني لدار «ديور أوم»، سابقا، ويمكن القول إنه هو الذي وضع الخط الرجالي على الخارطة من خلال تصاميم ضيقة جدا، جعلت كارل لاغرفيلد، مصمم دار «شانيل»، ينقص وزنه إلى أكثر من النصف لكي يلبسها، كما أن أنجلينا جولي وغيرها من نجمات هوليوود ظهرن بتايورات رجالية بتوقيعه. ومغادرته «ديور» كانت، حسب الشائعات، بسبب عدم موافقة الدار دعمه لإطلاق خط نسائي باسمه. ويبدو أن صبره جاء بنتيجة، لأن دار «إيف سان لوران» ستكون فرصته لإظهار قدراته في هذا المجال، لكن على المرأة أن تبدأ ريجيما قاسيا من الآن إذا كانت ترغب في تصاميمه.