احتفالات شعبية كبرى في كردستان العراق بأعياد نوروز اليوم

الملايين يستقبلون الربيع بالموسيقى والألوان والدبكات

حسناوات كرديات يحتفلن في كردستان العراق بأعياد نوروز («الشرق الأوسط»)
TT

من النادر أن تجد اليوم بالذات عائلة كردية أو إيرانية أو آذرية أو عراقية في بيتها، فالجميع يكون قد انطلق في رحلة ومنذ الصباح الباكر إلى البرية، إلى أحضان الطبيعة مثلما يقال، إلى سفوح الجبال وفي الوديان حيث الخضرة والماء.. هناك حيث تزدهر برية أراضي كردستان العراق وشرق إيران وجنوب تركيا بألوان الملايين من الورود البرية، خاصة ورود شقائق النعمان الحمراء والبابونغ الصفراء، وغيرها من النباتات البرية التي تؤثث الطبيعة إيذانا بقدوم الربيع، متناغمة مع ألوان الأزياء النسائية الكردية التقليدية البهيجة والمستمدة من ألوان الطبيعة ذاتها، بينما تكون خلفية هذا المشهد الموسيقى الشعبية والدبكات الفكلورية الكردية.

المناسبة وبكل بساطة، هي بدء الاحتفالات بأعياد نوروز التي تنطلق اليوم في مدن إقليم كردستان وبقية مدن العراق وإيران، كما سيحتفل بهذا العيد الملايين من الإيرانيين والأكراد عبر العالم، إذ تعددت أسباب الاحتفال بهذا العيد وبمعانيه، لكن اسمه بقي واحدا، عيد نوروز، فهو لدى الأكراد عيد التحرر من الظلم وبدء السنة الكردية، وعند الفرس رأس السنة الفارسية، ولعرب العراق يعني عيد الربيع، وفي اللغتين، الكردية والفارسية يعني (نوروز) اليوم الجديد.

ويسبق الاحتفال بأعياد نوروز في المدن الكردية إشعال النيران فوق سفوح الجبال وبين الوديان، واليوم صارت النيران تشعل في المتنزهات العامة في مراكز المدن، وذلك في الليلة التي تسبق قدوم العيد، وذلك استذكارا لقصة البطل الكردي (كاوا الحداد) الذي قاد الشباب الكرد قبل أكثر من 2711 عاما في ثورة شعبية جبارة ضد الحاكم الظالم الضحاك وانتصر عليه على الرغم من جبروته (الحاكم)، ومن ثم أشعل النيران في قصره إعلانا للنصر والقضاء على الظلم وولادة يوم جديد.

وحسب المصادر المعرفية الكردية، فإن «عيد نوروز، هو عيد اليوم الجديد، وهو أول يوم من السنة في التقويم الكردي الذي يبدأ بسبعمائة عام قبل الميلاد، وهو اليوم الحادي والعشرون من مارس (آذار) في التقويم الغربي من كل عام، يوم يتساوى فيه الليل مع النهار ويحتفل الشعب الكردي به منذ آلاف السنين باعتباره عيدا قوميا ووطنيا، والأمة الكردية تحتفل بهذا العيد القومي في كل أجزاء كردستان الكبرى الموزعة على تركيا والعراق وإيران».

ويحتفل بهذا العيد إضافة إلى الكرد «الفرس والأذربيجانيون والأرمن والبلوج والأفغان والطاجيك والأوزبك والتركمان والكازاخ، وهنالك شعوب أخرى مثل العرب في العراق، ونتيجة علاقاتهم التاريخية مع الأكراد، تعتبر هذه المناسبة عيدا (قوميا، وطنيا)، ولكن لا مبالغة أن الكرد من أكثر الشعوب التصاقا بنوروز، والعثمانيون طوال فترة حكمهم للقسم الأكبر من كردستان حاربوا نوروز وتقاليده بعنف، مع أن المسلمين في عصور الراشدين والأمويين والعباسيين لم يعادوا نوروز، بل تقبلوه ولم يبادروا إلى منعه لدى المعتقدين به، إلا أن الأمة الكردية لم تنس تراث نوروز، فهنالك اعتقاد شعبي راسخ تتجه الكثير من الأبحاث لتأصيله وتعميقه، يقول بأن نشأة هذا العيد وتقاليده تعود بأصله إلى جغرافية كردستان، وأقوام زاكروس هي أول الأقوام التي احتفلت بنوروز وواصلت الاحتفال به».

