«ربيع الحرية».. الواقع العربي بعيون فناني جدة

معرض يكشف خلافا حول تعديل الصور الفوتوغرافية أو تركها طبيعية

تمحورت مواضيع الصور حول ما يشهده العالم من صراع وحروب وبحث عن الحرية
TT

أثار معرض للتصوير الفوتوغرافي بمدينة بجدة خلافا بين هواة التصوير التقليدي والتصوير الحديث فيما يتعلق بتركيب الصور ومعالجتها بالفوتوشوب، أو تركها على طبيعتها دون أي إضافات أو تعديلات.

وفيما يرى أصحاب المدرسة الحديثة أن إخضاع الصور للتعديل أمر موجود منذ أن كانت الصور تخضع للمعالجة في غرف التحميض، حيث يهدف في النهاية إلى تحسين الصورة وإخراجها بشكل جذاب، يفضل أصحاب المدرسة التقليدية أن تبقى الصورة على هيئتها الأصلية باعتبار أن بقاءها دون أي تدخل رقمي يبقيها قوية وقادرة على التعبير عن نفسها.

وفي هذا السياق بين مختار سليمان عضو جمعية الثقافة والفنون بمكة خلال زيارته للمعرض والذي يفضل عدم التلاعب بالصور أنهم منذ احترافهم للتصوير تعلموا ضرورة ترك الصورة على طبيعتها.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تعلمنا واحترفنا التصوير منذ القدم ونشأنا على أهمية أن نترك الصورة كما هي على طبيعتها حتى يرى الشخص المنظر الطبيعي كما هو»، مؤكدا أنه في حال تم إدخال أي تعديل على المواد أو الألوان ستتحول اللقطة من صورة فوتوغرافية إلى لوحة مرسومة، مشددا على أن التعديل من شأنه أن يكون سببا في «قتل الصور».

من جهة أخرى لا يرى فهد الدعجاني المصور الحديث المحترف، أن الفوتوشوب يسبب أي نقص للعمل الفوتوغرافي «التقنية تساعد المصور على تصحيح أي خلل أو ضعف معين في الصورة الملتقطة، فلماذا لا نستخدمه»، وأضاف: «في السابق كان المصور يستخدم التحميض وهو عبارة عن فوتوشوب بدائي» مبينا أن المصور في السابق كان يتحكم في درجة تفتيح الصورة وتغميقها أثناء التحميض وهو تماما ما يقوم به الفوتوشوب الآن، مؤكدا أنهم لم يأتوا باختراع جديد.

وأكد الدعجاني أن توضيح الصورة وإضافة الألوان عليها أو تحويلها من أبيض وأسود إلى ملونة والعكس، ما هو إلا عامل يزيد من جمال الصورة، إضافة إلى أنه دلالة على مهارة المصور، مستشهدا بما بات يعرف بـ«فن التركيب» وهو بحسب الدعجاني «مدرسة قائمة بذاتها حيث يقوم المصور بتركيب الفنون والصور على التصاميم»، مؤكدا أنه فن وله عشاقه ومسابقاته الخاصة، وقال: «لا يمكن أن ينكر أحد هذا الفن».

وكان معرض «إنسانية» أقامته جامعة عفت بمقر جدة إتيلية للفنون الأسبوع الماضي واستمر لمدة يومين، واحتضن ما يقارب 50 صورة.

ورغم اختلاف طريقة الطرح والرؤية الفنية لكل فنان، فإن الحالات الإنسانية التي جسدها المعرض اتفقت في مواضيعها التي تمحورت حول ما يشهده العالم اليوم من صراع وفقر وحروب وبحث عن الحرية، حيث اعتمد المصورون على الأسلوب التعبيري لرصد هذه الحالات الإنسانية.

وركزت أعمال الطالبات والموهوبين الذين شاركوا في المعرض من خلال لوحاتهم على القضايا الإنسانية، فتنوعت الأعمال بين الملامح الواضحة والمبهمة، إضافة إلى استخدام اللونين الأبيض والأسود، وتدرج الألوان في بعض اللوحات.

وفي تعليق للمصور المحترف مختار على المعرض، وصف الأعمال بـ«الرائعة»، باستثناء بعض ملاحظاته على الصور التي تم إخضاعها «للعب بالفوتوشوب» حسب وصفه، حيث بين مختار أنهم يركزون أثناء التقييم على «نوع العدسة والكاميرا» ويفضلون أن يستخدمها المصورون لأنها الأقدر على تنمية إبداعاتهم بدلا من الاعتماد على كاميرات الجوال.

وعن أكثر ما يلفت نظره كمحترف أشاد مختار بالزوايا الغريبة التي تعطي بعدا متنوعا للمكان نفسه الذي قد تكون مرت عليه عدت عدسات ولكن بزوايا مستهلكة.

