بيل غايتون يقدم رقصة بجع لـ«ديور»

فان هاليري هاش و«ميزون مارتن مارجيل».. ولعبة تنعيم التوكسيدو

TT

يوم الجمعة كان يوم «ديور» بلا منازع، ومصممها بيل غايتون، بينما مساؤه كان لـ«لانفان» ومصممها ألبير إلبيز. الأول في عيد ميلاده الأول للدار الفرنسية العريقة والثاني في عيد ميلاده العاشر مع الدار، الذي أنهاه بأغنية بصوته أهداها للحضور وحفل كبير في قاعة «فريسيني» بالجادة الـ13 بباريس.

على الساعة الثانية والنصف ظهرا، كان الاهتمام منصبا على «ديور» وما سيقدمه مصممها بيل غايتون، مصحوبا بالتكهنات التي تزال متأججة حول شخصية من سيتسلم مشعل القيادة منه. هل هو راف سيمونز، آخر من رشحته الإشاعات للمنصب، خصوصا بعد أن غادر دار «جيل ساندر» مؤخرا، أم هو كريستوفر كاين، مدلل بريطانيا أم هو حيدر أكرمان، وهلم جرا من الأسماء التي لن تنتهي ما دامت الدار لم تعلن قرارها بعد؟

قرار لا يبدو أنها ستتخذه بتسرع، لا سيما أن الإشاعات لا تؤثر على مبيعاتها أو صورتها، وإن كانت قد تؤثر على نفسيات العاملين فيها. لحسن الحظ أن نفسية بيل غايتون لا تبدو متأثرة بهذه الحالة من الترقب، أو على الأقل، لم تؤثر على عمله بالنظر إلى ما قدمه لنا في متحف «لورودان»، ويمكن القول إن تشكيلته لخريف وشتاء 2012 - 2013 من أجمل ما خرج من رحم الدار في المواسم الأخيرة. فكل ما جاء فيها يعبق بكلاسيكياتها الرائعة، لكن بترجمة عصرية جدا. كل ما فيها أيضا جاء يعبق برومانسيتها التي مست قلوب نساء العالم في الأربعينات والخمسينات، ولا شك ستغزو قلوب نساء العالم في الموسمين المقبلين في الموسمين المقبلين وخزاناتهن. قبل العرض كان الكل يتساءل ما إذا كان بيل غايتون الذي خلف جون غاليانو بشكل مؤقت، سيبقى وإلى متى؟ وبعد العرض كان السؤال الذي يدور في خلد البعض وعلى لسان الكثيرين: لماذا لا يبقى إلى أن ينبض معينه؟

بيل غايتون الذي عمل مع الدار لأكثر من 17 عاما أكد أنه أكثر من يفهم روح الدار ويحترم إرثها كما يفهم ما تريده المرأة العصرية، بدليل أن مبيعات الدار زادت بشكل ملحوظ منذ أن تسلم المشعل من سلفه جون غاليانو. صحيح أن الدراما التي أتحفنا بها هذا الأخير غابت وخف وهجها، لكن لكل شخصيته وطريقته في التعبير عن نفسه، والمهم الآن أن بيل غايتون، نجح خلال سنة واحدة من تسلمه زمام الأمور، في إعادتها إلى زمن الرومانسية الجميل، من خلال التنورة المستديرة والخصر النحيل والمحدد والأقمشة المترفة والسخية لكن بحساب. لأن أهم ما قام به ويختلف فيه عن سلفه أنه تخلص من الكثير من التعقيدات والتفاصيل، لتأتي كل قطعة بخفة من نوع جديد. نوع يحافظ على ثقلها الفني لكن يعطيها بعدا عمليا، إن صح القول، وأكبر دليل على هذا صورة العارضات الجماعية في آخر العرض ومشيتهن التي بدت وكأنها رقصة البجع بأناقتها وخفتها أكثر منها نزهة في قصر فرساي في عهد ماري أنطوانيت. فالتنورات المستديرة التي تغطي نصف الساق تبدو معقولة وبإمكان أية أنيقة أن تتألق فيها في الكثير من المناسبات، لأنها كانت باستدارة عصرية، كذلك الجاكيت المحدد عند الخصر بأحزمة، فهو لم يعد خاصا بحفلات الكوكتيل أو المهمات الرسمية. لم ينس المصمم أن المؤسس كريستيان ديور بنى اسمه على الرومانسية، وهذا ما عاد إليه في ترجمته لكل قطعة كلاسيكية قدمها لنا يوم الجمعة، سواء من خلال البليسيهات أو إضافة على الظهر أو استدارة عند الرقبة من دون ياقة، أو درجات الألوان الحيادية مثل الوردي المطفي، والباذنجاني والرمادي بدرجاته. كان هناك أيضا الكثير من التفصيل في معاطف وجاكيتات، إلى جانب انسيابية خفيفة في فساتين سهرة تكاد تتطاير مع كل خطوة. ففكرة التخفيف من المبالغات والوزن كانت من السمات القوية في التشكيلة، ولحد كبير خففت من تأثير الماضي عليها. قد يقول البعض إنها تفتقد الدراما، لكن من يحتاج إلى الدراما إذا كانت تقطر بالأناقة وتضج بالحرفية العالية في كل تفاصيلها وتفصيلها؟ ما يحسب فيها للمصمم أنه لم يقدم تشكيلة متكاملة، بل حرص أن تكون كل قطعة وكأنها تشكيلة كاملة جمع فيها الكثير من اللمسات اللافتة. ففي فستان واحد يمكن أن نرى نصف الصدر مرصعا بالأحجار والنصف الآخر غير مرصع، وجزء من تنورة ببليسيهات والنصف الآخر منسدل بطية مختلفة، وجزء من الساتان وجزء آخر من الدانتيل أو الموسلين أو الأورغنزا وهكذا. تفاصيل كثيرة تجعل العين تنتقل بينها بانبهار من دون أي إحساس بأنه بالغ فيها. فقد كانت خفيفة على العين وجد متناغمة، أعطت لكل قطعة بعدا فنيا عصريا.

