معرض «الرداء الأسود.. حكاية شرقية» في دبي

الشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد آل نهيان تقدم تصورا تجريديا للأزياء والعباءات الإماراتية

تشكيلات العباءة وتقنية جديدة في عرض العباءة
TT

افتتح المعرض الثاني للشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد آل نهيان، تحت عنوان: «الرداء الأسود.. حكاية شرقية»، في صالة «ذي آرا غاليري»، بدبي، بحضور حشد من الإعلاميين والمهتمين والمثقفين.

أفكار لا متناهية في تزيين العباءة، في سلسلة لوحات تسبر أغوار هذا الرداء العربي الذي ظل مستمرا منذ أقدم الأزمنة حتى الوقت الحاضر، ولكن بين يدي الفنانة الشيخة فاطمة، تتحول العباءة إلى تحفة فنية، ذات قيمة عالية، بما تحمله من النقوش الفنية، وترصيعها بالأحجار الكريمة وزركشتها بالخيال.

تناول المعرض موضوع العباءة الإماراتية وعلاقتها الفريدة بالمرأة الإماراتية ودورها في الحفاظ على هويتها. جمعت الأعمال ما بين الكلاسيكية والحداثة، وتميزت بحجمها المبهر ودقة العمل الفني وتنوع الطرح ما بين الاستلهام المباشر للعباءة والجلابية، والتجسيد الأكثر حداثة وتجريدية، حيث بدت اللوحات مفعمة بالحياة مكحلة بالأبيض والأسود، ملونة بفرشاة الضوء والظلال، لتخلق أبعادا فنية تجمع بين الغموض والجمال لتجسد هذا الزي الذي طالما لازم المرأة العربية منذ أقدم العصور. ولم تتوقف اللوحات عند الماضي، وهذا ليس غرضها، بل تناولت جانبا مهما من هوية الإمارات ونظرتها المستقبلية، التي تؤكد أهمية التواصل مع التراث ولكن في قالب معاصر.

وأهم ما تطرحه الفنانة التقنية التي عرضت بها لوحاتها المشكّلة من العباءة، من خلال التصوير المسحي الضوئي أي «الفوتوغرام»، أصل التصوير الفوتوغرافي، والذي أطلق عليه ويليام فوكس تالبوت «الرسم الضوئي» (التصوير بلا كاميرا)، وقد استخدم على نحو بارز في الفنون الدادائية، ومن قبل فنانين كبار أمثال: مان ري وبيكاسو. وتجمع هذه العملية بين الفن والعلم والكيمياء، وفي هذه المجموعة الفنية يتم معالجة الفوتوغرام رقميا، ومن ثم يبدأ عملية التطريز بالأحجار والخرز مع مراعاة التوازن والشكل في الصورة النهائية للعمل.

يذكر أن مجمل الأعمال الفنية لمعرض الرداء الأسود صممت بهذه التقنية، التي تجمع ما بين الفن والعلم والكيمياء، حيث تمر الأعمال المصنوعة، قبل أن تمتد إليها يد الفنانة لتقوم بعملية التطريز الدقيق. وقد أضفت الفنانة هالة كبيرة على العباءة من خلال استخدام الحلي المحلية التي تراوحت أشكالها وأحجامها لتراعي التوازن في العمل الفني.

في معرض «الرداء الأسود»، تقدم الفنانة عبر لوحاتها دراسة تجريدية للأزياء والعباءات الإماراتية في أبعادها الرمزية وشكلها الحسي، فقد قامت بتسخير الضوء والحركة في الغرفة المظلمة بخلق أجسام فنية من الظلال التجريدية السوداء والبيضاء، التي يتم تزويقها في المرحلة التالية لتعبر عن المعنى الفني للزي الإماراتي في شكل مادي تجسيدا لرؤية الفنانة عن تراث بلد بكامله، هو عالم العباءة في الثقافتين القديمة والحديثة. ينبع فن العباءات من شعورها بتأصيل الزي الإماراتي السائد، وهو ما يشكل ركيزة أساسية في الحفاظ على الهوية الإماراتية في دنيا العولمة التي بدأت الأمم تفقد فيها هوياتها. ومن هنا تظهر أهمية ما تقوم به الفنانة في تكريم لروح الهوية والتفرد والأصالة.

وليس ذلك بغريب على الفنانة، فقد أبدت اهتماما كبيرا بالثقافة والفنون، حيث تخرجت في الجامعة الأميركية بدبي وحصلت على شهادة البكالوريوس في الإعلام المرئي. وعملت في مشاريع كثيرة في مجال الفن. فهي فنانة وجامعة لقطع فنية وراعية للفنون والآداب. وجميع أعمالها تبحر في أعماق الذاكرة ومجاهل الروح عبر سلسلة متنوعة من وسائل التعبير: أفلام الفيديو والرسم والتصوير الفوتوغرافي وفنون التركيب.

في النهاية، تختزل العباءة روح الثقافة العربية بين أكثر من 200 جنسية تعيش في ظل العولمة بدبي، من خلال معرض تجريدي للأزياء والعباءات الإماراتية في أبعادها الرمزية وأشكالها الحسية. وفي رأي جميع خبراء الفن، نجحت الفنانة الشيخة فاطمة في إتقان إحدى أقدم وأصعب تقنيات فن التصوير، واستطاعت أن تقدم أعمالا فنية فائقة المستوى إحساسا بالخفة والعمق والحجم، التي نادرا ما تجتمع معا في عالم التصوير. ولم تقف عند حدود التصوير بل تجاوزته إلى إنجاز لوحتها الفنية عبر تغيير الأشكال، وتكثيف الزمن، وإنشاء تشكيل، يتمتع بقوة دهشة الفن، وشغف الإبحار في التاريخ.