يقيم الفنان النمساوي جيرالد هوبير معرضا في «غاليري آرت كوتور» في منطقة نادي البادية للغولف بدبي، حيث يعرض 25 لوحة من لوحاته، مع فنانين آخرين هما كورين باجني، وسينثا ريتا ريتشاردز. لكن يتميز الفنان النمساوي بأنه يستوحي لوحاته من دبي، على عكس الفنانين اللذين يجلبان تجاربهما الفنية إلى دبي. لذا يتحول صرح «برج العرب» المعماري بريشته إلى لوحات لا نهائية من التكوينات والتشكيلات الفنية، التي يراها بعين المعماري.
فهو قبل أن يكون رساما، أمضى أكثر من ثماني سنوات في دبي كمهندس معماري، حاصل على درجة الدكتوراه، إلا أنه سرعان ما وجد موهبته في الرسم ليتفرغ لهذا الفن ويكرس كل طاقاته له، متخليا عن مهنته الأصلية؛ فقد رسم مؤخرا سلسلة من اللوحات الفنية يستوحي فيها قلب منطقة الجميرا وفندق برج العرب، وجعلها في متناول الجميع عندما افتتح مؤخرا «مرسما ومتجرا» في «برج العرب» لتسويق لوحاته، المتوفرة على شكل صور جدارية، ولوحات فنية وبطاقات تذكارية وملصقات بكافة الأحجام، تتوفر فيها عناصر الإبداع الفني، بتفاصيله وتأثيراته.
يمزج الفنان في لوحاته بين «برج العرب» كأيقونة فنية ساحرة، وعمارتها الهندسية، من خلال دمج التراث البحري الذي يعتمد عليه هذا الصرح المعماري، والحداثة الفنية التي جلبها معه من الغرب. وقد تمكن أن يستوحي من الأبراج الشاهقة، بأبعادها الطبيعية والثلاثية. ويرى الفنان في سلسلة برج العرب ومنطقة الجميرا المعمارية وأبراج دبي الأخرى قوة الاستيحاء الفني التي تقود جميع المشاريع المعمارية في دبي.
بعد أن عرض مجموعة من لوحاته في فندق «موفنبيك»، ولاقت رواجا كبيرا عند عشاق الفن وباع منها 12 لوحة، أقام معرضا آخر، احتوى على 30 لوحة تعانق فيها أبراج دبي روائع الخط العربي، في تجلياته الإبداعية الكبرى باعتباره قيمة فنية وجمالية تضفي على اللوحة بعدا جماليا آخر، وخاصة عندما يتعامل معه فنان أجنبي ترسخت في ذهنه قوة الحرف العربي وطاقته.
ويقارب الفنان النمساوي بين الخط العربي وأبراج دبي، التي تنطلق من قلبها النابض بالحركة، أي إنه يجد تشابها كبيرا بين الحرف العربي والعمارة العربية، في الحركة التي تربط بين الطاقة الروحية للبناء والحرف في آن واحد.
يرى الفنان في الأسماك التي حرص على تجسيدها في لوحاته ذات الأبعاد الثلاثة المجسمة رمزا للطاقة، حيث يقول الفنان «في عدد من ثقافات العالم، خاصة في الشرق، توصف الأسماك على أنها عبارة عن سفراء الحياة، بسبب طريقة عيشها وأسفارها في أعماق المياه، وهذا ما دفعني إلى رسمها عبر الظلال وليس عبر حقائقها الطبيعية». وعن تلاحم الحياة والفن، يضيف: «في عالم تتشابك فيه جميع عناصر الحياة، لم تعد اللوحة الكلاسيكية لوحدها صالحة للتعبير عن هذا التعقيد الحياتي. لذلك أحاول أن أضيف أبعادا جديدة إلى اللوحة، من أجل فهم الحياة بكل أبعادها».