ويتفق أغلب الباحثين المختصين بعالم الأساطير والتاريخ القديم على أن نوروز هو أحد أقدم الأعياد في تاريخ البشرية، وفي التاريخ القديم لبلاد ما بين النهرين، مشيرين إلى أن عيد (ديموز) المعروف لدى السومريين هو ذاته عيد نوروز، لا سيما أن الأبحاث تكاد تؤكد أن هنالك إجماعا لدى علماء الآثار والتاريخ على أن السومريين قد نزحوا من كردستان إلى جنوب ما بين النهرين، ويستدل للربط بين (ديموز) و(نوروز) بان الاثنين يقامان في نفس اليوم حسب التقويم الشمسي ولهما نفس الأبعاد الدلالية من حيث اعتبارهما اليوم الأول من العام الجديد وبداية فصل الربيع.

مدن إقليم كردستان العراق استعدت هذا العام مبكرا للاحتفال بنوروز، حيث تم تزيينها بشتلات الورود واستعد كل من متنزه سامي عبد الرحمن في أربيل، ومتنزه (آزادي) الحرية في السليمانية، ومتنزهات دهوك لاستقبال الآلاف من العوائل الكردية والعربية القادمة من المدن العراقية الأخرى لمشاركة الأكراد في واحد من أبهى وأجمل أعيادهم، خاصة أن الدوائر والدراسة تعطل لما يقرب من ستة أيام. احتفالات سيشارك فيها إلى جانب المواطنين المسؤولون الرسميون، حيث عاد الرئيس العراقي جلال طالباني من رحلة علاجه في الولايات المتحدة للمشاركة في احتفالات نوروز، كما جاء في بيان رئاسي، وسيحتفل مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، مع شعبه بنوروز، وهذه عادة المسؤولين الأكراد سنويا، مثل برهم صالح رئيس حكومة الإقليم الحالي، ونيجيرفان بارزاني المكلف برئاسة الحكومة المقبلة، وهم يحتفلون باعتبارهم مواطنين أكرادا تعودوا منذ طفولتهم الاحتفال بهذا العيد الشعبي.

أسواق مدن إقليم كردستان ازدحمت منذ ما يقرب من شهر قبل موعد الاحتفال بنوروز للتبضع والتهيؤ لاستقبال هذا العيد، خاصة أسواق الأقمشة النسائية التي ازدهرت بالأقمشة الملونة التي تفضلها المرأة الكردية، وتقول كلالة عبد الرحمن، (35 عام)، لقد «حصلت على ما أريد من الأقمشة، لكن المشكلة هي أني لن أعثر على الخياط أو الخياطة التي تستطيع خياطة الثوب التقليدي قبيل نوروز، مواعيد الخياطين مزدحمة»، موضحة أن «المرأة الكردية، ومهما كان عمرها أو مستواها الاجتماعي أو حالتها المادية، تحرص على أن ترتدي هذا اليوم ثوبا كرديا جديدا تفاؤلا بحلول عام سعيد عليها وعلى عائلتها».

وتقول نوروز عبد الواحد، مديرة عامة في هيئة الاستثمار بإقليم كردستان، «لقد أطلقت عائلتي علي اسم نوروز تيمنا بهذا العيد الذي يعني تجدد الحياة وقدوم الربيع والشعور بالسعادة والفرح، ولو أجريتم بحثا بسيطا فستجدون هناك الآلاف من الكرديات اللاتي يحملن اسم نوروز»، وقالت وهي تبتسم «في أعياد نوروز، أكون قد احتفلت ضعف الآخرين لأنني احتفل بالعيد وباسمي»، موضحة أن «الاحتفال بأعياد نوروز بالنسبة لنا تعني أن نجتمع مع بقية العوائل من أقاربنا والأصدقاء والخروج إلى ريف كردستان الساحر في هذا الوقت وسماع الموسيقى والاستمتاع بالدبكات الكردية المعبرة عن فرح نابع من الروح».

