تقرير للأمم المتحدة يحذر من تهديد للموارد المائية بسبب الطلب المتزايد والتغير المناخي

بمناسبة المنتدى العالمي السادس للمياه في مرسيليا بفرنسا

شح المياه يمثل أحد التحديات والأولويات العالمية حاليا، نظرا للزيادة السكانية المتزايدة وظاهرة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري
TT

الماء سر الحياة وشريانها، فهو الأساس في قيام الحضارات، والسبب في نشوء الصراعات، وشح المياه يمثل أحد التحديات والأولويات العالمية حاليا، نظرا للزيادة السكانية المتزايدة وظاهرة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، ونمو الكثير من الأنشطة الاقتصادية، الأمر الذي ينذر بضرورة اتخاذ تشريعات وسياسات مائية جادة وفعالة، وإدارة مسؤولة وحكيمة ورشيدة للتصدي لمشكلة شح المياه الخطيرة والآخذة في الازدياد عالميا.

وخلال افتتاح المنتدى العالمي السادس للمياه في مرسيليا بفرنسا، في الفترة من 12 حتى 17 مارس (آذار) الحالي، صدر التقرير العالمي الرابع للأمم المتحدة عن تنمية المياه حول العالم، الذي يصدر كل ثلاث سنوات، وتناول إدارة المياه في ظروف صعبة ومحفوفة بالمخاطر، وجاء هذا العام بعنوان «إدارة المياه في ظل المخاطر وعدم اليقين». وقد أشار التقرير إلى أن الطلب على الموارد المائية يشهد حاليا ارتفاعا هائلا في جميع القطاعات الرئيسية المستخدمة للمياه، فهناك 4 مصادر رئيسية للطلب على المياه، هي: الزراعة وإنتاج الطاقة وعمليات الإنتاج الصناعي والاستهلاك البشري. وحذر التقرير من أن التغير المناخي وزيادة الطلب على المياه بصورة لم يسبق لها مثيل، يهددان مصادر الموارد المائية وجميع الأهداف الإنمائية الأساسية، فقد أشار التقرير إلى أن ارتفاع الطلب على الغذاء والتحضر السريع والتغير المناخي، عوامل تتسبب في ضغط كبير ومتزايد على إمدادات المياه العالمية. وخلص التقرير إلى أن هذا الوضع المعقد يتطلب إعادة النظر جذريا في الطريقة التي يتم بها إدارة المياه.

وقالت إيرينا بوكوفا المدير العام لمنظمة اليونيسكو، في مقدمة التقرير، إن «المياه العذبة لا تستخدم على نحو مستدام، وفقا للاحتياجات والمطالب»، وأضافت أن «المعلومات الدقيقة لا تزال متباينة والإدارة مجزأة والمستقبل غير مؤكد على نحو متزايد، كما أن المخاطر عميقة».

وقال ميشال غارود، رئيس منتدى الأمم المتحدة العالمي السادس للمياه في مرسيليا، إن «التحديات والمخاطر وعدم اليقين تسد الطريق أمام التنمية المستدامة وتحقيق أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية، التي تتطلب استجابة جماعية من قبل المجتمع الدولي بأسره».

ووفقا للتقرير، لا يزال هناك ما يقرب من مليار شخص في العالم لا يستطيعون الحصول على مياه الشرب المأمونة، وتتزايد هذه الأرقام في المدن، كما أن البنية التحتية لمرافق الصرف الصحي لا تتماشى مع سكان المناطق الحضرية في العالم، الذين سيتضاعف عددهم ليصل إلى 6.3 مليار نسمة بحلول عام 2050، وهناك اليوم أكثر من 80 في المائة من مياه الصرف الصحي في العالم لا يتم جمعها ولا معاملتها.

وفي الوقت نفسه يتوقع التقرير أن يزداد الطلب على الاحتياجات الغذائية عالميا إلى نحو 70 في المائة بحلول عام 2050، مع طلب متزايد على المنتجات الحيوانية، الأمر الذي يتطلب كميات كبيرة من المياه، وسوف يؤدي الارتفاع في الطلب على الغذاء إلى زيادة بنسبة 19 في المائة في المياه اللازمة للزراعة، والتي تشكل في الوقت الراهن نحو 70 في المائة من استهلاك المياه العذبة، ويفيد واضعو التقرير بأن هذه الأرقام يمكن أن ترتفع إذا لم تتحسن كفاءة القطاع الزراعي بشكل ملحوظ.

