صراع حول مفهوم حرية المرأة في تونس.. والليبيات ينشطن في المجتمع المدني

«الشرق الأوسط» ترصد التغييرات في وضع المرأة بيومها العالمي

د. آمال صهوة
TT

كانت سحر في عجلة من أمرها عندما طلبنا منها التمهل للحديث عن «يوم المرأة العالمي»، لكنها ظلت على نفس الوتيرة من السرعة، واضطررنا لمسايرة عجلتها.. «ليس لدي يوم أفرح فيه، فأنا على وشك الطلاق بسبب خلافي مع زوجي الذي يطلب مني راتبا نظير بقائه لرعاية الأطفال في المنزل».

سحر، وحسب ما أفادت به «الشرق الأوسط»، تعمل موظفة في بنك، وزوجها كان مهندسا يعمل في إحدى الشركات الأجنبية التي أغلقت أبوابها، وظل دون عمل، لذلك طرد الخادمة، وأخذ مكانها في رعاية المنزل وحتى إحضار الطعام. ترفض سحر إعطاء زوجها جزءا من راتبها نظير بقائه في رعاية الأطفال، وترى أن الحل في بحثه عن عمل. كما رفضت سحر أخذ صورة لها، كالكثير من النساء والفتيات التونسيات، ولكن صورة انقلاب المفاهيم في تونس ظلت راسخة من خلال مشهد سحر.

في الشارع التونسي، فوجئنا بجهل أغلب من حاولنا الحديث معهن حول ذكرى 8 مارس (آذار).

«أنا لا أعرف لماذا غيروا الذكرى من 13 أغسطس (آب) إلى 8 مارس. وواصلنا طرح الأسئلة»، ما دام هناك «عيد الأم»، فليكن هناك «عيد المرأة»، رحمة (27 عاما) كانت تتكلم بالفرنسية، وقالت إنها غير مرتبطة رغم جمالها الآخاذ.. «لم أعثر على من يملأ عيني».

وتقول سلوى: «يوم 8 مارس حكاية فارغة (وبالفرنسية) المرأة لا تحتفل بيوم 8 مارس، ولا حتى الرجل، كانت ليلى بن علي (الطرابلسي) تحتفل به، وقد ذهبت». وتضيف: «نحتفل بـ(عيد الأم).. الأطفال يأتون بهدايا لأمهاتهم، أما المرأة فلا». توقعنا أن الفتاة فهمت كلمة «المرأة»، بأنها «الزوجة».

وتقول رحمة: «يجب أن تحصل المرأة على حقوق سياسية أكبر. في تونس بعد الثورة جعلوا المرأة تحظى بنصف القوائم الانتخابية، وهذا مهم، بينما كانت حقوق المرأة في العهد البائد مجرد كلام».

ويتدخل محمد القابسي، موظف بريد: «المرأة تحظى بحقوقها وأكثر»، ويتابع: «لا تحتاج المرأة ليوم نتذكر فيه حقوقها».

وفي زاوية أخرى كان هناك أعضاء من حزب التحرير يعلقون ملصقات ولافتات ويوزعون منشورات بمناسبة «يوم المرأة العالمي». وقال عادل زروق: «تزامن نشاطنا مع ذكرى 8 مارس، ليس دخولا في دورة المركزية الغربية التي تريد أن تمثل القيم العالمية في كل شيء، وإنما لإشعار المرأة في هذه المناسبة بأن هذه المركزية لم تغير سوى نوعية القيود التي تكبل بها المرأة، فقد نقلتها من قيد الإقطاع إلى قيد الرأسمالية بما يعني ذلك من شركات الأزياء، وحتى الرقيق الأبيض»، وأضاف: «المرأة في نظرتنا لها خصوصية تختلف عن النظرة للمرأة (الأنثى) لا المرأة (الإنسان)، فالأنوثة لا تقلل من إنسانية المرأة، كما هو في التاريخ الغربي، فلم تجرِ في تاريخنا نقاشات حول طبيعة المرأة وما إذا كانت لها روح أم لا، حتى نجعل لها اليوم يوما خاصا في السنة، المرأة عندنا عرض (بكسر العين) وليس عرضا (بفتح العين أي معروضا) وفي ذلك تضليل كبير، وسمعنا أن صندوق النقد الدولي تدخل في هذا الشأن عندما ذهب فريق تونسي بعد الثورة لإجراء محادثات مع هذا الصندوق». وواصل قائلا: «المرأة أم وأخت وابنة وزوجة.. وهي ليست نقيضا للرجل، بل هي جزء منه وهو جزء منها ولا يمكن للجزء أن ينفصل عن الكل، إذ يكمل أحدهما الآخر».