وما إن تترك مراكز المدن في كردستان وتتوجه إلى جبال أسفين أو صلاح الدين باتجاه بعشيقة في أربيل، أو إلى جبل أزمر، أو باتجاه قرة داغ في السليمانية، حتى تجد أن الطبيعة مؤثثة بالآلاف من العوائل، وأن ما يربط بينها هي حلقات الرقص الكردية (الدبكات) باختلاف أنواعها (السوراني) و(البهدناني) وغيرها، ترافقهم موسيقى حية عبارة عن عازف مزمار وطبال، وغالبا ما يكون العازفون من أفراد العائلة ذاتها، حلقات تزدهي بابتسامات الحسناوات الكرديات، حيث تعد هذه المناسبة إحدى الفرص الذهبية للشباب العزاب في العثور على شريكة حياته.

أما في بقية المدن العراقية وخاصة ببغداد، حيث يطلق الناس على هذا العيد ذات التسمية الكردية (نوروز)، إذ تخرج العوائل مجتمعة في رحلة إلى مدينة المدائن جنوب بغداد التي تضم مسجد سلمان المحمدي «الفارسي» حلاق الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) والآثار الساسانية مثل طاق كسرى ويحملون معهم الأطعمة وينتشرون في الحدائق والبساتين مرددين الأغاني على إيقاع الموسيقى الشعبية، وخاصة الأغنية الشعبة القديمة (اللي ما يزور السلمان.. عمره خسارة).

اما الفرس، فيحتفلون بهذا اليوم باعتبار أن 21 من شهر مارس هو رأس السنة الفارسية في التقويم الشمسي، ويعتبر لدى الإيرانيين عيدا قوميا تعطل فيه الدوائر الحكومية والجامعات والمدارس لمدة أربعة أيام على الرغم من أن الاحتفالات به تمتد شعبيا لـ12 يوما.

وتحتفل العوائل الإيرانية بوضع (سفرة) صينية عريضة في الليلة التي تسبق يوم نوروز يضعون فيها سبعة أشياء تبدأ بحرف السين حسب اللغة الفارسية، (هافت سين)، وهي الثوم (سير)، وعملة نقدية (سكه)، وفاكهة مجففة (سنجر)، وخضرة (سبزي)، وقطعة ذهب أو سبيكة ذهبية (سبيكه)، وحلويات شعبية (ساهون)، إضافة إلى مرآة ونسخة من القرآن الكريم وسمكة ذهبية (حمراء) على أن تكون حية وفي وعاء مائي، وسماق وصحن من اللوز والفستق والجوز، تكون الخضرة عبارة عن شعير أو حنطة أو أية بذور تزرع قبيل حلول نوروز بطبق خاص وقد اخضرت سيقانها، إذ يتم رمي هذه النبتة في نهر مياهه جارية في اليوم الأخير من الاحتفالات بنوروز.

وقبل سنوات، أقرت الأمم المتحدة عيد نوروز كمناسبة دولية على المستوى العالمي، ومنذ أعوام يقدم رئيس الولايات المتحدة الأميركية كلمة تهنئة بهذه المناسبة إلى الشعوب والأمم التي تحتفل بهذا اليوم في آسيا والشرق الأوسط وبعض أجزاء أوروبا، ويقدر عدد المحتفلين بعيد نوروز بنحو أربعمائة مليون نسمة في إيران وتركيا والعراق وأفغانستان وباكستان وكازاخستان وبعض الدول المتحررة من الاتحاد السوفياتي السابق وجاليات منتشرة في أغلب بقاع العالم.