مؤتمر في لندن يتناول مهام الإعلام العلمي وأدواره

بحث كيفية توفير التغطية الإعلامية المناسبة والفعالة لمواضيع العلوم والتكنولوجيا

مجموعة من أبرز الدوريات العلمية («نيويورك تايمز»)
TT

هناك حاليا اهتمام عالمي متزايد، وبخاصة في الدول المتقدمة، بالإعلام العلمي عموما وبالصحافة العلمية خصوصا، لإدراك هذه الدول للأهمية البالغة للعلوم والتكنولوجيا، وأكثر من أي وقت مضى، في مكانة ورقي وتطور المجتمعات والأمم.

ولم يعد دور الإعلام العلمي قاصرا فقط على نقل وترجمة الأخبار والتطورات العلمية فحسب، بل أيضا ومهما، دوره كإعلام علمي تنموي استقصائي يكشف الجوانب الإيجابية والسلبية للقضايا والتطورات العلمية، ويستطيع ربط العلم بقضايا التنمية، وقادر على غرس وتعزيز مفاهيم وثقافة أهمية العلم والبحث العلمي وتقدير العلماء، وإعلاء قيمتها بين جميع أفراد المجتمع، وتوصيل رسائل لصناع القرار حول مزايا وقيمة ودور العلوم في النهوض بالأوطان، وكذلك سوء استخدام العلم والتكنولوجيا، وذلك بهدف إعادة تشكيل المجتمع وفق منظومات ورؤى علمية جديدة، لبناء مجتمع قائم على المعرفة لديه قاعدة علمية متميزة لمواجهة التحديات وإيجاد الحلول العلمية والعملية لمشاكل المجتمع الحالية والمستقبلية المتوقعة، في ظل سباق عالمي متسارع نحو التميز والصدارة في العلوم والتكنولوجيا، عنوانه «اللحاق أو الانسحاق».

ويعد بناء وتعزيز وتحسين القدرة والكفاءة المهنية للعاملين في الإعلام العلمي، وبخاصة الجماهيري منه، كالصحف والمجلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية ومواقع الإنترنت والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيس بوك»، من القضايا الإعلامية العالمية المهمة، التي بدأت تفرض نفسها حاليا، وخصوصا في العصر الرقمي الجديد، وذلك للتصدي الفعال للكثير من القضايا العلمية البارزة في العصر الحالي، التي باتت تؤثر على حاضر ومستقبل الدول والمجتمعات، مثل قضايا سلامة الأغذية والأدوية والبيئة والتغير المناخي والاحتباس الحراري، والطاقة والمياه وإنتاج واستهلاك الغذاء، والرعاية الصحية، والعلوم والتقنيات الحديثة مثل النانو تكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر)، والروبوتات والذكاء الصناعي، والتقنية الحيوية (البيوتكنولوجي) والخلايا الجذعية، وغيرها من علوم حديثة متسارعة، تفرض أخبارها وتطوراتها العلمية يوميا على الساحة الإعلامية، وتتطلب متابعة وتغطية علمية دقيقة وجادة وسريعة من الكتاب والصحافيين العلميين والعلماء، لبيان قيمتها وأهميتها ودورها في النهوض بقضايا التنمية في المجتمع.

والسؤال المهم المطروح، هو: هل هناك فجوة بين أدوار ومهام الإعلاميين العلميين والعلماء، في ما يتعلق برسالة الإعلام العلمي؟ وكم من العلماء يخصصون وقتا للتحدث والتعاون مع الصحافيين حول القضايا والأبحاث العلمية، وبخاصة عندما يصدر بيان صحافي لعامة الجمهور حول أبحاثهم؟