هل نجح المصمم في بيع المرأة الحلم الذي تقوم عليه الموضة أساسا؟ بالنظر إلى عيون الحاضرات، سواء من الآسيويات اللاتي تصدرن الصفوف الأمامية أو غيرهن، فالجواب هو نعم. هل نجح في إرضاء مديريه في دار «ديور»؟ والرد يجب أن يكون بالإيجاب بالنظر إلى أرقام المبيعات التي زادت منذ تسلمه مقاليدها. فقد سجلت الدار أرباحا في الشطر الأول من عام 2011 تقدر بـ890 مليون دولار أميركي، أي بزيادة 21 في المائة مقارنة بعام 2010. ويبقى السؤال: إذن، ماذا تنتظر أن توقف الدار الشائعات والتكهنات وتعلن عن مصمم فني جديد؟ ولم لا يكون بيل غايتون؟

في فندق «شانغريلا» قدمت آن فاليري هاش، اقتراحاتها للموسمين المقبلين. لم تكن هناك أي دراما سوى دراما التصاميم، التي تضاربت بين الذكوري والأنثوي. فالمصممة الشابة لم تتخل عن هذا الأسلوب الذي أصبح لصيقا بها، مع فرق مهم أنها في هذه التشكيلة، أتقنت هذه الخلطة أكثر، من خلال تلاعبها على التوكسيدو الذي كان القطعة الأساسية فيها. فقد فككت الكثير من إيحاءاته وتفصيله، وأضفت عليه نعومة غير معهودة بجعله يبدو لا مباليا وغير صارم عند الأكتاف خصوصا. فهي لم تأت مشدودة إلى أعلى وصارمة، بل متدلية شيئا ما تعانق الخصر أحيانا بلمسة مبتكرة. وزادت من نعومته بتنسيقه مع قمصان بطيات تلتف حول الصدر والخصر، ومع بنطلونات واسعة من أعلى وضيقة من أسفل. اتساعها لم يخف تقاطيع الجسم وجمالياتها، بل العكس، لأنه كان على شكل «درابيه» يلتف حوله بشكل رحيم. ولا شك في أن الأقمشة التي استعملتها ساعدتها على خلق هذه النعومة، مثل الموسلين والتافتا والساتان، وذلك أن المصممة لا تخفي أنها لا تحب فصل الشتاء وتعتبره كئيبا، مما يفسر تصاميمها الدافئة التي تتحدى البرودة من حيث التصاميم أولا وأخيرا، وتغيب عنها خامات مثل الصوف والفرو ارتبطت بموسمي الخريف والشتاء. قدمت أيضا مجموعة من الفساتين، وإن كانت تعد على أصابع اليد الواحدة إلى جانب القطعة الواحدة المكونة من قميص وبنطلون متصل، وهي قطعة تتقنها جيدا، فضلا عن مجموعة قليلة من التنورات ليبقى التوكسيدو القطعة الأقوى في هذه التشكيلة، ولا شك سنراه كثيرا على مثيلات الممثلة تيلدا سوينتون وغيرها ممن يعشقن تصاميم آن فاليري هاش.

عرض «ميزون مارتن مارجيلا» لم يكن مختلفا عما قدمه لنا في السابق من ابتكارات تصل أحيانا إلى الاختراعات، وكأنها خارجة من مختبرات ناسا. فمنذ الدقيقة الأولى لوصولك إلى مكان العرض يستقبلك فريق بزي أبيض رسمي وكأنهم أطباء أو باحثون. يبدأ العرض بأسلوب بسيط لا يتضمن سوى إضاءة قوية وموسيقى عالية فاتحا المجال للأزياء لتتكلم. وجاء الكلام مقتضبا ومباشرا يعبر عن تقنية عالية في التفصيل ومزج الخامات المستقبلية أحيانا مع خامات مترفة. اللافت في التشكيلة أن فريق العمل اختار أن يركز في الكثير من القطع على الياقات العالية التي كادت تعطي كامل الوجه، لكن بعيدا عن بعض المبالغات، كانت هناك الكثير من الحرفية لا سيما في ما يتعلق بالتفصيل الذي لا يعلى عليه، والذي تجلى في جاكيتات توكسيدو وتايورات بإيحاءات رجالية قوية في أول العرض، تلتها مجموعة من الفساتين المفككة التي تبدو كأنها بأطوال مختلفة، ومعاطف تبدو كأنها غير مكتملة الحياكة، حيث ظهرت منها خيوط وغرزات بشكل واضح، إلى جانب بنطلونات أيضا تبدو بأطوال مختلفة. فهي طويلة تغطي الحذاء من الأمام وتكاد تلمس الأرض لتعلو من الخلف فاتحة المجال لظهور كعب الحذاء. ومع ذلك، يبقى كل ما في التشكيلة، بما في ذلك الأقمشة الغريبة، يشير إلى موضة ذكية تخاطب امرأة مثقفة ومتميزة والأهم واثقة بنفسها وما تريده.