وشدد على أن تأخذ المرأة دورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، «ففي السابق كان هناك تلاعب بقضية المرأة، وهي شكل من أشكال الاسترزاق لدى البعض»، وتحدث عن نسب الطلاق المرتفعة، وحالات الاغتصاب، والتحرش، والأمهات العازبات في تونس، قائلا: «وهذا سببه الممارسات الخاطئة للحرية المنفلتة، بينما الحرية مسؤولية».

لم تكن هناك مظاهر استعداد داخل المدن التونسية للاحتفال بيوم 8 مارس، كما هو الحال في عدد من دول العالم، بل إن الكثير من النساء كن يتساءلن عن يوم 8 مارس، وماذا يمثل لهن.

وقالت الدكتور آمال صهوة، من مكتب المرأة والأسرة لحزب حركة النهضة: «وضع المرأة في تونس أفضل بكثير مما هو في دول أخرى، فهناك حقوق كثيرة مضمونة بالقانون، ولكن هذا لا يعني أن المرأة التونسية حصلت على كل حقوقها، بل تعاني عدة إشكاليات، لا سيما المرأة الريفية التي هُمشت لسنين كثيرة، والريف يمثل نسبة كبيرة من السكان وبالتالي من النساء، وظلت المرأة مضطهدة، ويحتم علينا النضال لتحصل على حقوقها داخل الأسرة، وداخل المؤسسة، وهناك مشكلات دراسية كبعد المعهد عن المنزل مما يضطر الفتاة إلى قطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام وأحيانا تنقطع عن الدراسة خوفا على نفسها، فهناك انقطاع مبكر بنسب مرتفعة ونحن نعلم ما ينتج عن الجهل وقلة التعليم ومن ذلك تفريط المرأة في حقوقها وفي واجباتها الأسرية». وأضافت: «همنا الأول تحسين ظروف المرأة الريفية (70 في المائة)، ونضالاتنا في هذا المجال رفع الأمية ورفع المستوى التثقيفي والإدراكي وإشراكهن في الحياة السياسية والمجتمعية ومساعدتهن لبعث مشاريع صغرى لتحسين ظروفها المعيشية حتى لا تبقى مرتبطة بالرجل كما تقوم بمساعدة زوجها في تحمل الأعباء».

وعن يوم 8 مارس، بعد الثورة، قالت صهوة: «هناك حرية في التعبير والتنظيم والانضمام للأحزاب السياسية، ولكن بقى الصراع حول مفاهيم حرية المرأة»، ومن ذلك «لا حرية مطلقة بل حرية مسؤولة، بعض النساء يطالبن بالحرية المطلقة وإدراج هذه الحرية في الدستور، نحن متشبثات بهويتنا العربية الإسلامية، ولا نريد حرية مطلقة كما هو الحال في بلدان أخرى، مما يعني الفوضى التي تسبب عذابات لآلاف النساء كالأمهات العازبات».

وحول اتفاقية «السيداو» التي تؤيدها بعض النساء في تونس، قالت: «نحن ضد اتفاقية (السيداو) التي ترى أن البنت لها الحق في الحرية الجنسية منذ سن 12 سنة، وفي نفس الوقت ضد الزواج دون 18 سنة، وهذا تناقض فاضح، هناك ضرر كبير للمجتمع. كما نرفض أن تكون المرأة متساوية في إعطاء لقبها لأولادها، وهناك بنود نرحب بها وبنود نرفضها وسنناضل من أجل ذلك، وكذلك نحن ضد الزواج المثلي، وضد زواج المسلمة بغير المسلم، وضد شعار رفع مؤخرا بمناسبة 8 مارس وهو (جسدي بيتي أدخله من أشاء)، بمعنى أن الزوج يجب أن يتسامح مع خيانة زوجته بحجة نزقة ومتهاوية، مثل أن الرجل لم يشتر جسد زوجته، وهذا صحيح، ولكن ليس من حقها أن تبيعه لغيره وهما متزوجان».

ومن جانب آخر قالت عضو «منبر 17 فبراير الحر»، رفقة الكوت، إن الاهتمام بالمرأة أيام القذافي كان للدعاية، وأن المرأة الليبية، من داخل البلاد وخارجها، ساندت الثورة التي أطاحت بالنظام السابق، مشيرة لـ«الشرق الأوسط» في اتصال من ليبيا، إلى أن المجتمع لن يسمح بالتشدد الذي يتخوف منه البعض بعد ظهور بعض التيارات الدينية على الساحة السياسية.