حول هذا الموضوع، الذي هو بحاجة للنقاش المتجدد دائما، عقد مؤخرا خلال شهر مارس (آذار) الحالي، لقاء خاص، بعنوان «العلماء والصحافيين بحاجة إلى أشياء مختلفة في العلوم»، نظمه «المعهد الملكي البريطاني»، برعاية ألوك جها، المراسل العلمي لصحيفة «الغارديان» البريطانية، ورئاسة الدكتورة أليس بيل، المحاضرة في الاتصال بشؤون العلم والتكنولوجيا بجامعة «إمبريال كوليدج لندن» البريطانية، وتحدث فيه كل من الدكتور أنانيو بهاتاشاريا رئيس تحرير الطبعة الإلكترونية لمجلة «نيتشر» (الطبيعة) العلمية الأسبوعية البريطانية الشهيرة، وفيونا فوكس رئيسة مركز الإعلام العلمي البريطاني، والدكتور كريس شامبرز بكلية علم النفس بجامعة كارديف، وإد يونغ المدون والصحافي العلمي المستقل، وتم في هذا اللقاء مناقشة أدوار ومهام الصحافيين العلميين والعلماء، وما يحتاجه كل منهما لدعم رسالة الإعلام العلمي، وأهمية الإدراك والفهم الأفضل لكل منهما لهذه المهام، وكذلك التعاون الجاد والجيد للقيام بالتغطية الإعلامية المناسبة والفعالة لمواضيع العلوم والتكنولوجيا.

قال ألوك جها، المراسل العلمي لصحيفة «الغارديان»، إن «هناك حقيقة معترف بها عالميا، وهي أن وسائل الإعلام بصورة عامة يمكنها أن تقوم بعمل أفضل في ما يختص بالتقارير العلمية». وأضاف أن «هناك علماء جيدين وصحافيين جيدين، ورغبة حقيقية في توصيل العلم للجمهور، ولكن في كثير من الحالات، لماذا لا يحدث الاتصال والتواصل الجيد، وما الذي يمكن للعلماء والصحافيين العلميين القيام به لتحسين هذا الوضع؟».

يقول بهاتاشاريا، رئيس تحرير الطبعة الإلكترونية لمجلة «نيتشر»، إن، هناك عدة أساليب وطرق ممكنة يمكن أن تساعد العلماء على تحسين الصحافة العلمية، تتمثل في: الاطلاع على النص الكامل للبيان العلمي الصحافي المتعلق بأبحاث العالم، قبل إعلانه لعامة الجمهور، لتحقيق التوازن بين العناية بالتقارير العلمية والفائدة المرجوة منها، وهذه القيود الموضوعة من جانب العلماء، يمكن أن تسلط الضوء على نقاط الخلط في تفسير جوانب في البيان العلمي، وكذلك الخلط بين المخاطر المطلقة والنسبية، وذلك بهدف أن نضع الفهم العام للعلم فوق الغرور الشخصي، والضغط من أجل تحقيق تأثير العلم في المجتمع. ويضيف بهاتاشاريا، أنه من المهم أن يتعرف العلماء والصحافيون على طبيعة عمل بعضهما البعض، ليصبحوا أكثر دراية بالضغوط والتعقيدات التي تواجههم، وأن يتم ذلك من خلال قيام العلماء باستضافة الصحافيين من خلال أنشطة معينة كأبحاث تدريبية وزيارات لمعامل البحوث، وتخصيص أيام مفتوحة للصحافيين العلميين المتخصصين وغير المتخصصين لمناقشة مبادئ فلسفة العلم والاكتشافات العلمية الجديدة للمجالات البحثية للعلماء. ويتساءل بهاتاشاريا، كم من العلماء يعرف بالضبط متى سيتم إصدار البيان الصحافي العلمي الخاص بأبحاثه إلى عامة الجمهور، وكم منهم يخصص وقتا في يومياته لإجراء مقابلات مع الصحافيين؟

الواقع يشير إلى أنه من المهم أن يكون العالم متاحا في الـ48 ساعة التالية للبيان الصحافي الصادر، حتى يكون مؤثرا وفعالا، لأن العلم ينمو ويتدفق باستمرار، كما أن العلماء بحاجة لتقديم أنفسهم وإتاحتهم بصورة أكثر للمشاركة في المقابلات الإعلامية، وأن يعدوا أنفسهم بعناية أكثر عند الحديث للصحافيين، حتى تكون هذه اللقاءات فعالة.

