لفتت المرأة المصرية أنظار العالم إلى شجاعتها في ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، عندما وقفت بجانب الرجال في ميدان التحرير، مسرح عمليات الثورة، حتى سقط النظام. لكن مع مرور عام من الثورة، لفتت الفئة نفسها الأنظار ذاتها، لكن مع تبدل المواقف والأدوار.
فمع مرور عام 2011 ثم مطلع العام الحالي، كانت المرأة المصرية محور الكثير من الأحداث، وأثارت جدلا حول دورها في المشاهد السياسية المتلاحقة، التي كان أبرزها الانتخابات البرلمانية، وتشكيل الأحزاب السياسية، واحتجاجات الموجة الثانية من الثورة، وإعادة تشكيل المجلس القومي للمرأة. فمع اتساع خريطة الأحزاب في مصر بعد الثورة، ترى ناشطات وحقوقيات أن معظم الأحزاب السياسية لم تتعامل مع المرأة كما ينبغي، بالإضافة إلى الموروث الاجتماعي الذي يرى أن المرأة لا تمتلك كفاءة ممارسة العمل السياسي.
وبحسب الدكتورة أماني الطويل، الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن الأحزاب السياسية لم تدرك أهمية توظيف المرأة في برامجها، فحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) لم يدرك الدور الأساسي الذي تلعبه النساء في المجتمع، ولم يوضح موقفه بشأن دعم ترشح المرأة للانتخابات الرئاسية. أما حزب النور (السلفي) فبرأيها يتبنى موقفا معاديا للمرأة، ويعتبر وجود فروق جسدية بين الرجل والمرأة لا يؤهلها لأن يكون لها دور تنموي وسياسي في المجتمع كالرجل.
أما عن الانتخابات البرلمانية، وبحسب تقرير للمركز المصري لحقوق المرأة (مؤسسة أهلية) بعنوان «برلمان ما بعد الثورة يعود بالمرأة 11 عاما للخلف.. المرأة المصرية في أول برلمان بعد الثورة»، فإن أول انتخابات برلمانية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير شهدت إقبالا غير مسبوق من نساء مصر كمرشحات وناخبات، بعد أن فتحت لهن الثورة أبواب الأمل في غد جديد يضمن عدالة اجتماعية، ولكن جاءت النتيجة مخيبة للآمال، لتعلن فوز 9 سيدات فقط على القوائم الحزبية، في حين أنه لم تفز أي سيدة على مقاعد الفردي، فضلا عن تعيين سيدتين، ليصل عدد النائبات إلى 11 نائبة من بين 508 نواب، بنسبة لا تتجاوز 2 في المائة فقط.
ويعتبر المركز في نهاية تقريره أن برلمان الثورة لم يستطع أن يخطو بمصر نحو تمثيل برلماني عادل للمرأة، مطالبا المجلس التشريعي بسرعة اتخاذ إجراءات تشريعية تضمن مشاركة النساء بنسبة لا تقل عن 30 في المائة في كل المجالس المنتخبة في مصر.
أما في ما يتعلق باحتجاجات الموجة الثانية من الثورة على مدى شهور العام الماضي؛ وبحسب تقرير آخر للمركز المصري لحقوق المرأة بعنوان «المرأة المصرية بين أجنحة الثورة وتعرية الواقع»، فإن هناك فرقا كبيرا بين وضع المرأة في يناير 2011 ووضعها في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، فكما تصدرت صورها كمناضلة أغلفة الصحف والمجلات العالمية بعد اشتراكها في ثورة يناير، تصدرت صورها كمسحولة وعارية ومقهورة أغلفة الصحف نفسها في نهاية العام.
وأبرز التقرير ما وصفه بالواقع المرير الذي عانته المرأة بين بداية العام ونهايته، والذي تلخص في الإقصاء المتعمد باعتباره السياسة المنهجية التي تتبعها حكومات ما بعد الثورة، حيث رصد محاولات تهميش دور المرأة على المستويين السياسي والاجتماعي، وغياب الأمن وتأثيره على العنف الموجه ضد المرأة، والمتمثل في جرائم العنف الأسرى والتحرش والاغتصاب وجرائم الشرف.
وأفرد التقرير مساحة كبيرة للعنف الموجه ضد الناشطات، بداية من كشوف العذرية التي أجريت لأول مرة من قبل قوات الأمن، فضلا عن التعدي بالضرب والتعذيب والإحالة للمحاكمات العسكرية والتحقيقات العسكرية والمدنية، كما شهدت الموجة الثانية من الثورة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) تعرض الكثير من المتظاهرات السلميات للضرب في الشوارع والقبض على بعضهن.
