«الناس دول».. فيلم يوثق لمصابي الثورة المصرية

شاركوا في أحداثه وصفق له الجمهور في عدة مهرجانات دولية

TT

«حسيت إن كل بيت في مصر فيه مصاب»، كان هذا هو إحساس المخرج المصري محمد هشام عندما فكر في عمل فيلم «الناس دول»، أول فيلم وثائقي عن مصابي ثورة 25 يناير، يروي أحداث الأيام الأولى للثورة المصرية على لسان مصابيها ومعاصريها، ولتوصيل صوت آلامهم ومعاناتهم منذ إصابتهم وحتى الآن.

يحكي محمد هشام، بطل الفيلم ومخرجه، لـ«الشرق الأوسط» قصته مع «الناس دول» فيقول: «شاركت في ثورة 25 يناير منذ يوم جمعة الغضب، وكان من الممكن أن أموت أو أصاب؛ ولكن لم يحدث ذلك فقررت أن أستخدم إمكانياتي لتوصيل صوت (الناس دول)».

وعن سبب اختياره لعمل الفيلم عن مصابي الثورة وليس الشهداء يقول: «قررت أن يكون فيلمي عن المصابين وليس الشهداء، لأن الشهيد ذهب إلى مكان أفضل وهو الجنة، أما المصاب فهو لا عايش ولا ميت، وأمه تعتصر ألما كلما رأته، أو سمعت آهاته، ولا تستطيع أن تفعل شيئا، والكارثة الأكبر أنه تم إهمال علاجه من قبل الدولة، ومورست عليه ضغوط كثيرة للتنازل عن حقه، لدرجة أن أحد التقارير الطبية الخاصة بحالة من الحالات التي ظهرت في الفيلم كتب عليها (لا يؤخذ به في المحاكم وأقسام البوليس والنيابات ولدى النائب العام)».

يضيف: «المصاب أصبح بالنسبة للبعض مجرد اسم ورقم جديد يضاف إلى كشوف المصابين، ولا يشعرون بالمعنى الحقيقي لكلمة مصاب ولا بمدى معاناته، فأغلب هؤلاء المصابين كانوا يعولون أسرهم، فأصبحوا لا يجدون لقمة العيش ولا يستطيعون تحمل نفقات العلاج، لذا أردت أن أعرف الناس أن هؤلاء بني آدمين، وأن يسمعوا منهم لا أن يسمعوا عنهم».

ويشير هشام إلى أن مصابي الثورة لا يريدون تعاطفا أو شفقة من أحد وإنما يريدون الحصول على حقوقهم والقصاص ممن قتلهم، موضحا أن كثيرا من المصابين رفضوا الظهور في الفيلم لأنهم يرفضون التعاطف معهم «مصاب من المطرية صورنا معه وهو مصاب بشلل نصفي، فوجئت به يمزح معي ويقول لي لا تضع لي موسيقى حزينة في الخلفية فأنا لا أريد استجداء ولكن أريد توصيل صوتي فقط».

يتابع هشام: «من الأسباب الأخرى التي جعلتني أقرر عمل فيلم عن المصابين، أن الفيلم يهدف إلى توثيق أحداث الثورة، وجرائم النظام في التعامل مع الثوار، فأردت أن يكون ذلك على لسان مصابي الثورة ومعاصريها».

الفيلم تم تصويره بطريقة الدراما الوثائقية (ديكو - دراما) من خلال رحلة البحث عن صاحب يوميات تم العثور عليها في ميدان التحرير بعد موقعة الجمل، حيث وجد بطل الفيلم، والذي يقوم بتجسيده المخرج نفسه، مذكرات أحد المشاركين في اعتصام ميدان التحرير إبان الثورة الأولى، وبعد قراءتها يفاجأ بحقيقة «الناس دول» الذين شاركوا وأصيبوا وقتلوا أثناء الثورة، وعن حقيقة هذه المذكرات يقول هشام: «كثير من المعتصمين في ميدان التحرير كانوا يقضون وقتهم في كتابة يومياتهم، وتسجيل أحداث الميدان يوما بيوم، فهم وجدوا أنفسهم فجأة داخل كتاب تاريخ يسطرون صفحاته بيومياتهم، وعندما تم اقتحام الميدان يوم موقعة الجمل فقد كثير من المعتصمين متعلقاتهم، وتم جمع هذه المتعلقات بعد ذلك من الميدان وتسليمها للمستشفى الميداني الموجود في مسجد عباد الرحمن».

