«نينا ريتشي» رومانسية جديدة.. «بالمان» تغرق في البريق.. ومانيش أرورا في الألوان

أسبوع باريس للخريف والشتاء المقبلين

TT

في ثاني تشكيلة له لدار «بالمان» استوحى أوليفر روستينغ الكثير من خطوطها من الصائغ المعروف «فابرجيه» أو على الأصح من مجوهراته البيضاوية الشكل، التي اكتشفها خلال زيارة له إلى نيويورك. وطبعا ظهر هذا الشكل في الكثير من التصاميم وعلى رأسها تنورات مصنوعة من الساتان وجاكيتات جلد مقببة عند الظهر نسقها مع بنطلونات منسدلة بشكل غير معهود من دار عودتنا على البنطلونات الأنبوبية الضيقة.

بريق مجوهرات «فابرجيه» أيضا كان حاضرا من خلال تطريزات، بأبعاد ثلاثية في بعض القطع، خصوصا تلك التي ظهرت في جاكيتات من المخمل، وفي فستان قصير مطرز بالكامل بالأحجار إلى حد كاد أن يخفي لونه الأسود. ومع ذلك فإن هذه المبالغة في استعمال التطريزات التي قد تجعل بعض التصاميم تبدو كأنها مستوحاة من لاس فيغاس، لن تكون عائقا أمام تسويقها إلى فتيات المجتمع، المعجبات بكل ما تطرحه هذه الدار، ولكل ما هو لافت للنظر ويغني عن أي مجوهرات.

عرض «موغلر» في المقابل كان بمثابة «تونيك» بعد تخمة الألوان والتطريزات في عرض «بالمان». هنا لم تكن ليدي غاغا بين الحضور، لكنها كانت في كل قطعة قدمتها الدار تقريبا. وإذا عرف السبب بطل العجب، فنيكولا فورميشيتي، المصمم الذي استعانت به الدار في عام 2010 ليخرجها من حالة الركود الفني والتجاري الذي كانت تعيشه، اشتهر بتعاونه مع ليدي غاغا، وكان المسؤول عن الكثير من الإطلالات التي ظهرت بها. في هذه التشكيلة قدم هو والمصمم سيباستيان بينييه، تصاميم تليق بها، طغى عليها الأبيض والأسود والأحمر والأخضر والبرتقالي، والأشكال المنحوتة مع بعض المبالغة. الأسلوب أيضا ذكرنا بأسلوب ثيري موغلر نفسه في الثمانينات، الذي كان يخاطب امرأة جريئة وواثقة من نفسها، فهذه التشكيلة تحتاج إلى الكثير من الثقة لمعانقة أشكالها والكم السخي من التنورات القصيرة جدا والمعاطف الطويلة والأكتاف المقببة.

عرض الأميركي ريك أوينز، كان ملتهبا، بالمعنيين الحرفي والمجازي. فقد ظهرت في الخلفية ستارة اشتعلت فيها النيران لتعطي العرض حرارة لم تخفف منها لا الأزياء المصنوعة من الصوف والموهير وبعض الفرو ولا القبعات الصوفية التي غطت جزءا من الوجه في بعض الأحيان. رغم أسلوب أوينز، الذي يميل إلى القوطي أو الروك أند رول، ورغم غلبة الأسود والرمادي على الكثير من القطع، فضلا عن التنسيق الذي يتوخى الإبهار أو إحداث الدهشة، فإن كل قطعة على حدة يمكن أن تكون مميزة مثل المعاطف ذات الياقات العالية وجاكيتات الجلد وحتى البنطلونات الواسعة وكأنها تنورات، والتي أعطت الإحساس بالراحة والدفء، من دون أن ننسى الأحذية العالية الرقبة التي كانت تظهر من تحت معاطف طويلة أو فساتين منسدلة بشكل مستقيم.

إذا كان هناك شح في الألوان في العروض السابقة، فإن المصمم الهندي مانيش أرورا، عوض عنه بسخاء أصاب بعمى الألوان. منذ بدايته، بنى مانيش سمعته على الألوان الصارخة والنقوشات المتناقضة، ومع الوقت أصبحت ماركته المسجلة التي يصعب تصور أي تشكيلة يقدمها من دون صراخها وتضاربها. في تشكيلته لخريف وشتاء 2012 قال: إنه قام باستكشاف طبيعة بروكلين، بكل أوجهها. فمنها استلهم الورود المطبوعة على أقمشة البروكار وألوان الطبيعة التي تظهر من تحت ما يشبه شقوق من تنورات مستقيمة، ومنها أيضا استلهم فن الـ«غرافيتي» الذي ظهر على خلفية العرض وعلى بعض القطع. ولأن عنوان العرض كان «الحياة جميلة» جرب المصمم أن يحول السلبي إلى إيجابي، ونجح إلى حد كبير، لا سيما فيما يتعلق بالمجموعة المكونة من فساتين تعبق برائحة الخمسينات بخطوطها الأنيقة والأنثوية، ومعاطف قصيرة تنوعت خاماتها. فإلى جانب الفرو كان هناك الكثير من الحرير والكريب، وإن اختفيا تحت كل ذلك الكم من الألوان والنقوشات والتطريزات التي جعلت من الصعب التعرف على هذه الخامات والاستمتاع بترفها. ومع ذلك فإن النقوشات المستوحاة من الغرافيتي أعطت بعض التصاميم بعدا جديدا، وكأنها «ريترو» بنكهة عصرية، فيما حضرت بعض الجاكيتات المقطعة بتقنية اللايزر بأشكال تبدو كأنها ريش نافش من الجوانب لتأخذنا إلى الثمانينات ببذخها ومبالغاتها، ولتؤكد أن مانيش أرورا يعرف أن قوته تكمن في صراخ هذه الألوان، لهذا فهو لا يحاول أن يروضها أو يخفف منها.

