«إنسان شريف» فيلم لبناني.. إنجليزي الإيقاع وأردني الهوية

يروي قصة جريمة شرف تجري في إطار يخرج عن المألوف

مشهد من الفيلم
TT

استطاع المخرج اللبناني جان كلود قدسي، من خلال فيلمه «إنسان شريف»، أن يجذب انتباه المشاهد منذ اللحظات الأولى لمجرياته، كون جمالية الصورة ورقي الحوار وأداء الممثلين شكلت عناصر مشوقة تفرض أهميتها على متلقيها لا شعوريا، فتدفعه لالتقاط أنفاسه والالتزام بالصمت للتمكن من استيعاب الكم الكبير من جرعات اللعبة السينمائية المحترفة الموجودة فيه.

وعلى الرغم من ارتسام علامات استفهام كثيرة من قبل المشاهد أمام عدد من الرموز الاجتماعية والرومانسية التي يطرحها الفيلم في قالب غامض، فإن الحبكة الإجمالية للفيلم تبقى على نفس المستوى الدرامي وتذكرنا بالإيقاع الإنجليزي البطيء (إلا في مشاهد قليلة)، فتخرج منه وأنت ما زلت تفكر بحل الألغاز التي تتخلله، كونه يتضمن مجموعة منها تنكشف تباعا في حلقات متتالية يفرج عنها المخرج بأسلوب متميز بالتشويق والإثارة الباردة. كما تطرق إلى مواضيع أساسية في المجتمعات العربية التي تشكل هاجسا لدى البعض ومحرمات لدى البعض الآخر، كالوحدة والحرية والشعور بالندم، وغيرها من المواضيع التي تحاكي الإنسان من خلال المبادئ التي يتربى عليها.

يحكي فيلم «إنسان شريف» قصة رجل انتهك قانون الشرف الذي يحكم مجتمعه، مما أجبره على الهروب لمدة عشرين سنة يعود بعدها إلى بلده لمواجهة أهله الذين كانوا يعتقدون أنه ميت.

يلعب دور البطولة الممثل اللبناني مجدي مشموشي (إبراهيم)، الذي يلتقي صدفة في بيروت بـ(ليلى) وتلعب دورها الممثلة كارولين حاتم. إبراهيم هو من ارتكب جريمة شرف في الأردن، مما دفعه فيما بعد إلى التخفي والهروب إلى العاصمة اللبنانية، فيما أشيع في بلدته أنه مات بحادث سيارة أثناء هروبه تاركا وراءه ابنا (الممثل شادي حداد) وزوجة (أسمى) التي تجسد دورها الممثلة برناديت حديب، وتكون شقيقة (ليلى) التي من أجلها ارتكب جريمته.

وما إن يلمحها حتى يسترجع ذاكرته، فيعود ماضيه ليتراءى له أمام عينيه من جديد، فتمر صور ومشاهد حيثيات جريمته التي قتل فيها (رياض شقيق ليلى)، لأنه لم يستطع أن يقتل شقيقته، كما تتطلب التقاليد في هذه الحالات، عندما فاجأها مع صديقها البريطاني.

وفي لقائه مع ليلى تقول له: «أخي رياض مات جبانا وأنت مت بطلا وأنا أيضا، وأقفل الملف». فهكذا تقفل ملفات جرائم الشرف عادة، فيحاكم القاتل وتكون له أسباب تخفيفية سنّها القانون خصيصا للأب والأخ والزوج، في حال غسلهم العار، لكن في حالة ليلى فإن إبراهيم هو زوج شقيقتها، لذلك يبدأ المشاهد في طرح الأسئلة على نفسه عن علاقة الصهر بجريمة الشرف هذه، ولماذا هو الذي غسل العار.

ويبقى النص مشدودا ومجريات أحداث الفيلم مقبولة إلى حين تنكسر معا في مشهد أعده المخرج أمام قبر رياض، الذي استعيدت ظروف مقتله في ذاكرة والده عندما كان وأهل البلدة وأقرباؤه يدفنون ابنته (أسمى) شقيقة كل من (رياض وليلى) التي ماتت بسبب المرض، عندما يظهر إبراهيم حيا ويفاجئ الجميع، فينتظر المشاهد رد فعل انتقامية مرتقبة من قبل الأب المفجوع بمقتل ابنه من قبل الصهر الذي اكتشف في لحظتها أنه ما زال حيا يرزق. لم يجسدها المخرج إلا لدقائق قصيرة لينتقل فيما بعد إلى جلسة في مقهى تجمع كلا من ليلى وابنتها من زوجها البريطاني ريك التي لا تتكلم سوى الإنجليزية، وإبراهيم وابنه يتسامرون. نشاهد إبراهيم يقول لليلى: «غالبية جرائم الشرف وراءها خبايا عائلية». وتسكت ليلى لأنها تعرف تماما ماذا فعل شقيقها رياض. بينما كانت الابنة الأجنبية تسأل قريبها الشاب: ماذا تعني كلمة «عار»؟

وعلى الرغم من أن مجريات القصة حصلت في الأردن وصورت ما بين لبنان والأردن، فإن فريق العمل بأجمعه كان لبنانيا، وقد اعتمدت اللهجة الأردنية في حوار الممثلين لأن الواقعة (من محض الخيال) حصلت في الأردن. وبرع الممثل محمود سعيد في تجسيد دور (كامل) عم ليلى وإجادة اللهجة الأردنية، كونه من أصل فلسطيني. لماذا اختيرت الأردن كمسرح لوقوع الجريمة؟ يرد المخرج جان كلود قدسي: «لأن الأردن هو البلد العربي الذي ما زال يشهد أعلى نسبة جرائم شرف في العالم العربي، ولا سيما لدى القبائل، إذ إن العرف لديها يقيد المرأة بالزواج فقط من رجل من قبيلتها، وفي حال خرجت عن هذا العرف واختارت رجلا غريبا أو من قبيلة أخرى، فهي تعتبر لطخت شرف العائلة، ويكون مصيرها القتل من قبل أهلها».

ويؤكد المخرج أنه اختار بنية روائية كلاسيكية تتبنى السرد التدريجي، فيها مزيج من الدراما العنيفة والدراما البدوية، وأنه اعتمد في آخر المطاف، مع مدير التصوير ميكايل لاجروي، هيمنة المناظر الطبيعية في الصورة - وكلاهما (البنية الكلاسيكية والمناظر الطبيعية) ميزتان من مميزات الوسترن الأميركي، وقد عززت موسيقى توفيق فروخ هذا الخيار أكثر وأكثر. وأشار المخرج الذي كتب سيناريو الفيلم، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه أراد إرساء بعض الغموض على مجريات الفيلم ككل، ليفسح المجال أمام المشاهد للتفكير بحلها، وليبقى عالقا في ذهنه حتى بعد انتهاء العرض، موضحا أنه تعمد تناول قصة جريمة شرف غير بسيطة تتشعب فيها أحداث عدة، من أجل الارتقاء بالقصة إلى الأفضل، وأن أي علامة استفهام ترتسم في فكر المشاهد تخدم الفيلم وتخرجه من إطار الأفلام العادية.

يذكر أن الفيلم هو من إنتاج لبناني (ميشال غصن - أفلام فيلم) - فرنسي (أنطوان دي كليرمون - ماكت بروداكشن) - قطري (مؤسسة الدوحة للأفلام)، بدأ عرضه في الصالات اللبنانية وشارك في تمثيله في أدوار ثانوية: ليلى حكيم وعايدة صبرا ورنا خليل وكلودين صفير.