يتابع: «عندما تواصلت مع أطباء ومتطوعي المستشفى الميداني أثناء التحضير للفيلم، قرأت هذه المذكرات، التي كانت ضمن المتعلقات التي وجدت بالميدان بعد موقعة الجمل، وغير معروف من صاحبها، ففكرت في أن تكون فكرة الفيلم هي رحلة بحث عن صاحب اليوميات و(الناس دول)».

وعن اسم الفيلم يقول هشام: «عندما قرأت المذكرات، وجدت أن صاحبها يشير إلى الموجودين معه في الميدان بكلمة «الناس» ويستخدم ضمير الغائب في كل كتاباته، كما أن يوم جمعة الغضب أصيب شخص كان بجواري على كوبري قصر النيل، هذا الشخص قابلته يوم موقعة الجمل وكان رابطا رجله ودماغه من جراء إصابته السابقة، فسألته لماذا نزلت وأنت مصاب؟ فقال لي: مش قادر أقعد لازم أكون مع الناس دول، كما أنني وجدت نفسي عندما أحكي عن الموجودين في الميدان أستخدم نفس الكلمة».

شارك في بطولة الفيلم 15 مصابا من مصابي ثورة 25 يناير، بعضهم أصيب في الميدان، والبعض الآخر أصيب تحت بيته، فبحسب مخرج الفيلم: «تعمدت ذلك لأثبت كذب الداخلية، فالداخلية لم تقتل فقط المصريين في ميدان التحرير بسبب تظاهرهم، وإنما ذهبت سيارات الشرطة لتقتل الناس تحت بيوتهم، ليبثوا الرعب في قلوب المصريين حتى لا ينزلوا ميدان التحرير».

ومن أصعب المشاهد في الفيلم مشاهد المصاب محمود قطب الذي استشهد بعد تصويره بأسبوعين، فيتذكر هشام: «قمت بإخفاء الكاميرا لأتمكن من تصوير محمود، لأن إدارة المستشفى رفضت تصويره، وعندما رأيت إصابات محمود لم أقو على تصويره، وقمت بتشغيل الكاميرا ولم أنظر في عدستها، وأعلم أن المشاهد الخاصة بالشهيد محمود قاسية، ومن أكثر مشاهد الفيلم إيلاما، ولكنني صممت على عرضها، خاصةً أن محمود قطب استشهد بعد تصويرنا له بأسبوعين، ووفاته كان لها دور كبير في الثورة، حيث خرج المتظاهرون في جنازته المهولة واعتصموا بعدها في التحرير، وهذا الضغط أدى إلى بدء محاكمة مبارك. فأنا أعرضها اليوم لعلها تكون سببا في تحريك الشارع المصري الآن».

ساعة وثلث هي مدة الفيلم، سيجد فيها المشاهد نفسه مشاركا في الأحداث متفاعلا معها في كل دقيقة من أحداث الفيلم، وسيشعر بأن الفيلم يصور واقع اليوم وليس أحداث عام مضى، فبحسب مخرج الفيلم وبطله: «الفيلم تم تصويره في شهر يونيو (حزيران) الماضي وعندما قمت بتصويره كنت أتخيل أنني أسجل شيئا للتاريخ، ولكنني فوجئت بأن ما يعرض في الفيلم - من مشاهد لمظاهرات الميدان والهتافات والإصابات - ليس تاريخا وإنما واقعا مستمرا، فالشهداء يتساقطون وعدد المصابين في زيادة، وحتى الهتاف لم يتغير (الشعب يريد إسقاط النظام)».