ويضيف بهاتاشاريا أن مدونات العلماء، أيضا من بين الأساليب المهمة التي يمكن أن يقوم بها العلماء لتحسين الصحافة العلمية، فهي تمثل موارد إضافية مفيدة للصحافيين، فإذا لم يتمكن الصحافي من فهم بيان علمي أو مقال علمي للعالم في دورية، كما لم يتمكن من محادثة العالم عبر الهاتف، في هذه الحالة يمكن للصحافي أن يشير في تقريره إلى مدونة العالم للرجوع للتفاصيل وللأسئلة والأجوبة، فالمدونات الناجحة جسر مهم ذو قيمة عالية في الإعلام العلمي.

من جهة أخرى، تقول فيونا فوكس، الرئيسة التنفيذية لمركز الإعلام العلمي البريطاني، وهو مشروع مستقل، يهدف إلى تعزيز وجهة نظر المجتمع العلمي في وسائل الإعلام، عندما يظهر العلم في العناوين الرئيسية، وذلك في مقال لها بعنوان «مراجعات بسيطة من شأنها أن تحول التقارير العلمية» بمجلة «نيوساينتست» الأسبوعية البريطانية الشهيرة، عدد 9 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي 2011، إن «المعايير العالية في الصحافة، يجب أن تطبق، حيث يمكن لتقرير صحافي أن يلحق الضرر بالمصلحة العامة، وبعض التقارير العلمية هي من مصلحة عامة الجماهير، وعندما تقوم الصحافة بخطأ في العلم، فإن النتائج يمكن أن تكون مدمرة»، وترى فوكس أنه «إذا تم وضع أفضل العلماء والصحافيين العلميين والقائمين بالاتصال في العلم، في حجرة واحدة، فإنه لن يكون هناك وقت طويل للاتفاق على أسس جيدة لإعداد التقارير العلمية». وتضيف فوكس أن «التقارير العلمية وبخاصة الطبية منها، على الأبحاث الجديدة يجب أن تسلط الضوء على حجم العينة والنسب المئوية، حتى لا تكون مثيرة للقلق، فمثلا، إذا كانت دراسة صغيرة على الفئران، فيعني أنها مجرد بداية، وإذا كانت دراسة سريرية (إكلينيكية) تمت على الآلاف من الأشخاص، فيعني أنها أكثر أهمية، كما تنبغي الإشارة إلى مصدر الدراسة، هل هي على سبيل المثال، محاضرة في مؤتمر أو مقابلة مع أحد العلماء أو دراسة في مجلة».

لقد أصبحت هناك أهمية متزايدة في عالمنا العربي، للاهتمام بهموم وقضايا الإعلام العلمي والصحافة العلمية، التي لم تعد ترفا، بل أصبحت ضرورة عاجلة لتغيير وتطوير المجتمعات، في ظل تحديات ومنافسات علمية عالمية متسارعة، تحدد مكانة وقيمة المجتمعات والدول، وأهمية الحاجة لإعلام علمي تنموي يربط العلم والتكنولوجيا بقضايا المجتمع وحاجات ومشكلات الأفراد، وكذلك أهمية دور العلماء في دعم رسالة الإعلام العلمي من خلال التعاون الجاد مع الإعلاميين والصحافيين العلميين، والحاجة المتزايدة لمبادرات عربية لتخصيص جوائز خاصة فقط في الإعلام العلمي بفنونه وأساليبه المختلفة، أسوة بالجوائز العربية الكثيرة في المجالات الأخرى كالفنون والآداب والرياضة، وذلك لدعم وتقدير وتشجيع المبدعين والبارزين في الإعلام العلمي من كتاب وصحافيين وإعلاميين وعلماء، وإعداد أجيال جديدة منهم تهتم بالعلوم والكتابة فيها، مع الاهتمام بالأساليب المستخدمة لتوصيل رسالة الإعلام العلمي، وبخاصة في العصر الرقمي الجديد.