«لوي فيتون».. رحلة في قطار الشرق لراقي.. وإيلي صعب يستكشف أناقة المدن

اليوم الأخير من أسبوع باريس لخريف وشتاء 2012 - 2013

TT

انتهت دورة الموضة بعد شهر طويل بدأ في نيويورك، وانتقل إلى لندن ثم ميلانو، وأخيرا باريس. ويا لها من نهاية، ففي صباح آخر يوم من أسبوع حافل بالاقتراحات لخريف وشتاء 2012 - 2013 أخذنا مارك جايكوبس، مصمم دار «لوي فيتون» في رحلة ممتعة لم يبخل فيها علينا بأي عنصر من عناصر الفخامة والإبهار. فنحن لا يمكن أن ننسى أن الدار الفرنسية هي واحد من أهم بيوت الأزياء والإكسسوارات حاليا، وبأنه لا شيء يغلو على مصممها المدلل، سواء أراد أن يقدم حقائب يد مرصعة بالماس أو معاطف من أغلى أنواع الفرو أو الجلود النادرة أو أراد أن يصنع قطارا خاصا ويبني سكة حديد في ساحة «لوكاري» واحدة من أكبر ساحات «اللوفر»، ليأخذنا في رحلة سفر لم نحتج فيها إلى جوازات. الرحلة مستقبلية، بلا شك، فهي تتوجه إلى الموسمين المقبلين، لكنها تعود بنا إلى الماضي وإلى الزمن الجميل تحديدا. وربما تكون الممثلة سارة جيسيكا باركر أكثر من لخص العرض عندما قالت إنه كان مزيجا من السينما والأدب. وبالفعل كان ذلك تماما بتأثيراته وإيحاءاته التي أيقظت بداخلنا قصصا رومانسية ودرامية. فمرة تتبادر إلى الذهن صورة أنا كارينينا، بطلة رواية «الحب والسلام» للكاتب الروسي ليو تولوستوي وهي في كامل أناقتها وجمالها لدى وصولها إلى بطرسبرغ متوجهة لحضور حفل راقص كبير، ومرة إلى حقبة العشرينات من خلال خطوط واسعة وأقمشة مترفة غلب عليها القماش المقصب المغزول بخطوط الذهب أو الفضة إلى جانب الألوان الغنية. عناصر تستحضر أسلوب بول بواريه، الذي كان من أهم المصممين الذين عشقوا الشرق وشربوا من نبعه في العشرينات.

انطلق العرض على صوت دقات الساعة العاشرة، تلاها انبعاث دخان كثيف من باب ضخم مقابل للجهة التي ازدحم فيها المصورون مصوبين كاميراتهم، ليتعالى صوت يؤذن بوصول قطار إلى المحطة. بعد ثوان وصل قطار إكسبريس كتب عليه اسم «لوي فيتون» وظهرت من نوافذه مسافرات في أبهى حلة، وإن كان لا يظهر منهن سوى الأكتاف وقبعات عالية مبتكرة، بتوقيع ستيفن جونز. وقف القطار وفتح الباب لتنزل منه الواحدة تلو الأخرى بمساعدة عامل قطار، وما إن تطأ قدماهن الأرض حتى يظهر صبي عامل في المحطة وهو يحمل حقائب كل واحدة منهن ماشيا وراءها في مظهر أشبه بلقطة سينمائية.