وأشار التقرير إلى أن مصادر المياه الجوفية قد تم استغلالها على نحو متزايد للاستجابة لنمو الطلب عليها، فقد تضاعف استخراج المياه الجوفية 3 مرات على مدى السنوات الـ50 الماضية لتصبح «ثورة صامتة»، ففي بعض الأحواض الجوفية لا يمكن أن تتجدد المياه، كما وصلت إلى مستويات متدنية للغاية، وأعرب التقرير عن قلقه من الارتفاع في شراء الأراضي الزراعية في دول أخرى، حيث أشار إلى أن الكثير من الدول قد قامت بحيازة الأراضي الخصبة خارج حدود ولايتها أو زمامها، ولا سيما في أفريقيا، فقد ارتفعت حيازة الأرض من 15 إلى 20 مليون هكتار في عام 2009، إلى أكثر من 70 مليون هكتار اليوم، كما أن إمدادات المياه غير موجهة بشكل واضح في الاتفاقات المبرمة بين الدول المعنية.

ويقول معدو التقرير إن التغير المناخي سيؤدي إلى إحداث تأثير كبير ومتزايد على موارد المياه في السنوات المقبلة، حيث يغير من أنماط سقوط الأمطار، ورطوبة التربة، والأنهار الجليدية الذائبة، وتدفق الأنهار، ويؤدي أيضا إلى تغييرات في مصادر المياه الجوفية. وهناك بالفعل كوارث متصلة بالمياه مثل الفيضانات أو الجفاف، التي ارتفعت وتيرتها وحدتها. كما أن تغير المناخ سوف يؤثر بشكل كبير على الإنتاج الغذائي في جنوب آسيا وجنوب أفريقيا في الفترة من الآن وحتى عام 2030، وبحلول عام 2070 سوف يحدث الإجهاد أو النقص المائي في وسط وجنوب أوروبا، مما سيؤثر على ما يصل إلى 44 مليون نسمة.

وبحسب توقعات التقرير فإن ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح الأرض بدرجتين مئويتين قد يكلف بين 70 إلى 100 مليار دولار سنويا بين عامي 2020 و2050، في إطار عملية التكيف مع الآثار الناجمة عن ذلك، ويرجح أن يرتبط من هذه التكاليف بقطاع المياه مبلغ يتراوح بين 13.7 مليار دولار في الحالات الأكثر جفافا، و19.2 مليار دولار في الحالات الأكثر رطوبة، وأن يستخدم الجزء الأكبر من هذه التكاليف لتأمين الإمدادات المائية وإدارة الفيضانات.

ويتوقع التقرير أن تؤدي كل هذه الضغوط إلى تفاقم الفوارق الاقتصادية بين الدول، وكذلك بين القطاعات والمناطق داخل البلدان، وسوف يقع الكثير من هذه الأعباء على الفقراء. ويشير التقرير إلى أن النقص المزمن في التمويل سيجعل التجهيزات الخاصة بإدارة المياه سيئة في التعامل مع التعديلات المطلوبة، وما لم تصبح للمياه اعتبارات مركزية وأساسية بصورة أكبر في التخطيط لمجالات التنمية، فإن البلايين من البشر، ومعظمهم من الدول النامية، سيواجهون انخفاضا في موارد الرزق وفرص الحياة.

ويؤكد التقرير على أهمية توافر إدارة أفضل للموارد المائية، بما في ذلك الاستثمارات في البنية التحتية من القطاعين العام والخاص، حيث أشار إلى أن الإدارة المسؤولة للمياه من شأنها أن تسهم إسهاما كبيرا في ضمان الأمن المائي عالميا في المستقبل.

يذكر أن هذا التقرير الرائد هو نتيجة لعمل جماعي واسع بين وكالات الأمم المتحدة المعنية بالمياه، والكثير من الشركاء، من خلال برامجهم العالمية التي تم تنفيذها لتقييم برامج موارد المياه.

ويقدم التقرير عرضا شاملا يعطي صورة عامة عن حالة موارد المياه العذبة في العالم، ويحلل الضغوط الناجمة عن القرارات التي تتسبب في ارتفاع الطلب على المياه، وتؤثر بالتالي على مدى توافرها، كما يقدم مجموعة من الأدوات والخيارات العملية لمساعدة قادة الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني على التصدي للتحديات الراهنة والمقبلة، ويقترح التقرير أيضا حلولا يمكن الاعتماد عليها لإصلاح المؤسسات.