أسبوع باريس يعانق «الشاعري».. بكل الألوان

«فيكتور أند رولف».. «لويفي».. فيفيان ويستوود.. جون بول غوتييه وشتاء دافئ

TT

عندما يتعلق الأمر بالإخراج الفني أو الشاعري، من الصعب مضاهاة الثنائي فيكتور أند رولف في ذلك، فهما يشتهران بقدرتهما على إثارة الإعجاب وإحداث الدهشة دائما فيما يخص هذا الجانب. أما عندما يتعلق بالأزياء، فإنهما يتبنيان دائما مبدأ تقديم أزياء عملية وواقعية مع رشات قوية من الشاعرية. الأمر لم يتغير في تشكيلتهما للخريف والشتاء المقبلين التي قدماها في حدائق التويلريز، حيث نصبا شاشة كبيرة في الجهة التي تخرج منها العارضات، تصدرتها صورة كبيرة لوجه القمر تظهر منها العارضات كأشباح أو ظلال قبل أن يبدأوا المشي على المنصة. بدأ العرض بمجموعة أزياء واسعة مستوحاة من ملابس النوم، البيجامات، مكونة من قمصان وبنطلونات واسعة من الساتان، تارة بنقوشات وتارة بتفاصيل على شكل فيونكات معقودة.

بدا العرض رتيبا بسبب الماكياج وتسريحات الشعر الباهتة التي تستحضر نجمات «فيلم نوار» مثل لورين باكال، والموسيقى ذات الإيقاع البطيء والمتكرر، لكن لحسن الحظ أن الأزياء كانت حيوية، رغم أن الألوان التي سادتها كانت داكنة تتباين بين الأسود والبني الغامق والأصفر المستردي. الملاحظ في هذه التشكيلة أنها أكثر ترفا وميلا إلى الكلاسيكية مقارنة بما قدماه في مواسم الموضة، سواء من حيث الألوان أو الأقمشة، التي غلب عليها الحرير والفرو، بل وحتى التصاميم. كما تميزت ببعض الغموض في الجزء الأول من العرض لتكتسب أنوثة جريئة في المجموعة التي تلت وكانت عبارة عن فساتين طويلة وتنورات من الساتان.

المصمم رولف سنورين لخص فكرة التشكيلة بعد العرض قائلا: «عملنا على فكرة ناعمة، أنثوية، شاعرية ورومانسية، لكن أيضا غامضة ومثيرة.. نحن نحب الغموض». وهذا ما جسده في قطع لا تكشف مفاتن الجسد، من خلال فساتين بأكمام طويلة وياقات عالية بل وحتى فساتين السهرة، التي زينتها الكشاكس والتي تمازج فيها الأسود بالمستردي بشكل جديد. في آخر العرض تهادت عارضة ببطء شديد نحو الشاشة التي يظهر عليها وجه القمر على صوت في الخلفية يقول: «سمعت صوتا يهمس لي، أرجوك حبيني، عندها نظرت إلى القمر.. تحول إلى ذهب». في هذه اللحظة تحولت صورة القمر إلى لون ذهبي لينتهي العرض مخلفا إحساسا شاعريا وقناعة بأن عبقرية المصممين تكمن في قدرتهما على تقديم تصاميم واقعية 100% بغض النظر عن الطريقة التي يقدمانها بها.

بطاقة الدعوة التي تلقاها ضيوف فيفيان ويستوود كانت على شكل ورقة نقدية بريطانية بقيمة 50 جنيها. أول ما تبادر إلى الذهن أنها إشارة من المصممة بأن خطها «غولد» الذي تعرضه في باريس لا يقدر بثمن أو أي شيء مشابه يتعلق بالمال. لكن ما كانت ترمي له المصممة كان أبسط من ذلك، وهو أن كل ما ستقدمه سيكون بريطانيا، قلبا وقالبا. عنوان التشكيلة كان «لندن» وكان قراءة مثيرة للتاريخ البريطاني منذ العصر الإليزابيثي مرورا بالعصر الباروكي إلى الآن، الأمر الذي جسدته في كورسيهات ضيقة واستعمال سخي لقماش التويد، مع مزج خفيف للراقي بالشقي والمرح. بعد العرض شرحت المصممة، التي لا تفوت مناسبة لكي تعبر عن آرائها السياسية، بأنها توجهت إلى الماضي لكي تهرب من الواقع بكل أزماته ومصاعبه، مضيفة أنها عادت فيها إلى القرن السابع عشر «حقبة الهواة.. وحقبة التفرد والمغامرة».

وإذا كان هناك أي هروب في هذه التشكيلة، فقد كان مجرد هروب فني لذيذ بالمعنى المجازي، رغم أضواء الليزر الخضراء التي أضاءت القاعة حتى قبل بداية العرض، وقبل ظهور عارضة في معطف باللون البني مفصل على الجسم بخطوط من الحرير. وفيما عدا ذلك، حافظت ويستوود على الواقعية التي يفرضها السوق، في جوهر كل قطعة عندما تؤخذ على حدة، باستثناء الأحذية العالية جدا التي تصيب بفوبيا بمجرد النظر إليها، بدءا من التاييرات، التي تميزت بأكتاف محددة وعالية والصدر الضيق إلى الكورسيهات المصنوعة من التويد والقطيفة.

