«أسبوع باريس» يحتفل بالمرأة القوية بالجلود والألوان القاتمة

«شانيل» تحتمي من برودة الشتاء بالبريق.. و«كلوي» بالرومانسية.. و«إيف سان لوران» تودع مصممها

TT

منذ ستة أسابيع فقط، وخلال موسم الأزياء الراقية، غير كارل لاغرفيلد معالم «لوغران باليه» بأن حوله إلى طائرة حلق بها إلى عالم الترف والفخامة معتمدا على التطريزات السخية التي تجود بها ورشات تابعة لـ«شانيل» مثل «لوساج» و«فرانسوا لوساج» وغيرهما.. وأول من أمس، حوله إلى ما يشبه قلعة تبرق بأحجار كريستال ضخمة. فقد غطيت الأرضية بالكامل برمال يتراقص فيها اللون الأبيض الماسي، وغرست في وسطها هياكل بلورية ضخمة بألوان الجمشت والكوارتز لتخلق إحساسا بالبرودة سرى في الأوصال بمجرد دخول القاعة الضخمة. «لوغران باليه»، على ما يبدو أصبح من العناصر القوية في أي عرض من عروض «شانيل». فهو يشكل خلفية رائعة تحكي ألف قصة وقصة، من جهة، ويمنح المصمم الفرصة لاستعراض قدراته العجيبة على إعادة صياغة مفردات دار «شانيل» في كل موسم بشكل عصري وجديد، من جهة ثانية. هذه المرة طغى المكان على الأزياء وغطى عليها، ليجعلها تتوارى إلى المرتبة الثالثة، إذا أخذنا بعين الاعتبار الحواجب المرصعة بالأحجار التي ظهرت بها العارضات وأثارت الكثير من الانتباه والإعجاب على حد سواء، وإن سيصعب محاكاتها في أرض الواقع وفي المناسبات العادية. لكنها في العرض، أضفت على العارضات شكلا يوحي بالقوة لأنهن ظهرن فيه إما متذمرات أو غاضبات أو متوجهات إلى حرب.

استهل العرض بزي من التويد المكون من جاكيت بجيوب متعددة وضخمة حددها بحزام ونسقها مع تنورة مستديرة وبنطلون ضيق.. تلاه ثان مشابه، لكن بألوان مختلفة، فيما جاء الثالث بجاكيت أكثر تحديدا وجيوب أصغر حجما. كانت هناك أيضا معاطف بتصاميم مختلفة، وقطع منفصلة تشمل بنطلونات وتنورات وفساتين متنوعة؛ ألوانا وتصاميم وخامات. لكن في كل إطلالة كان البنطلون حاضرا حتى عندما تكون التنورة إلى الركبة، وإن كان أجمل ما في التشكيلة هي مجموعة المعاطف، سواء تلك المصنوعة من الصوف أو من التويد المغزول بخيوط فضية. أما قوتها، فتكمن في خطوطها الجديدة نوعا ما، التي قد لا تضفي الرشاقة على المرأة، لكنها حتما تضفي عليها الأنوثة نظرا لأحجامها الواسعة. الإطلالة التي أثارت بعض الجدل، ما بين معجب ورافض، هي التي جاءت على شكل تنورات شفافة وطويلة نسقها مع بنطلونات ضيقة جيدة، وهي موضة من التسعينات لكنها اكتسبت على يد لاغرفيلد حلة جديدة، رغم أنها لن تناسب كل نساء العالم. بالنسبة للألوان، غلبت عليها الدرجات الداكنة، مثل الأسود والرمادي والأزرق النيلي، ضخها بألوان الأحجار الكريمة مثل الأزرق والأخضر والبنفسجي ونقوشات بعضها ثلاثي الأبعاد كسرت رتابة العرض. ولأن كارل لاغرفيلد استحلى في السنوات الأخيرة استعمال التطريزات الغنية والإكسسوارات المبتكرة واللافتة، فإن العديد من القطع تميزت بتطريزات ولمسات قوية أحيانا على شكل ريش يزين الرقبة أو بريق أحجار يزين الصدر أو نصف الأكمام، أو تطريزات بألوان متنوعة، أضفت على المعاطف تحديدا أناقة متميزة. التشكيلة استمدت قوتها أيضا من الإكسسوارات؛ فإلى جانب الحواجب المرصعة التي صنعت في ورشات «لوساج»، فإن الأحذية أيضا جاءت لافتة بكعوبها المرصعة بالأحجار، فضلا عن حقائب يد صغيرة الحجم، ليبقي أقوى إكسسوار في العرض كله، الطفل الصغير الذي لا يتعدى الثالثة من العمر الذي رافق عارضة وهو يحمل حقيبة يد صغيرة، لا بد أن نسخا كثيرة منها ستنفد من الأسواق بمجرد طرحها.

