حارس الفن.. نظام إلكتروني ألماني جديد لمراقبة التحف الفنية وحفظها

أنظمة استشعار تخبر عن أي تغير في الحرارة أو الرطوبة أو السرقة

الموناليزا أشهر لوحة في العالم تقبع خلف حواجز أمنية وإلكترونية لحمايتها من السرقة
TT

يقدر الباحثون وجود أكثر من 150 مليون تحفة فنية، تنتشر في متاحف العالم، وفي المجموعات الشخصية، وهي قطع قديمة وتاريخية يمكن أن تفقد الكثير من قيمتها بمرور الوقت وبفعل تغير شروط الحفظ، أو بسبب السرقة التي تتعرض إليها هذه المتاحف.

وهي قطع ثمينة، ومهمة تاريخيا للبشرية، تستحق الكثير من الرعاية والحفظ، وتتطلب الكثير من المال. وكمثل فإن أعمال الترميمات والإصلاحات على كاتدرائية كولون الشهيرة، وعلى التحف الفنية داخلها، تتطلب مليون يورو سنويا. وتنهض منظمة اليونسكو الدولية بعبء كثير من أعمال الصيانة والحفظ على هذه الآثار بحكم مسؤوليتها عن الإرث التاريخي البشري أجمع.

علماء معهد فراونهوفر الألماني في العاصمة الألمانية برلين عملوا على تطوير نظام جديد يمكن أن يراقب التغيرات، التي يمكن أن تطرأ على شروط الحفظ، طوال 24 ساعة في اليوم. والنظام عبارة عن مجموعة أنظمة استشعار للحرارة والضغط والرطوبة والتلوث، وهي شروط الحفظ، وعن منظومة أخرى من أجهزة الاستشعار للحركة والدخان والنار التي تحمي القطع الفنية من السرقة والحوادث.

أطلق العلماء على النظام اسم «آرت غارديان» (حارس الفن) وزودوه بعدة أنظمة استشعار بالغة الصغر تتولى مراقبة الحركة ودرجة الحرارة والرطوبة وكمية الضوء الذي يصل إلى اللوحة أو القطعة الفنية. وحرص خبراء معهد فراونهوفر على تطوير هذه الأنظمة بحيث تبقى غير مرئية ولا تضر بالمنظر أو بالقطعة الفينة. وهذا يعني أنهم جعلوا هذه «العيون» شفافة وقابلة للاندماج بشروط عرض القطعة الفنية الممتدة بين الزجاج والإطارات والزوايا.. إلخ.

فنظام قياس شدة الضوء الواصل إلى اللوحة شفاف ويمكن دمجه داخل الغلاف الزجاجي أو تصنيع اللوح الزجاجي بأكمله منه. وأنظمة استشعار الحرارة والرطوبة يمكن دمجها داخل الإطارات وتتخذ لون الإطار، كما أن نظام تقصي الحركة يمكن دمجه في الزوايا أو في القطع الصغيرة التي تشرح اللوحة، ولا تمكن رؤيتها بالعين المجردة.

وطبيعي فإن هذه الأنظمة ترسل بياناتها كل ثانية إلى كومبيوتر في غرفة المراقبة، ويتولى الكومبيوتر مقارنة البيانات بشروط الحفظ المخطط لها، والتي تختلف بين قطعة فنية وأخرى حسب نوعها ومادتها، ومن ثم يطلق جرس التحذير في أروقة الخبراء عند اختلال شروط الحفظ التي قد تضر بالقطعة الفنية. وحسب مصادر معهد فراونهوفر فإن النظام صغير، بمعنى أنه من الممكن التنقل به (محمول)، وهذا يعني إمكانية استخدامه في مراقبة ظروف الحفظ عند نقل القطع الفنية بين المدن البعيدة أو بين متاحف متباعدة في مدن مختلفة. فالنظام يوفر، لأول مرة، إمكانية الرقابة على حفظ القطع الفنية لفترات غير محددة الطول.

فضلا عن ذلك فإن إرسال نظام «حارس الفن» اللاسلكي بعيد المدى، وبالتالي فإنه قادر على فرض الرقابة من مركزه في المتحف، على القطع الفنية، أثناء نقلها داخل المدينة الواحدة، أو أثناء عرضها في قاعة أخرى غير المتحف المعروضة به. يمكن أيضا للخبير، أو الحارس، أن يربط النظام على هاتفه الجوال، من نوع آي فون مثلا، ليتابع حالة القطع الفنية، أو اللوحات الفنية، عن بعد، وأن يعرف بما يحصل مع هذه القطع في كل لحظة.

يعول العلماء على «آرت غارديان» أيضا في حل مشكلة عويصة بين المتاحف، وبين الدول أيضا، تنشأ عند النقل أو تبادل المعروضات، ويجري فيها الاختلاف حول الطرف الذي يتحمل المسؤولية عن تعرض القطعة الفنية، أو اللوحة، إلى الخدش أو التلف بسبب تغير ظروف الحفظ، أو بسب الأعمال التخريبية أو السرقة. فالنظام يمكن أن يخبر عن حالة القطعة الفنية في الوقت المناسب، ويمكن عند الرجوع إلى بياناته، معرفة وقت حصول التلف، وفي أي بقعة من العالم، وفي أي ظروف.

الباحث شتيفان غوتوفسكي، من معهد فراونهوفر، عبر عن ثقته العالية بقدرة النظام على تحليل شدة الضوء الذي يصل إلى اللوحة. وقال إن بالإمكان الاعتماد على «حارس الفن» في تنظيم شدة الإضاءة في كل متحف أو غاليري أو كنيسة. وأيده بذلك زميله رالف كيليان، من معهد «أنظمة البناء والرقابة الكنسية»، التابع أيضا إلى معهد فراونهوفر، الذي امتدح مرونة النظام وصلاحيته للرقابة على شروط حفظ القطع الفنية رغم اختلافها من قطعة إلى أخرى.

سر دقة النظام وصلاحيته للمتاحف والكنائس هو أن نظام مقارنة البيانات فيه، وتحديد شروط حفظ القطع الفنية، مستمد من خبرة العديد من علماء الآثار وخبراء ترميم اللوحات ومديري المتاحف في ألمانيا. والجميل فيه أيضا أنه يصلح للاندماج مع أنظمة الرقابة في البيوت، ويصبح بالتالي نظاما أمنيا دقيقا لفرض اللوحات على المجموعات الفنية في بيوت الأثرياء.

قدر العلماء فترة ثلاثة أشهر للبدء بالتطبيق الحي للنظام في عدة متاحف وكنائس ألمانية مرة واحدة. يمكن بعدها تسويق «حارس الفن» على مستوى أوروبي وعالمي.