ويفسر ذلك بقوله: «عشت في دبي طوال سبعة أعوام وشهدت على نهضة هذا البلد، ورأيت كيف تم تشييد شارع الشيخ زايد وبرج خليفة والمعالم الأخرى، حيث أثارت هذه النهضة العمرانية اهتمامي باعتباري مهندسا مدنيا وفنانا في آن واحد. كنت أعمل في هذا المجال وكنت أراقب كل التغييرات التي تطرأ على المدينة، واكتشفت أفق دبي العمراني كما يبدو لي شبيها بدقات القلب النابض بالحياة لأنها ليست مدينة ساكنة بل متحركة مثل تخطيطات القلب النابض، فأصبحت محركا لإنتاج لوحاتي». ويذهب إلى أبعد من ذلك في رؤية تفاصيل الحياة الصغيرة والمدهشة «إنها تزودني بطاقة إيجابية أقوم بتحويلها إلى استيحاءات فنية، وخاصة من الطبيعة التي تحيط بنا، ولكننا غالبا ما نهملها لأنها منطوية في ثنايا حياتنا اليومية الروتينية، والفن قادر على تمثيلها وبعثها من جديد».
من العجيب أن لهذا الفنان طاقة كبيرة في استيحاء لوحاته من دبي وطبيعتها، بأسلوب تشكيلي مميز، لا يجده الفنانون الآخرون وخاصة العرب، إنها الرؤية الفنية التي تتحكم في الإبداع. يقول في هذا الصدد «أعتبر دبي مدينة الفن من خلال الغاليريهات المتكاثرة التي تتنفس برئة المدينة. دبي بالنسبة لي، مزيج من طبيعة الصحراء والمدينة الحديثة، وهذا ما نراه منعكسا على لوحاتي، وكما أن دبي فخورة بأبراجها العظيمة، فهي فخورة أيضا برمال صحرائها. سجلت بعدسة كاميرتي لحظة مؤثرة في بنايات دبي وأبراجها». وهكذا تخرج المنحوتات المجسمة من خلفيات الصورة، ذات الأبعاد الثلاثية، لكي تشكل تأثيراتها اللامتناهية في تحولاتها، وتفاصيلها الخفية وظلالها وانعكاساتها».
يستوحي الفنان النمساوي جيرالد هوبير من الفلسفة الصينية «فينغ شوي»، التي تنبع من فن التناغم مع الفضاء المحيط وتدفقات الطاقة من البيئة والتصالح مع النفس ومع الطبيعة المحيطة بالإنسان، وبذلك يستطيع التعايش بشكل إيجابي بدون توتر. الطاقة هنا تتولد من الأثاث والعوامل المحيطة بالإنسان والتي تؤثر على حياة الإنسان وصحته ومزاجه وعلاقاته بالآخرين وكل ما يحيط به من خلال فكرة انبعاث الطاقة وامتصاصها، وتوزيعها في حياة الإنسان. يقول الفنان: «أحاول أن أجمع في لوحاتي عناصر الحياة: الهواء، والنار، والأرض والماء، حيث تتداخل هذه العناصر سوية في الصحراء التي تمثلها الريح والشمس والرمل والماء. إن هذا الرمز الصيني القوي هو الذي أوحى لي بهذه السلسلة من عناصر الظلال والانعكاسات. كما اكتشفت أيضا رحلة ابن بطوطة فوق الماء والكثبان والرمل والثلوج والغيوم. يمكن للخيال أن يخلق لنا زوايا كثيرة في الأشياء التي تحيط بنا، ويضيف أجنحة لها، لكي تساعدنا في التحليق، فلا تندهش عندما ترى الأسماك تطير في لوحاتي». أجل، الأسماك تطير في لوحاته بأجنحة من خيال الفنان. ولعل ذلك ناتج عن تأثره بأشكال الفن الحديث: فن البوب آرت والغرافيك والتكعيبية، والدادائية مما تركت بصماتها على أعماله وجعلت لوحاته قريبة من الرؤية البصرية المعتادة في مدينة حديثة مثل دبي. يستمر المعرض حتى نهاية شهر مارس (آذار) الحالي.