وعلى المستوى السياسي، رصد التقرير إقصاء النساء من التغييرات الوزارية ومن حركة المحافظين وإلغاء «كوتة» (حصة) المرأة في البرلمان، واستبدال وضع امرأة واحدة على الأقل في القوائم، دون تحديد لترتيبها، بها.
من جهة أخرى؛ ومع بداية العام الحالي كان إعادة تشكيل المجلس القومي للمرأة، الذي يرى البعض فيه أنه من تسبب في إفساد حياة الأسرة المصرية على مدار الأعوام الماضية، وهو الذي كانت ترأسه سوزان مبارك حرم الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
لكن إعادة تشكيل المجلس بقرار من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 11 فبراير (شباط) الماضي، لم تشفع له، حيث واجه انتقادات شعبية وحزبية، منها انتقاد الأخوات المسلمات (الفرع النسائي لجماعة الإخوان المسلمين)، اللائي اعتبرن إعادة تشكيل المجلس جاءت بنفس سياسات عهد مبارك دون إصلاح أو تعديل، وكذلك انتقاد «تحالف المنظمات النسوية» الذي طالب أولا بكشف ملفات الفساد في المجلس ومحاسبة من ضلعوا فيه.
ومع يوم المرأة العالمي هذا العام؛ تظهر مطالبات نسوية بالالتفات إلى الدور المستقبلي للمرأة المصرية، وإلى حقها في المساواة الاجتماعية، ومساندة دورها السياسي، خاصة مع ما ستشهده البلاد في الفترة المقبلة من كتابة دستور جديد وانتخاب رئيس للجمهورية. ويطالب التحالف المصري لمشاركة المرأة، الذي يضم 450 مؤسسة وجمعية أهلية، في رسالة بعثها للمجلس العسكري مؤخرا، بألا يتم تمثيل النساء بأقل من نسبة 30 في المائة بالجمعية التأسيسية لإعداد الدستور، وشدد على ضرورة تمثيل النساء بشكل عادل في جميع المناصب القيادية، إرساء لمبدأ المواطنة. وطالب التحالف المجلس العسكري وحكومة الإنقاذ الحالية بموقف واضح فيما يتعلق بمشاركة المرأة وضمان حقوقها، لا سيما في القوانين عامة وفي تولى المناصب العامة على وجه التحديد.
وأعربت المنظمات النسائية عن بالغ قلقها حول ضعف التمثيل النسبي للنساء داخل البرلمان بغرفتيه، بما لا يتناسب مع مكانة وقدرات المرأة في المجتمع، مطالبة بضرورة التأكيد على إرساء مبدأ المواطنة، وأن يتم تمثيل النساء بشكل متساو في جميع مراحل رسم مستقبل مصر، بما يتناسب كذلك مع حجم دورهن الحقيقي في المجتمع.
وقبل أيام نشرت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» تقريرا بعنوان «بعد الثورة في مصر.. يخفت رويدا شعور المرأة بالمساواة»، مشيرا إلى أن النساء كانت في المقدمة خلال الاحتجاجات التي أطاحت بمبارك، ولكن التمييز على أساس الجنس أكد استمراره على يد العسكر والإسلاميين، لافتا إلى أن حصول الإسلاميين على 70 في المائة من مقاعد البرلمان أثار قلق النساء الباحثات عن المساواة في قضايا اجتماعية كالتعليم والطلاق.
ومع حملات الترويج التي يقوم بها المرشحون المحتملون لمنصب رئيس الجمهورية، احتلت السيدات المصريات بعضا من برامجهم، كون المرأة تمثل نصف التعداد الفعلي لمواطني مصر، فيما يظهر اسم الناشطة والإعلامية بثينة كامل، والروائية والمترجمة منى برنس، كمرشحتين على المنصب.
إلى ذلك، تظهر دعوات شعبية للدفاع عن حقوق المرأة بالتزامن مع الاحتفالات باليوم العالمي للمرأة، من بينها حملة حركة «بهية يا مصر» والتي أعدت قائمة تشمل 100 سيدة مصرية لضمهن إلى لجنة الدستور، مؤكدة على ضرورة مشاركة المرأة المصرية بنسبة خمسين في المائة في الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور. فيما دعا عدد من النشطاء والحقوقيين كل المدونين على مواقع التواصل الاجتماعي لجعل هذا الأسبوع هو «أسبوع التدوين» حول قضايا المرأة، وأكدوا في الدعوة التي تم نشرها على «فيس بوك» أن هذه الدعوة ليست نسوية ولكنها للتدوين والكتابة عن قضايا المرأة المصرية صغيرة أو كبيرة، وأضافوا أن المرأة تعرضت بعد الثورة لانتهاكات من الدولة ومن المجتمع، وأن القوانين الحالية لا تعبر عن مساواة أو حرية أو عدالة اجتماعية.