في عرض جون بول غوتييه خرج الحضور بإحساس غامر بأنه لم يقدم جديدا بالمعنى الجديد، باستثناء تركيزه في بعض القطع على أقمشة التبطين التي أبرزها أكثر. ما قام به المصمم أنه عاد بمخيلته إلى فترة الثمانينات، واستقى منها مجموعة من الجاكيتات والتنورات التي غلب عليها قماش اللاميه المذهب والبروكار، إلى جانب الفرو الذي استعمله بشتى الألوان أحيانا في قطع كاملة وأحيانا في قطعة طويلة لفها على الأكتاف أو جعلها تتدلى منه بلا مبالاة، في لفتة أيضا إلى بذخ تلك الحقبة ومبالغاتها.

الثمانينات لم تكن هي التأثير الوحيد في التشكيلة، فقد قام المصمم أيضا برحلة إلى نيويورك، ليستقي منها نقوشات الغرافيتي، التي أعطاها لمسة «بانك» أو «روك أند رول» في بعض القطع. ورغم أنه لا يمكن القول: إن هذه التشكيلة أقوى ما قدمه، لكنها حتما كانت تحمل بصماته الشقية، إلى جانب الكثير من قطعه الكلاسيكية التي ستجد طريقها إلى خزانات محباته، مثل المعطف الممطر، والجاكيتات الجلدية القصيرة، إلى جانب قطع بوظائف متعددة، أو بالأحرى تأخذ إطلالات مختلفة حسب رغبة صاحبتها ومزاجها، مثل معطف يمكن استعماله كتنورة. لكن يبقى أجمل ما بقي راسخا في الذهن قطع الفرو المتوهجة الألوان التي كانت منعشة بدفئها.

عرض «لويفي» في المقابل جاء مفتقرا للألوان ومخاصما لها. كان العرض مقررا على الساعة الثامنة مساء، لكنه تأخر لأكثر من ساعة بسبب عرض جون بول غوتييه الذي سبقه وأخر وصول الكثير من الحضور مما استدعى انتظارهم. عندما بدأ العرض لم يتحسن المزاج كثيرا، والسبب لم يكن التصاميم التي أتحفنا بها المصمم البريطاني الأصل ستيورات فيفر بل الألوان، أو على الأصح، اللون الأسود الذي قرر المصمم أن يكون البطل.

لكن بعد البداية الباردة، سرعان ما اكتسبت التشكيلة دفئا أكد أن مصممها ستيورات فيفر لا يزال يحمل في جعبته بعض المفاجآت. فقد أرسل معاطف مستوحاة من حقبة الستينات بياقات تلعب على الخدع البصرية، وجيوب مبتكرة وأحزمة تشد نصف الخصر، إلى جانب قطع أخرى كان القاسم المشترك بينها أن خطوطها كانت بسيطة ومتقنة كما كانت خفيفة من حيث الوزن والمظهر، لا سيما الفساتين الناعمة التي جعل الجلد المخرم فيها يبدو كأنه دانتيل، فيما رصع بعضها بأحجار كريستال لتناسب مناسبات المساء والسهرة، وفي الوقت يكسبها حيوية شبابية فيما لو اختارت الزبونة ارتداءها في النهار.

كان الجلد بكل أنواعه من الشامواه إلى النابا وغيرهما من الجلود المترفة الأداة التي استعرض من خلالها المصمم قدراته ككل مرة، وهذا أمر طبيعي ومتوقع، بحكم أن دار «لويفي» تأسست كدار جلود وإكسسوارات جلدية أساسا، لكنه هذه المرة افتقد إبهار المواسم الماضية، والسبب بكل بساطة أنه كان الوحيد تقريبا الذي يتفنن في تطويع هذه الخامة مستعملا تقنيات متطورة مثل الليزر لابتكار أشكال تبدو كأنها حرير أو دانتيل في السابق. أما الآن، فأصبح معظم المصممين، إن لم نقل كلهم، يستعملون الجلود بسخاء في تشكيلاتهم وبنفس التقنيات المتطورة. فنحن لا يمكن أن ننسى أنه من الخامات المهمة في الموسمين المقبلين إلى جانب الفرو والأقمشة المقصبة وغيرها. ومع ذلك، فإن نقطة الضعف الوحيدة في هذه التشكيلة ألوانها الداكنة، أو على الأصح الأسود، الذي جعلها تبدو متعطشة لجرعة لون ينعشها ويضخ فيها بعض الحيوية. أما نقطة القوة فتكمن في إكسسواراتها، سواء حقائب اليد التي يتفنن فيها المصمم دائما، أو الأحزمة المرصعة ذات التأثيرات الباروكية أو الأحذية العالية والأنيقة.