معرض في باريس يجمع بين لوي فويتون ومارك جاكوبز للمرة الأولى

المؤسس الفرنسي رحل قبل ولادة المصمم الأميركي لكن جهد الأول احتضن إبداع الثاني

TT

يقام في متحف الفنون التزيينية في باريس معرض يحتفي برجلين تركا بصماتهما واضحة على الأناقة النسائية، ولا سيما حقيبة اليد التي تحمل توقيعهما وتحلم فتيات الشرق والغرب، من طوكيو ودبي حتى لوس أنجليس وسيدني باقتناء واحدة منها. إنهما الفرنسي لوي فويتون، مؤسس دار الصناعات الجلدية الراقية التي تحمل اسمه، والأميركي مارك جاكوبز، المدير الفني الحالي للدار.

يتتبع المعرض، الذي يستمر حتى منتصف سبتمبر (أيلول) المقبل، سيرة كل واحدة من هاتين الشخصيتين اللتين لم تلتقِ إحداهما بالأخرى مطلقا. فقد ولد فويتون عام 1821 وتوفي عام 1892، قبل عقود من ولادة جاكوبز في نيويورك عام 1963. كما يتوقف المعرض عند التأثير الذي تركه الاثنان على عالم الموضة من خلال استلهام روح العصر والتجديد، الذي أدخلاه على صناعة الإكسسوارات الجلدية. وحسب دليل المعرض فإن كلا من فويتون وجاكوبز توصل إلى فهم الظواهر الاجتماعية والثقافية لعصره وفك الشفرات السرية للغة المظهر الخارجي وبالتالي المساهمة في كتابة تاريخ الموضة.

يضع المعرض أعمال كل واحد من المصممين المبدعين بموازاة أعمال الآخر، على الرغم من انتمائهما إلى حقبتين مختلفتين. ولعل الهدف هو أن تعكس المعروضات فكرة الاستمرارية التي تتمتع بها دار فويتون منذ تأسيسها قبل أكثر من 150 عاما. كما يحاول المشرفون على المعرض أن يشرحوا لزواره النظام الذي سارت عليه صناعة الموضة خلال فترة خلاقة تميزت بالرفاهية والذوق الرفيع، وبدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر وما زالت مستمرة حتى بدايات قرننا الحادي والعشرين. وهكذا يقترب المتفرج من أسرار الكثير من الحرف الفنية والمهارات اليدوية التي تتعلق بتصميم قطع الثياب ومكملات الزينة وما طرأ عليها من تغيرات بفضل التقدم التقني.

تتوزع المعروضات على طابقين؛ واحد مخصص لمسيرة فويتون والثاني لجاكوبز. وقد تولى فنان الديكور سام غينزبوري وزميله جوزف بينيت تحديد انسيابية خط العرض وتتابع المعروضات والصور واللوحات الشارحة أو التوضيحية. وطبعا، كانت البداية من حقائب السفر الشهيرة، التي صنعتها دار «فويتون»، قبل أكثر من 100 سنة والمميزة بجلدها البني الذي يحمل الحرفين المتداخلين لاسمها.

لقد كانت بأحجامها المختلفة رفيقة الأميرات المسافرات والأثرياء وعلية القوم، يحملها سعاة أنيقون لينقلوها إلى عربات قطار الشرق السريع أو يدفعها على عربات حمالون يرتدون القبعات ليدخلوا بها إلى أفخم فنادق باريس ولندن وميلانو. وكانت مجرد رؤية مشهد الحمالين تدفع بالمارة إلى التلفت بحثا عن نجمة سينمائية أو مهراجا هندي من أصحاب تلك الحقائب.

نعرف أن لوي فويتون كان مجرد عامل تعلم حرفة الرزم وصنع الحقائب على يد المعلم «ماريشال» الذي كان يملك دكانا في شارع «سانت هونوريه» في باريس. وطوال 17 عاما تدرج في مختلف مراحل الصناعة وأتقن أسرارها. وفي عام 1854 افتتح محله الخاص به، قرب شارع «دو لابيه»، الذي لا يبعد كثيرا عن محل معلمه. وكانت اهتماماته الأولى تنصب على كيفية تغليف منتجات الموضة الراقية من ثياب وقبعات وحقائب، لا سيما أن تصميم الأزياء كان قد بدأ بالازدهار كمهنة جديدة في باريس. وكان فويتون يوصي على قماش رصاصي اللون يحمل نقوشه الخاصة لكي يصنع منه الأكياس والعلب المناسبة لتغليف الأزياء ومكملاتها. ونظرا لشهرة قماشه، راح يسجله في مكتب براءات الاختراع منعا للتقليد. وعندما بدأ بصناعة حقائبه الخاصة للسفر، كان أول من وضع توقيعه بالحرفين الأولين من اسمه داخل كل حقيبة. وبعد وفاة لوي فويتون تسلم الشعلة ابنه جورج الذي صمم، عام 1896، الشعار المونوغرامي الشهير للدار من تداخل حرفي «L وV».

في الطابق الخاص بجاكوبز تعرض طائفة من أشهر تصاميمه خلال السنوات الـ15 الماضية، مع جوانب من سيرته التي اكتسبت بعدا عالميا منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي. فقد درس التصميم في مدرسة «بارسون» في نيويورك وحاز شهادته منها عام 1984 وبدأ العمل لدى دار «بيري أليس» الأميركية وهو دون الخامسة والعشرين من العمر. لقد كان واحدا من جيل جديد يخطو نحو الشهرة مع علامة تعتبر رمزا للموضة الشبابية إلى جانب منافسين من أمثال رالف لورن وكالفن كلاين. لقد كان المصمم الأول في دار تنتج ثيابا جاهزة قيمتها 100 مليون دولار في السنة. وهو على الطريقة الفرنسية، كان يصمم ثيابا تنزل إلى الأسواق باسم غير اسمه بينما يحلم كل مصمم أميركي ناشئ بتأسيس شركة تحمل اسمه. وقد قاده النجاح إلى أن يفوز، عام 1997، بمنصب المدير الفني لدار «لوي فويتون» العريقة في باريس.

كان عليه أن يصمم، للمرة الأولى في تاريخ الدار، مجموعات من الثياب الرجالية والنسائية الجاهزة التي تحمل توقيع «فويتون»، بالإضافة إلى حقائب يدوية وأحذية ومكملات للزينة. وهنا جاءت فرصته لإطلاق ثورة داخل الدار العريقة من أجل بث الدماء فيها وزجها في القرن الحادي والعشرين. ومعه ظهرت الأزهار والفراشات الملونة على القماش الكلاسيكي البني القاتم والشهير لحقائب «فويتون»، وانتقلت الحقائب من أذرع السيدات الكبيرات لتصبح هوسا حقيقيا لدى الشابات، خصوصا في اليابان التي تقوم بناتها برحلات إلى باريس بهدف اقتناء حقيبة من المتجر الشهير الذي افتتح فرعا في «الشانزلزيه». إن هذه الثورة ليست من إبداعه وحده، بل جاء بفنانين عالميين لكي يرسموا له الأشكال المضافة إلى الحقائب التي تبدو وكأنها تتجدد من موسم لموسم.