المصممة باربرا بوي، من جهتها، قدمت تشكيلة سهلة على العين، ألوانا وتصاميم، بحيث يسهل على أي امرأة أن تعانقها. يمكن القول: إن اللون الذهبي في أقمشة من اللاميه كان هو الوحيد الذي قد يحتاج لتخفيفه بتنسيقه مع ألوان حيادية بالنسبة للبعض. قالت باربرا إنها استلهمتها من نساء يعشن بيننا ومن عصرنا من مثيلات بيانكا جاغر وجيري هول، عوض أن تستوحيها من أيقونات راحلات. وهذا ما جعل كل قطعة حية وحيوية. من بين الاقتراحات التي قدمتها وستجد طريقها إلى خزانة المرأة العصرية جاكيتات اللاميه الطويلة التي يمكن ارتداؤها كمعطف قصير في النهار مع بنطلون أو في المساء مع فستان طويل من الحرير يستوحي خطوطه من حقبة السبعينات، إلى جانب معاطف بإيحاءات عسكرية بأكتاف محددة قوية، وقمصان من الحرير استحضرت أسلوب الراحل إيف سان لوران. كان من الواضح في هذه التشكيلة أن الابتكار من أجل الابتكار لم يكن من أولويات المصممة، وأن ما وضعته نصب عينيها هو تقديم قطع تروق للمرأة في كل مكان، حتى تبيع. بمعنى آخر فهي تشكيلة تجارية يمكن أن تحقق لها النجاح الذي يحلم به أي مصمم، خصوصا في ظل الأوضاع الحالية.

في حدائق التويلريز وعلى الساعة الثامنة مساء كان الموعد مع عرض «نينا ريتشي» لينتهي يوم طويل على نغمة رومانسية لذيذة. منذ اللحظة التي تدخل فيها البوابة الكبيرة تطأ قدماك ما يشبه سجادا أبيض تحيط به شموع من كل الجوانب، لتأخذك إلى الخيمة المنصوبة في وسط الحديقة. هذه القاعة التي تشهد الكثير من العروض تكون في العادة عملية، كونها كبيرة تستوعب عددا معقولا من الحضور، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي وسط باريس، لكن هذا وحده لم يكن يكفي أو يناسب «نينا ريتشي». فقد أضاءت سقفها بمجموعة من الثريات الضخمة والفخمة التي أضفت على الأجواء تميزا يليق بها وبرومانسيتها المعروفة. هذه الرومانسية هي التي حضرت بقوة في هذه التشكيلة التي صاغها مصممها البريطاني الأصل، بيتر كوبينغ. فقد أخذنا إلى عالم تعيش فيه فتاة شابة تعشق أن تلعب بالموضة وتستمتع بكل أدواتها وتفاصيلها. فتاة قال المصمم إنها أيضا تعشق أن تغزو خزانة والدتها أو جدتها لتستحوذ على ما فيها من خيرات تطوعها حسب شخصيتها وعصرها، الأمر الذي يفسر الكثير من الخطوط المستوحاة من حقبة الخمسينات.

ما قام به المصمم أيضا أنه أخذ بعض كلاسيكيات الدار، وأعاد تفكيكها من جديد ليناسب هذه الفتاة أو الحفيدة، سواء تعلق الأمر بتلاعبه بالأقمشة في القطعة الواحدة مثل الدانتيل والموسلين والتويد أو الفرو، أو في التصاميم نفسها. فهذه الفتاة تريد أن تجعل كل قطعة تحمل شخصيتها وروحها، لهذا تبدو كأنها أجرت عليها بعض التغييرات المرتجلة حتى تجعلها خاصة بها، مثل قطعة فرو على الكتف مربوطة بلامبالاة ببروش، أو حواش أيضا من الفرو تتدلى من الأكمام أو أزرار وضعت في أماكن قد لا تحتاجها. كل قطعة كانت تحمل فكرة قوية تفوح منها رومانسية مألوفة، لكن الجديد فيها هذه المرة أنها أكثر عصرية وأكثر حيوية وشبابا، أو حسب ما شرحه مصممها البريطاني، بيتر كوبينغ: «إنها تلخص اللامبالاة والراحة»، بيد أنه نسي في غمرة تواضعه أن يضيف أنها تخلص أيضا الأناقة الفرنسية التي يصعب وصفها.