منذ أكثر من 60 عاما، وفي عام 1952 تحديدا، أطلقت غابي أغيون، مؤسسة دار «كلوي» لأول مرة مفهوم الأزياء الجاهزة، بعد أن كانت الأناقة تعني الـ«هوت كوتير» فقط من قبل. ومع هذا المفهوم، ولدت فكرة أزياء أنيقة ومريحة تناسب كل الأوقات وكل النساء بغض النظر عن أعمارهن وسواء كن عاملات أو ربات بيوت. وهذا ما عادت إليه مصممة الدار الحالية كلير وايت كيلر في ثاني تشكيلة لها للدار. ففي الخيمة المنصوبة في حدائق التويلريز بثت في الحضور إحساسا بالانتعاش والدفء. ففي الخارج، كان الطقس رماديا بئيسا، لكن في الداخل كان ربيعا نظرا للأقمشة الخفيفة والأوان الباستيلية، مثل الوردي والأصفر والبيج وغيرها من الدرجات الهادئة، التي استعملتها، من دون أن ننسى قطعا من الدانتيل أخذت أشكال ورود في فساتين وقمصان وحتى في معاطف، فيما ظهرت تقنية الـ«باتشوورك» في قطع صوفية، مما أضفى عليها مرحا وانطلاقا. هذا الإحساس بالمرح والحيوية طال أيضا التصاميم المستوحاة من الملابس العسكرية التي ظهرت في بعض المعاطف خصوصا، لأنها اكتسبت خفة بفضل تبطينها الذي استعمل فيه الحرير. المصممة قالت إنها استوحت التشكيلة من عشاق المهرجانات الموسيقية البريطانية، لكنها لم تنس أن الدار فرنسية الهوية، وكانت النتيجة أزياء تعبق بنكهة بريطانية - فرنسية لذيذة وغنية غلبت عليها لمسة «سبور» تمازجت مع أسلوب «كلوي» الرومانسي. ظهر هذا الأسلوب في مجموعة من المعاطف الواسعة والبنطلونات الفضفاضة التي تضيق عند الكاحل أو عند الركبة، والفساتين المنسابة ذات الجيوب الكبيرة، فضلا عن الجاكيتات المبطنة بسُمك. في الجهة الأخرى، كانت هناك مجموعة من الفساتين بخصور منخفضة تنسدل منها تنورات واسعة تغطي نصف الساق وبنطلونات مفصلة. وبحكم أن المصممة عملت مع دار «برينغل» البريطانية المعروفة بأزيائها الصوفية، فقد حملت معها خبرة سنوات في هذا المجال لتتحفنا بمجموعة دافئة وحيوية من الصوف على شكل كنزات بألوان متنوعة، مثل كنزة بياقة عالية وسحاب من الخلف يمكن أن تتحول إلى كنزة مفتوحة من الأمام. للمساء تتحول امرأة «كلوي» إلى رومانسية تلبس بنطلونات من الدانتيل أو الحرير وفساتين منسدلة لا تعترف بالخصر، وتتوخى الراحة والبوهيمية.

إذا كان الخصر غير معترف به في العديد من القطع التي طرحتها دار «كلوي» لموسمي الخريف والشتاء المقبلين، فإنه كان مركز الجذب في دار «إيف سان لوران»، حيث جاء محددا في كل شيء، بدءا من المعاطف إلى الفساتين والقمصان التي استعملت فيها أحزمة لهذه الغاية. مما يطرح السؤال: هل كان يعرف مصممها الفني، ستيفانو بيلاتي، أن هذه ستكون آخر تشكيلة له للدار؟ وهل كان يعرف أن الذي سيخلفه هو هادي سليمان، المصمم الذي حقق ثورة في ملابس الرجال بأن جعلها رشيقة تحتاج إلى عملية تنحيف قوية؟ إذا كان الرد بالإيجاب، فإن هذه التشكيلة غنية بالمعاني، التي أراد منها القول إنه هو أيضا يمكن أن يقدم تصاميم رشيقة ومثيرة.

امرأته لم تكن رومانسية بقدر ما كانت قوية، بماكياجها القوطي ومشيتها الواثقة، ولا شك أن الأقمشة التي استعملها مثل الجلد والبلاستيك اللماع والفرو فضلا عن الألوان الداكنة، زادت من قوة هذا الإحساس. أما التصاميم، فتميزت بتفصيل يعانق الجسم، سواء في البنطلونات الضيقة جدا التي تم تنسيقها مع جاكيتات محددة وقمصان من الجلد بياقات ضخمة أو الفساتين التي جاءت بطول يغطي الركبة بياقات جد مفتوحة أو ظهر مفتوح بشكل مثير.

من جهته، قدم المصمم التركي هاكان يلدريم، تشكيلة استوحاها من حقبة الثمانينات، استحضرت أسلوب كل من كلود مونتانا وثيري موغلر، من خلال أكتاف ضخمة وأكمام مستديرة وفساتين ضيقة. استعمل هنا أيضا قماش اللاميه، الذي ارتبط بتلك الفترة، بدرجات تتباين بين الأزرق والذهبي والأسود، في فساتين سهرة بفتحات جانبية جريئة، كما في معاطف وبنطلونات واسعة. على العموم، كانت التشكيلة متنوعة شملت الكثير من القطع المنفصلة التي تؤكد أن هاكان، رغم أنه جديد على أجواء باريس، فإنه من المصممين الذي نجحوا في أن يثيروا الانتباه في عاصمة لا تقبل بأنصاف الموهوبين.