وأضافت رفقة الكوت أن دور المرأة الحالي بعد ثورة 17 فبراير (شباط)، في تطور واضح وبخاصة بالنسبة للإصلاح، حيث أصبحت تنشط في المجتمع المدني بشكل كبير، مشيرة إلى أن دور المرأة اقتصر في ظل النظام السابق على بعض الأنشطة في الجمعيات الخيرية على استحياء وبشكل غير مباشر، ولم يكن لها نشاط واضح، وتابعت الكوت قائلة إن دور المرأة في المجتمع الليبي كبير، سواء قبل الثورة أو بعدها، و«هي في الوقت الحالي لديها رغبة شديدة للعمل ولعب دور أكثر من أي وقت مضى».

وقالت إن دور المرأة أيام القذافي كان يتأرجح بين ما هو حقيقي وما هو للدعاية. وأضافت أن «المرأة لم تكن مطموسة تماما، كما قد يعتقد البعض.. كان هناك نوع من الحرية، ولكن ليس مثل الصورة التي يراها الناس.. لقد قام النظام السابق باستغلال المرأة لتجميل نفسه، مثل الترويج بأن النساء يعملن في الجيش أو في حراسة القذافي لتبدو المرأة وكأنها قد حصلت على حقوقها».

وأضافت أن طموحات المرأة الليبية تتركز أغلبها في التفكير في أمرين؛ الأول: المساواة بين الرجل والمرأة في العمل.. «بعض البلدان تعتقد أن المرأة الليبية لم يكن لها دور في العمل؛ بالعكس عندنا خريجات في جميع المجالات وكن متفوقات، والبنات حاصلات على عمل بأكثر من الشباب، لكن هناك مناطق معنية كانت المرأة فيها مهمشة.. الحقيقة أن المرأة الليبية مهمشة هي والشباب في تولي المواقع القيادية.. تعمل، لكن المناصب العالية ظلت حكرا على الرجل، والرجل كبير السن بشكل خاص.. والآن نتساءل: ما المانع في أن المرأة التي عندها كفاءة تكون مديرة في العمل».

أما الأمر الثاني الذي تركز عليه المرأة الليبية بعد ثورة 17 فبراير، فتقول رفقة الكوت، إنه يتعلق بالمشاركة السياسية، قائلة إنها ضد نظام «الكوتة» للمرأة الذي تم وضعه في قانون انتخاب الجمعية الوطنية. وتابعت أن تخصيص مقاعد للمرأة في المواقع النيابية يعطي شعورا عاما بأن المرأة قادمة من الفضاء.. وقالت: «أنا كنت ضد الكوتة لأن المرأة ليست مخلوقا فضائيا قادما من الخارج.. المرأة والرجل يجب أن يشاركا معا وعلى قدم المساواة».

وعن دور التيار الإسلامي المتشدد في السياسة الليبية خلال المرحلة المقبلة، وتأثير ذلك على دور المرأة، قالت رفقة الكوت: «لا خوف من ذلك»، وأضافت: «أنا عندي ثقة في الشعب الليبي، ومن المستحيل أن يوافق على أن يأتي تيار معين متطرف ويسيطر على البلاد.. الناس لن يسكتوا عن مثل هذه الأمور».

وتعيش رفقة الكوت في طرابلس، وهي في الوقت الحالي في زيارة والدتها في بنغازي، وتتذكر الأيام المريرة التي خاضها الشعب الليبي لإسقاط حكم القذافي، والدور الكبير الذي لعبته المرأة في عملية تحرير البلاد من الظلم والطغيان. وتقول: «في الحقيقة هناك عدة أمثلة.. أثناء الثورة الليبية لم يقتصر دور المرأة على الجلوس في البيت، بل كانت تشجع أولادها الصغار على المشاركة في الثورة وأن يحاربوا من أجل بلادهم.. وكان هناك شابات ليبيات يشاركن في العمليات في طرابلس، لتشجيع الآخرين.. أعرف فتيات كن يقمن تحت حصار قوات القذافي في العاصمة بحرق صور القذافي لإبلاغ رسالة للثوار في المدن الأخرى وللعالم بأن طرابلس ليست مع القذافي.. كان للمرأة دور كبير في تلك الأيام».

وتضيف: «كانت هناك سيدات ليبيات يشاركن في المظاهرات سواء في داخل البلاد أو خارجها، وكانت هناك فتيات في المدن التي كانت ما زالت محاصرة من قوات القذافي يجازفن ويوصلن الأخبار إلى وسائل الإعلام في الخارج. كل واحدة شاركت بما تستطيع، من النشاط على الإنترنت، وجمع التبرعات للثوار والعناية بالجرحى والنازحين، مثلما حدث في المخيمات التي كانت على حدود تونس». وقالت: «بعد كل هذه التضحيات ستدافع المرأة الليبية عن طموحاتها في مستقبل أفضل من الماضي».