فجأة جعلنا مارك جايكوبس نشعر بأن أي عرض يقدم على منصة بالشكل الكلاسيكي المعهود لم يعد مثيرا، وبأن تقديم أزياء أنيقة وحدها لا يكفي لكي يثير الحلم ويخاطب كل الحواس. فلكي يحقق كل هذا، على المصمم الآن أن يجمع كل عناصر الإبهار من المكان، إلى طريقة الإخراج والتأثيرات الصوتية والمرئية، إضافة إلى الأزياء والإكسسوارات. ومع ذلك لم يعتمد المصمم على الإبهار المسرحي وحده، لأن قوة التشكيلة تكمن أيضا في الحرفية العالية التي نفذ بها كل قطعة بشكل يحاكي الـ«هوت كوتير» رغم أن الدار لا تشارك في هذا الموسم وتكتفي بالأزياء الجاهزة والإكسسوارات، فكل ما فيها جاء يقطر بالترف والفخامة، بخطوطها المفصلة على الجسم والمتسعة في الوقت ذاته، وبخصورها العالية وبريقها الجذاب. أسلوب جايكوبس الذي يميل فيه إلى الطبقات المتعددة، ظهر مرة أخرى هنا، حيث غلبت على الإطلالة الواحدة عدة قطع. فالفساتين الطويلة تم تنسيقها مع معاطف أيضا طويلة وبنطلونات مستقيمة تكاد تلامس الكاحل، وفي كل الحالات كان البنطلون قويا في كل إطلالة تقريبا، حتى عندما يكون المعطف أو الفستان طويلا يغطي نصف الساق أو أكثر. الرسالة واضحة وهي أن البنطلون سيكون قطعة قوية في الموسمين المقبلين، ومكملا للفساتين والتنورات، بغض النظر عن أطوالها، لا سيما أنه ظهر بنفس الشكل في عروض أخرى، مثل «شانيل»، لكنه في عرض «لوي فيتون» اكتسب أناقة أكثر وجاذبية لا يمكن مناقشتها، ستقنع الغالبية، إن لم نقل الكل، بمعانقتها، وإن كانت في ظاهرها موضة تخاطب ثقافات معينة، أهمها الشرق الأوسط، وأسواق نامية جديدة لا تقل أهمية مثل أذربيجان وأوزبكستان. أسواق تتعطش لأناقة لا تعتمد على كشف مفاتن الجسد، بقدر ما تعتمد على مهارة المصمم وقدرته على إعطائهن أزياء تلفت الانتباه وتخدم أناقتهن من دون أن تتضارب مع بيئاتهن وثقافتهن. لكن هذا لا يعني أنها لا تخاطب أسواقا أخرى، فعنصر الإثارة فيها قوي، ويكمن أساسا في غموضها، وفي التوازن الذي تخلقه بين الفانتازيا والحلم وبين الواقعية والعملية. فحتى عندما طرزها بسخاء ورصعها بالأحجار ورصها بطبقات وطبقات من القطع والإكسسوارات تميزت بتوازن بعيد عن المبالغة، بل العكس تماما كانت منعشة وفتحت العيون على أن الكثير قليل جدا، عندما يقترحه مصمم متمكن مثل مارك جايكوبس. ورغم جمال الأزياء فإن الإكسسوارات ستكون البطل في الموسمين المقبلين، لأنها هي التي ستبيع أكثر كالعادة. كان واضحا فيها أن المصمم أراد أن يحتفل بجذور «لوي فيتون» كدار متخصصة في صناعة حقائب اليد وحقائب السفر وتفهم في الوقت ذاته معنى السفر بأسلوب راق، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن السفر وقت تأسيسها كان يقتصر في الغالب على طبقات النخبة التي كانت تستعمل القطار كوسيلة لتنقلها من الغرب إلى الشرق والشمال إلى الجنوب، مما كان يتطلب حقائب سفر عملية وأنيقة، يمكن حملها بسهولة وفي الوقت ذاته تحمي الأزياء من كل ما يمكن أن يتلفها أو يؤثر عليها سلبا. من عدد الحقائب والتصاميم التي تم تقديمها في العرض فإن الدار ترمي لشتاء دافئ جدا.

على الساعة الرابعة والنصف كان اللقاء مع إيلي صعب في حدائق التويلريز، واحد من أهم العروض التي يحرص الكل على حضورها قبل أن يشدوا الرحال عائدين إلى مدنهم أو بلدانهم إلى حين موعد آخر وموسم جديد من الموضة. الترقب كان كبيرا، فبعد عرضه الساحر في موسم الـ«هوت كوتير» في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، كان الكل ينتظر ما يمكن أن يقترحه لنا للموسمين المقبلين، خصوصا أن العادة جرت أن ما يقدم في موسم الـ«هوت كوتير» يتكرر في موسم الأزياء الجاهزة، بطريقة أخف ليناسب متطلبات أزياء من المفترض أن تكون سهلة وجاهزة بأسعار أقل وعملية أكبر، لكن التشكيلة التي قدمها لم تكن لها علاقة بما قدمه في شهر يناير باستثناء قدرته على صياغة أزياء للمساء والسهرة رومانسية وحالمة. عنوان التشكيلة كان «أناقة مدنية»، ومن المدن وبناياتها استوحى ألوانها التي غلب عليها الرمادي والكريم إلى جانب الأسود، ومنها أيضا كان التنوع غير المعهود في عروضه من قبل، والذي أراد منه تلبية احتياجات المرأة الأنيقة بغض النظر عن المدينة التي تعيش فيها أو سترحل إليها. فأزياء النهار مثلا شملت فساتين مفصلة على الجسم، وتايورات عصرية بخصور محددة، فضلا عن بنطلونات مستقيمة بخصور عالية إلى حد ما ومعاطف بياقات متنوعة بعضها بياقة مستديرة يمكن إضافة قطعة فرو عليها في الأيام الباردة، إلا أن أجملها كان معطفا من الفرو بلون النعناع الأخضر.

ولأن قوة إيلي صعب تكمن دائما في أزياء المناسبات والسهرة، فإنه أبدع فيها مرة أخرى وإن لم ينجح فيها من التخلص من رومانسيته وأي من مفرداتها الأخرى، من نعومة وترف. فساتين الكوكتيل السوداء، مثلا، كانت مثيرة بمعانقتها الجسم من جهة، وبتفاصيلها التي تعتمد على الدانتيل في الأكمام وأجزاء من الصدر، من جهة ثانية، وهي تفاصيل تكررت في بعض الفساتين الطويلة للسهرة. لم تغب أيضا بعض الفساتين المطرزة بالخرز والترتر، وإن كانت بعدد قليل، إلى جانب فستان ذهبي بتطريزات مبتكرة من نفس القماش واللون، كان تغييرا منعشا عن فساتين اللاميه التي تكررت في الكثير من العروض الأخرى في هذا الموسم.