مصارع الثيران الأسطوري خوان خوسيه باديلا.. هل هو بطل أم أحمق؟

عاد إلى الحلبة هذا الشهر مرتديا عصابة على عينه التي فقدها في منازلة في أكتوبر الماضي

خوان خوسيه باديلا يستعد لجولة من المصارعة بعد غياب عن الحلبة دام عدة شهورأ.ب
TT

أهو بطل أم أحمق؟ هذا السؤال طرحه ملايين الأشخاص من مشجعي مصارعة الثيران في إسبانيا على أنفسهم هذا الأسبوع عندما شاهدوا رجلا يرتدي عصابة على عينه مرتديا ثياب مصارعي الثيران مرة أخرى وهو يقفز داخل الحلبة ليقتل ثورين.

وكان قد عانى خوان خوسيه باديلا، الملقب بـ«الإعصار»، من وخزة قوية من قرن ثور يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) في مدينة سرقسطة أفقدته البصر في إحدى عينيه.

لم يكن أحد يعتقد في تلك اللحظة أنه سيتمكن من العودة مجددا إلى مصارعة الثيران، ولكن باديلا كان مصمما على فعل هذا منذ البداية، حيث كانت أول كلمات نطق بها بعد أن خضع لعملية معقدة في حنجرته: «أحلم بأن أعود لمصارعة الثيران مرة أخرى».

ومنذ شهر أكتوبر (تشرين الأول)، عانى باديلا من صعوبات في عملية التعافي، فكان يتردد على طبيب وظائف الأعضاء واختصاصي معالجة النطق، وكانت لديه فكرة واحدة مسيطرة على رأسه: «سأعود إلى مصارعة الثيران مرة أخرى». وذات مرة سأله ابنه الأصغر، والذي لا يزال في الحضانة، إذا ما كان يستطيع أن يخبر رفاقه أن والده سيرجع مرة أخرى إلى المصارعة، لكن باديلا كان يرغب في أن يكون حذرا وأن يعود عندما يتعافى جسده تماما.

وكان الأحد 4 مارس (آذار) إيذانا بعودة باديلا عندما ظهر في حلبة باداجوز جنوب غربي إسبانيا بصحبة اثنين من المصارعين واللذان عبرا عن رغبتهما في مشاركته عودته إلى الحلبة. ظهر باديلا كشبح مرتديا زيا أخضر وذهبيا، يرمزان إلى الأمل والقوة، وهي نفس الألوان التي كان يرتديها في اليوم الذي أصيب فيه.

عندما تم فتح باب الحلبة، قفز باديلا داخل الحلبة ممسكا بيد ابنته الصغرى، وكافأه الجمهور على شجاعته بالتصفيق.

تحيته الأولى وجهها إلى «الثور الأول»، حسب التقاليد المعمول بها في المهرجان. كما اختار باديلا توجيه تحية أخرى للأطباء الذين ساعدوه في العودة مرة أخرى إلى هذه المصارعة، وأيضا إلى عائلته التي ساندته خلال محنته.

وبعد قتله للثور الأول، أخذ باديلا جائزته وهي عبارة عن أذن، ثم أخذ أذنا أخرى من الثور الثاني، مما مكنه من فتح باب الحلبة (طبقا لعرف مصارعي الثيران) ثم خرج محمولا على أكتاف زميليه، مورانتي وخوسيه ماريا مانزاناريس، وهما من أعظم مصارعي الثيران في إسبانيا.

وقال باديلا عندما يتذكر هذه اللحظة: «أراد الله أن أصل للمجد بعد هذه المعاناة الكبيرة». بيد أنه يقلل من إنجازه، فقال بعد ساعات قليلة من هذا الانتصار العظيم: «أنا لا أعتبر نفسي بطلا. هناك الكثير من الناس يستحقون الإعجاب أكثر بكثير مما حصلت عليه والذين كانوا بمثابة العون الرئيسي لي».