وحول فكرة المعرض أوضح فهد الدعجاني مقيم الصور التي تم اختيارها للعرض ومقدم الدورة التدريبية للتصوير في جامعة عفت التي أخرجت هذه الأعمال، أن المعرض هو نتاج للدورة التي أبرزت مواهب يمكن إخراجها للجمهور في معرض متخصص.

وبحسب الدعجاني فإن الدورة التدريبية تمحورت حول فكرة «كيف نجعل للصورة حياة» وكيف نملك مبدأ أو مفهوما نبني عليه مشهدا فنيا، إذ إن بعض الصور العالمية تحكي آلاف القصص في جزء من الثانية.

وقال الدعجاني: «بعد أن قدم الموهوبون والموهوبات أعمالهم الفوتوغرافية في نهاية الدورة بعد تحريرها ومعالجتها تم عرضها في معرض مصغر، ثم قررنا إقامة معرض ومسابقة على مستوى أوسع»، وأضاف: «السعودية تشهد الآن إقبالا على التصوير» خاصة بعد هبوط أسعار كاميرات الديجيتال الاحترافية التي باتت في متناول الجميع، إضافة إلى سهولة التعلم الذي بات متاحا على الإنترنت».

وحول ربط «الإنسانية» بالمعرض بين أن ذلك كان بهدف إيصال رسالة من قبل المصورين للعالم، مؤكدا أن المعرض له هدفان أولهما أنه يخدم الفن، إضافة إلى أن اللمسة الإنسانية داخل كل صورة تعتبر رسالة هادفة أخرى، وقال: «ينقل المعرض جزءا من جماليات الفن وكل ما له علاقة بالتصوير، إضافة إلى بعض الرسائل التي يحاول المصورون المبتدئون الهواة إيصالها».

وعن آلية اختيار الأعمال المشاركة بين الدعجاني أن اختيار الأعمال جاء وفقا لقوانين وضعت للمعرض، مؤكدا أن هناك أعمالا تم استبعادها لإخلالها بشروط العرض حيث تقدم للمعرض ما يقارب 200 صورة تم اختيار 50 صورة منها، لافتا إلى ضرورة الإكثار من المعارض حتى يتم التثقيف فنيا بشكل أكبر.

ومن بين الأعمال اللافتة صورة فوتوغرافية بعدسة الطالبة رضية وأطلقت عليها اسم، «ربيع الحرية»، حيث بينت رضية أنها فضلت عدم إدخال أي تعديل عليها مكتفية برمزية ضوء الشمس فيها، حيث كانت الصورة عبارة عن يد طبعت عليها «حرية» تخترق صفحة جريدة يومية تتحدث عن ثورات الشارع العربي.

وحول الصورة تقول رضية «بسبب الثورات والأحداث المأساوية التي نشاهدها كل يوم قررت أن أشارك بصورة تتعلق بمفهوم الحرية». رضية، وهي طالبة في كلية إدارة الأعمال، هاوية منذ 6 سنوات، شاركت في 3 معارض بصورتها التي تصرخ «حرية»، وفضلت عدم استخدام الفوتوشوب فيها لأنها تتوقع أن أي تعديلات على الصورة تبين «عدم مصداقية الصورة أو الرسالة، لذا قررت ترك الصورة بإحساسها الطبيعي».

وبينت رضية أن الجيل الجديد مقبل على تعلم التصوير ومواكبة التطوير ورغم أنهم هواة فقط، فإنهم «يجعلون من الصورة شيئا رائعا» بحسب تعبيرها، وحول الجمهور ومدى استيعابه لرمزية الصور تقول رضية إن الكثيرين باتوا يفهمون الرسالة والهدف من الصورة دون أن يضع المصور تعليقا على أعماله إذ أن الصور «تتحدث عن نفسها».

من جهة أخرى أكدت الدكتورة هيفاء جمل الليل رئيسة جامعة عفت أن هذه المبادرة من قبل طالبات الجامعة تنم على قدرة طالبات عفت لخدمة المجتمع والحرص على إظهار المواهب في عدة مجالات مختلفة، مبينة أن معرض التصوير الفوتوغرافي جاء ليثبت أن لدى الطالبات كثيرا من المواهب والطاقات التي يجب استثمارها وتبنيها.

وبينت جمل الليل أن معرض «إنسانية» لم يكن حكرا على طالبات عفت بل كان فرصة لمشاركة المواهب من جميع أنحاء السعودية، لافتة إلى أن دخل مبيعات هذه الصور سيكون بهدف دعم صندوق الطالبات المتعثرات ماديا بجامعة عفت.