يعترف باديلا بأنه شعر بالخوف، ودائما ما يقال إن مصارع الثيران يشعر بالخوف عندما يمسك بالسيف ويقف وجها لوجه أمام حيوان يزن 500 - 600 كغم، وعلى الرغم من ذلك، يعرف باديلا أن هذا مصيره ويضيف: «أحب أن أواجه مصيري».

بيد أن هناك وجهة نظره مغايرة، إذ يعتبره البعض «أحمق». فيقول العديد من الأطباء إن مصارعة الثيران بعين واحدة أمر شديد الخطورة، فلن يتمكن المصارع من رؤية كافة تحركات الثور التي قد تصيبه على نحو غير متوقع.

لكن خوان خوسيه باديلا لم يكن أول رجل يصارع الثيران بعين واحدة. فهناك من قاموا بنفس العمل من قبل، مثل خافيير فاسكويز أو لوسيوساندين. وقال فاسكويز إنه حينما كان في المستشفى وأخبره الطبيب أنه قد فقد عينه اليسرى، نظر إلى أمه وطلب منها أن تأخذ ورقة، ثم قام ببعض الحركات كما لو كانت هذه الورقة ثورا. ثم قال لنفسه إنه إذا استطاع مصارعة هذه الورقة، فسوف يستطيع مصارعة ثور.

«لتعويض مشكلات الرؤية لدي قمت ببعض الحيل. ولكي أتدرب قمت باستخدام الأقماع المخروطية التي تستخدم في المرور. لاحظت وجود خطوط شبه مسمارية. ثم كررت المحاولة مع أقماع مخروطية أخرى في مواقع مختلفة»، يعترف فاسكويز أنه بوجود السيف يشعر بثقة عالية بنفسه.

إحدى أهم المشكلات التي يواجهها مصارعو الثيران في هذه المواقف هو الخجل من أن يراك الناس مع علامات في وجهك.

وحتى في مثل هذا الموقف، أوضح باديلا موقفه قائلا: «لقد تمكنت من الرجوع إلى الحلبة لأنني تدربت جيدا ولأن الله أرادني أن أقوم بهذا بسرعة. لا أريد أن أتسبب في أي آثار غير سعيدة أو أي شعور بالتعاطف في الرأي العام أو بين المحترفين».

انضم العشرات من رفاق باديلا إلى 5,500 مشجع الذين حضروا لمشاهدة معجزة العصر خوان خوسيه باديلا. كان الجميع يرغب في الاعتراف بالجهود التي بذلها هذا المصارع في الوقت الذي يثير فيه «المهرجان» جدلا كبيرا في إسبانيا، ليس فقط حول الطريقة الوحشية التي يقتل بها الثيران، ولكن حول الخطر الذي يواجه مصارعي الثيران أنفسهم.

وقد قامت بعض المناطق مثل كاتالونيا بحظر مصارعة الثيران، على الرغم من أن حلبة برشلونة كانت واحدة من أهم المواقع الأثرية الإسبانية في مصارعة الثيران. ويؤمن العديد من مصارعي الثيران أن تغير الحكومة في إسبانيا (رئيس الحكومة الحالي ينتمي إلى حزب المحافظين) سيؤدي إلى عودة هذا الحدث ليتحول إلى حفل تقليدي في إسبانيا.

وبيدو أن هؤلاء المصارعين كانوا على صواب، فقد كان أول قرارات هذه الحكومة المحافظة إذاعة أفضل حلقات مصارعة الثيران من برامج التلفزيون الرسمي للبلد. وبعد إنجاز باديلا، عاد النقاش مرة أخرى، وبخاصة من جانب مشجعي مصارعة الثيران الذين باتوا يشعرون بقوة أكثر.

وفي الواقع، لدى هؤلاء المشجعين رمز الآن، بطل، وخوان خوسيه باديلا هو أحد هؤلاء الناس الذين يرغبون في تأكيد أنهم أتوا إلى هذا العالم لمصارعة الثيران.